آراء وتحليلات
المحور الشرقي الجديد بمواجهة الكتلة الاميركية ـ الغربية
صوفيا ـ جورج حداد*
قبل وفاته في 2017 كتب مستشار الامن القومي الأميركي في عهد جيمي كارتر، سبيغنيو بريجينسكي مقالة حذر فيها من امكانية التحالف بين روسيا والصين باعتباره يشكل أكبر تهديد جيوستراتيجي يمكن أن يواجه الولايات المتحدة الاميركية وكتلتها الغربية. ويبدو أن الادارة الاميركية، خصوصًا في عهد ترامب، تعمل بشكل معاكس لنصيحة بريجينسكي، اذ إن السياسة الاميركية المتبعة تدفع دفعًا روسيا والصين الى التقارب والتحالف في شتى الحقول الاقتصادية والعلمية والثقافية والسياسية والأخطر: العسكرية. وهذا ما ينطبق ايضًا على ايران الثورة الاسلامية، التي كانت منذ بعض العقود ترفع شعار "لا شرقية ولا غربية" ولكنها تجد نفسها الآن ركنا رئيسيًا من أركان "المحور الشرقي" الجديد، الذي يضم: روسيا والصين وايران وكوبا وفنزويلا وكوريا الشمالية، بالرغم من الاختلافات الايديولوجية والدينية والسياسية ـ الاجتماعية فيما بين هذه الدول جميعا.
وفي الحرب الباردة السابقة، التي انتهت بتفكك وانهيار المنظومة السوفياتية والاتحاد السوفياتي السابقين، كان محور الصراع بين المعسكرين، الشرقي بزعامة روسيا والغربي بزعامة اميركا، يدور حول الايديولوجية وطبيعة وأفضلية النظام الرأسمالي (الغربي) او "الاشتراكي" (الشرقي). أما الآن، فإن محور الصراع الشرقي ـ الغربي يتمحور حول نزعة الهيمنة الاميركية ـ الغربية على العالم تحت شعار ما يسمى "العولمة"، والنزعة الاستقلالية التحررية لمختلف الشعوب والبلدان (اساسا الشرقية) التي تقاوم هذه النزعة التسلطية الامبريالية الاميركية.
وانطلاقا من تاريخها العريق في مواجهة الامبريالية الغربية، منذ ايام الامبراطورية الرومانية القديمة، تقف روسيا اليوم على رأس "المحور الشرقي الجديد" بمواجهة اميركا وكتلتها الغربية. وقد حققت روسيا نجاحا "وطنيا" كبيرا باستمالتها الصين وايران والجمع بينهما الى جانبها في مواجهة نزعة التسلط و"العولمة" الاميركية ـ الغربية ـ اليهودية.
وحسب رأي العديد من المحللين العالميين، وخصوصًا الغربيين، فإن روسيا والصين تمكنتا في السنوات الأخيرة من رفع علاقاتهما المتبادلة الى مستوى المشاركة والتعاون الاستراتيجي الشامل. وقد تأكد ذلك في الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني سي جين بين الى موسكو في حزيران 2019 حينما وقع الرئيسان الروسي والصيني بيانا مشتركا حول "تطوير العلاقات والمشاركة الشاملة والتعاون الاستراتيجي في المرحلة الجديدة" و"لاجل توطيد الاستقرار الاستراتيجي العالمي في المرحلة المعاصرة". وأكد البلدان العظيمان أنهما سيعملان معًا على تطوير نظام عالمي جديد، عقلاني وعادل.
وعبر البلدان عن القلق الشديد مما يسمى "الكتلة الغربية المتعاونة". وعلى هذه الخلفية أبديا الرغبة في تطوير العلاقات العسكرية الاستراتيجية بين روسيا والصين. ولهذه الغاية، وقع رئيس المجلس العسكري المركزي الصيني جان يوسيا ووزير الدفاع الروسي سيرغيي شويغو في ايلول 2019 اتفاقا ثنائيًا حول التعاون المشترك بين البلدين في الحقل العسكري. ويتضمن هذا الاتفاق تبادل التكنولوجيا العسكرية، وامكانية استخدام الجانب الصيني لعناصر المنظومة الروسية المضادة للصواريخ في الشرق الاقصى، وهذا برهان على المستوى العالي من الثقة المتبادلة بين البلدين.
وفي "الكتاب الابيض" الصيني الصادر في تموز 2019 بعنوان (الدفاع القومي للصين في المرحلة الجديدة) جاء ان التعاون العسكري مع روسيا يضطلع بدور مهم في ضمان الاستقرار الاستراتيجي العالمي، وأن هذا التعاون سيستمر ويتطور في البر والبحر والجو.
وتجدر الاشارة الى أن البلدين باشرا باجراء مناورات تدريبية عسكرية مشتركة واسعة النطاق منذ سنة 2012 وما بعدها. واشتركت الصين في المناورات العسكرية التي أجرتها روسيا في ايلول الماضي، بـ 3500 عسكري و900 آلية عسكرية ثقيلة و30 طائرة حربية.
