آراء وتحليلات
العراق: مخاض العد التنازلي لحكومة الكاظمي
بغداد: عادل الجبوري
في خطوة ربما تنطوي على مؤشرات ايجابية، وقع رئيس الوزراء العراقي المكلف مصطفى الكاظمي على المنهاج الوزاري لحكومته المنتظرة وارسله الى مجلس النواب، لغرض اطلاع أعضاء المجلس عليه، وتمهيدًا لاتخاذ الخطوة اللاحقة المتمثلة بإرسال أسماء أعضاء كابينته الوزارية قبل ثمان واربعين ساعة من موعد عقد الجلسة التي من المفترض أن تشهد منح الثقة للكابينة الوزارية من عدمها، وفق الفقرة الرابعة من المادة السادسة والسبعين التي تنص على أن "يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف أسماء أعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب، ويعد حائزًا ثقتها عند الموافقة على الوزراء منفردين والمنهاج الوزاري، بالاغلبية المطلقة".
وبينما يرى البعض ان ارسال البرنامج الوزاري لحكومة المكلف الى مجلس النواب، يؤشر الى أن الطريق باتت سالكة أمام الكاظمي للنجاح في مهمته، بعد تذويب الخلافات والاختلافات بين الفرقاء السياسيين، والتوافق على الاطر العامة لطبيعة الحكومة المقبلة، يذهب البعض الاخر الى التحذير من الاستغراق بالتفاؤل، وافتراض أن الأمور حسمت وأن العراقيل والمعوقات قد اختفت وتلاشت، وهذا البعض يقول ان المكلفين السابقين، محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي، انجزا هذه الخطوة وأرسلا برنامجيهما الوزاريين والكابينة الوزارية الى مجلس النواب، بيد أنهما وصلا الى طريق مسدود لأسباب وعوامل وظروف ربما كانت مختلفة في ظاهرها.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإنه للوهلة الأولى برزت جملة ملاحظات على المنهاج الوزاري لحكومة رئيس الوزراء المكلف، من بينها انه لم يتضمن تحديد فترة زمنية لاجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، ولم يوضح بما فيه الكفاية الموقف من التواجد الأجنبي في البلاد وآليات انهاء ذلك التواجد، وتطرق الى أهمية التعاون مع الأمم المتحدة لمعالجة المشاكل والأزمات، مما يفهم منه أنه يمثل توجهًا لتدويل الوضع العراقي مثلما تسعى الى ذلك بعض الأطراف الدولية والاقليمية والداخلية، فضلًا عن ملاحظات أخرى عديدة تتعلق بغياب الرؤى الواقعية في كيفية التعاطي مع الأزمات الاقتصادية والصحية القائمة.
وفي واقع الأمر، فإن العقد الشائكة في عملية تشكيل الحكومة الجديدة، لا تتمحور بالدرجة الاساس حول مضامين المنهاج الوزاري بقدر ما تكمن في الاختلافات والخلافات التي قد تبدو عميقة بين الفرقاء حول آلية توزيع الحقائب الوزارية، وطريقة اختيار الوزراء الجدد، وهذه هي ذات الاشكالية التي واجهت المكلفين السابقين محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي، وواجهت كل الذين تصدوا لمهمة تشكيل الحكومات السابقة على امتداد الاعوام السبعة عشر المنصرمة.
بيد أن ثمة من يعتقد أن الكاظمي يمكن أن يستفيد من طبيعة الظروف الحرجة والضاغطة التي تحتم على القوى السياسية التفاهم والتوافق على الحد الادنى من الاشتراطات والمطالب تجنبا لاسوأ الخيارات.
واذا كانت بعض القوى والأطراف الكردية والسنية تراهن على ذلك من أجل تمرير املاءاتها ومطاليبها ادراكًا منها بأن الكتل الرئيسية كالفتح وسائرون، ستضطر الى القبول والتنازل لدفع الأمور الى الأمام، وإبعادها عن الانفاق المظلمة، فإن هناك من يتحدث عن الذهاب الى تمرير حكومة الكاظمي بعد مراجعة الاسماء المطروحة وفلترتها، عبر الاغلبية العددية في البرلمان، التي يمكن ضمانها من خلال تقاطع المواقف والتوجهات داخل كل من البيت الكردي وكذلك البيت السني، مثلما حصل في مرات سابقة، هذا إن لم تتراجع بعض الإطراف عن مواقفها المتشددة وتخفض سقوف مطاليبها العالية، لاسيما حينما تتبلور القناعات بأن الضغوط الخارجية لا يمكن أن تفرض واقعًا معينًا غير الذي توجده الحقائق والوقائع على الارض.
ومن هنا فإن التصريحات الأخيرة التي أدلى بها وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو، عدّت محاولة لخلط الاوراق، وتدخلًا سافرًا في الشأن الداخلي العراقي، ففي خضم الجدل والسجال السياسي المحتدم، ظهر بومبيو ليدعو الساسة العراقيين الى التخلي عن نظام المحاصصة الطائفية والتوصل إلى توافقات لتشكيل الحكومة، في ذات الوقت الذي أطلق تهديدات وتحذيرات للجمهورية الاسلامية الايرانية، حتى بدا واضحًا أنه أراد بشكل أو بآخر الربط بين موضوع تشكيل الحكومة العراقية وأزمة بلاده مع ايران.
ولا شك أنه في ظل المطالبات السياسية والشعبية المتواصلة بضرورة انهاء التواجد الاميركي من البلاد، تترسخ القناعة بأن أي تدخل لواشنطن من شأنه ان يزيد المشاكل تعقيدا بدلا من حلها وحلحلتها، واكثر من ذلك يحتم على الحكومة المقبلة، سواء شكلها الكاظمي أو أي شخصية سياسية أخرى، أن تضع في سلم أولوياتها انهاء الاحتلال، واستعادة السيادة الوطنية بشكل كامل. ولا شك ان المقدمات الصحيحة لا بد أن تؤدي الى نتائج صحيحة، أي بعبارة أخرى، أن تشكيل حكومة بإرادة وطنية، من شخصيات كفوءة ونزيهة وقوية، ووضع خارطة طريق عملية لها على ضوء مقتضيات وضرورات الواقع، من شأنه أن يساهم في تمهيد الطريق لانجاز الاستحقاقات المطلوبة والتقليل من الاثار والانعكاسات السلبية لوباء كورونا وانخفاض أسعار النفط الى أقصى قدر ممكن.
ولا يخطئ من يقول ان صورة المشهد السياسي العراقي الراهن يكتنفها الكثير من الغموض، ولعل الايام القلائل المقبلة ستميط اللثام عن مآلات الامور، لا سيما وانه لم يتبق من مهلة الكاظمي الدستورية لولادة حكومته أو موتها قبل أن تبصر النور سوى عشرة أيام ليس الا.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024