ويرى المراقبون أن التحالف العسكري بين دولتين بقوة روسيا والصين من شأنه أن يغير كل التوازن الاستراتيجي القائم على الكوكب الارضي. ويتخوف الغرب ليس فقط من التعاون الروسي ـ الصيني في الحقل الكنولوجي ـ العسكري، بل كذلك لان روسيا والصين تلتزمان بمواقف واحدة في الأزمات العالمية وتنسقان مواقفهما في المنظمات الدولية، وتجري فيهما تربية هادفة للأجيال الجديدة من الروس والصينيين قائمة على الروح الوطنية المؤكدة.
وعمل روسيا والصين في هذا الاتجاه يبدو كرد فعل على سياسة "الكتلة الغربية" وحلفائها. واذا استمرت ادارة ترامب في انتهاج سياسة موجهة ضد المصالح الوطنية لروسيا والصين، فإن التقارب بين الدولتين سيصبح اشد واقوى بصورة لا مفر منها. فالصينيون لا يحوزون حتى الان التكافؤ العسكري مع اميركا في السلاح النووي الاستراتيجي، ولهم مصلحة كبيرة في ان يجذبوا الى جانبهم القوة العسكرية لروسيا. والروس من جهتهم لهم مصلحة كبيرة في الاستفادة بكل الطرق من القوة الاقتصادية للصين.
وفي 3 تشرين الأول الماضي أعلن الرئيس بوتين عن بدء المرحلة التالية من تشكيل التحالف الدفاعي بين روسيا والصين. وأشار الى: أن روسيا والصين تقومان بمناورات تدريبية مشتركة في اسيا واوروبا، وتجريان لقاءات منتظمة بين كوادرهما العسكرية العليا، وتقومان بالتعليم المشترك للكوادر العسكرية. ويقول بعض الخبراء انه في السنوات الاخيرة تخرج من الاكاديميات العسكرية الروسية اكثر من 3600 كادر صيني.
ويرى الخبراء العسكريون في واشنطن ان الدولتين "الشرقيتين" تبنيان منظومة منسقة للدفاع المضاد للصواريخ، في شمال شرق اسيا، للدفاع عن أراضيهما في حال وقوع هجوم اميركي محتمل، وفي الوقت ذاته يتيح لهما ممارسة الضغط على اليابان والدفاع عن كوريا الشمالية، وهو ما يعتبره الاستراتيجيون الروس والصينيون "ضربة استباقية بالقرب من حدودهما الخاصة". وينسق الروس والصينيون مواقفهم في ما يخص "المسألة الكورية".
وعلى النطاق العالمي يعمل البلدان بشكل منسق في تحد مباشر للمصالح الاميركية في المساحة الواسعة الممتدة من الارجنتين الى القطب المتجمد الشمالي، وتحاولان تحقيق التآكل في الدور الزعامي للدولار في التجارة العالمية.
ويقول بعض الخبراء الأميركيون إن الروس يقومون بعمليات اختراق في شبكة الاتصالات الالكترونية تهدف الى دعم الصين في الحرب التجارية بينها وبين اميركا.
وفي الوقت الذي يبدو فيه التخبط وعدم الفعالية في السياسة الاميركية في الشرق الاوسط يبرز السؤال: من هي القوة الدولية التي ستضطلع بدور الضامن للامن لخطوط نقل الطاقة في الشرق الاوسط؟ إن الكثير من المؤشرات تدل على أن هذا الدور سيقع على عاتق التحالف العسكري الروسي ـ الصيني، بالتعاون مع القوات الخاصة للجمهورية الاسلامية الايرانية. وهو ما تأكد في الاعلان الرسمي لهيئة الاركان الايرانية عن المناورات البحرية المشتركة للقوات الروسية ـ الصينية ـ الايرانية في خليج عمان. وقد تم هذا الاعلان في أعقاب الضربة التي وجهها الثوار اليمنيون الى المنشآت النفطية لشركة "ارامكو" العملاقة في السعودية. وقد ذكرت مجلة Jane's Navy International الاميركية، في نهاية تموز 2019 ان قائد القوات البحرية الايرانية الاميرال حسين خانزادي وقائد الاسطول البحري الروسي الاميرال نيقولاي افمينوف وقعا مذكرة تفاهم حول توسيع العلاقات المشتركة بين الطرفين. وفي مطلع تشرين الاول 2019 أكدت موسكو أنه يجري التحضير لاجراء مناورات بحرية روسية ـ ايرانية ـ صينية في المحيط الهندي. وفي كلمته في اجتماع نادي الحوار العالمي المسمى "فالداي" المنعقد في الخريف الماضي في سوتشي اعلن وزير الخارجية الروسي سيرغيي لافروف بوضوح "نحن والصينيون وايران نستعد لاجراء مناورات بحرية في المحيط الهندي".
ان كل المؤشرات تدل على انهيار النظام العالمي بزعامة اميركا، وهو ما ظهر بشكل فاضح في ازمة وباء كورونا. والعالم كله يقف اليوم على مفترق تحول جديد سيضطلع فيه "المحور الشرقي الجديد" بالدور الانقاذي الاساسي والرئيسي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024