آراء وتحليلات
أوراق الوجود الأجنبي والحشد الشعبي بيد بغداد لا بيد واشنطن
بغداد ـ عادل الجبوري
منذ عدة شهور تعكف قوى وكتل سياسية برلمانية عراقية على إعداد صيغة مشروع قانون يقضي بإخراج كافة القوات الأجنبية من العراق، لاسيما الاميركية منها، وقد اتخذت المساعي بهذا الاتجاه صيغ ومسارات متعددة، بعضها في اطار الحراك البرلماني، وبعضها الاخر ضمن التحرك السياسي والاعلامي والجماهيري.
ويبدو من خلال طبيعة الوقائع والأحداث، وتفاعلات المواقف والتوجهات، أن الطريق باتت معبدة وسالكة أكثر من أي وقت مضى.
ففي منتصف شهر تشرين الاول/ اكتوبر الماضي، كشف النائب في البرلمان العراقي عن كتلة "صادقون" بتحالف "الفتح" سعد حسين، عن وجود توجه لدى بعض الكتل البرلمانية لتمرير تشريع قانون يلزم القوات الأميركية بمغادرة العراق.
وبعد ايام قليلة من ذلك التصريح، أعربت شخصيات برلمانية تمثل قوى سياسية مختلفة عن ترحيبها ودعمها لأية توجهات من شأنها انهاء الوجود الاجنبي في البلاد.
وفي هذا السياق، شدد النائب عن تحالف "سائرون"، الذي يتزعمه السيد مقتدى الصدر، "ان تحالف سائرون سيكون اول الداعمين بقوة لاي مقترح لقرار او قانون يتعلق باخراج القوات الاجنبية، وخاصة القوات الاميركية من العراق". مشيرا الى ان تحالفه "لايحتاج الى من يدفعه باتجاه دعم القرار او القانون، لكونه رافض لاي تواجد اجنبي داخل البلاد مهما كانت صفته او مهمته".
وترافق ذلك مع تصريحات صحفية للنائب الأول لرئيس مجلس النواب حسن الكعبي اكد فيها "أن الوجود الأميركي في العراق يفتقد الى غطاء قانوني، وانه من المتوقع ان يقر البرلمان قانونا يقضي بإخراج القوات الأميركية من البلاد".
وبذات الاتجاه، صرحت النائب عن تحالف "الفتح" انتصار الموسوي، قائلة، "أن إخراج القوات الأميركية من العراق يُعد من أولويات تحالف الفتح خلال الفترة المقبلة".
ويستند مشروع القانون المقترح إلى المادتين الأولى والخامسة من الدستور العراقي النافذ في الخامس عشر من شهر تشرين الاول/ اكتوبر من عام 2005، اللتان تشيران الى ان العراق دولة مستقلة ذات سيادة تامة على أراضيها، وأن الجيش العراقي هو المسؤول عن أمن ترابه وسمائه ومائه.
وبحسب التسريبات من داخل كواليس بعض الكتل السياسية، فإن مسودة مشروع القانون المقترح، تشدد على أخراج كافة القوات الأجنبية من العراق، بما فيه إقليم كردستان، ودعم القوات العراقية، وتشكيلات وزارة الداخلية النظامية وفصائل الحشد الشعبي، وتعزيز قدرات سلاح الجو وبناء منظومات دفاع جوي قادرة على تأمين البلاد، وابرام اتفاقيات عسكرية للدفاع مع دول الجوار ودول صديقة.
وخلال الشهور الثلاثة الماضية، ومع استمرار الجهود والتحركات الرامية لبلورة مشروع القانون وعرضه على البرلمان، راحت الولايات المتحدة الاميركية تتحرك لافشال تلك الجهود والتحركات، في الوقت الذي كررت في مناسبات عديدة انها ستواصل وتديم حضورها العسكري في العراق، رغم انتهاء الحرب على تنظيم داعش، بينما اعلن الرئيس الاميركي دونالد ترامب انه سيسحب القوات الاميركية من سوريا بعد زوال خطر الارهاب عنها.
وينقل ساسة عراقيون، أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قد اوصل خلال زيارته الأخيرة للعراق في التاسع من كانون الثاني/ يناير الجاري، رسالة واضحة إلى القيادات السياسية العراقية، مفادها التحذير من تبني خطوات واجراءات برلمانية ضد الوجود العسكري الاميركي في العراق، ناهيك عن ان الزيارة المفاجئة والسريعة للرئيس الاميركي دونالد ترامب الى العراق، عشية العام الميلادي الجديد، والتي اقتصرت على قاعدة عين الاسد غرب محافظة الانبار، انطوت على ذات المعنى والمقصود.
ويتوقع بعض المراقبين، أنه في حال فشلت واشنطن بثني العراق عن تشريع قانون انهاء الوجود الاجنبي على اراضيه، فأنها ستقوم بتجميع وجودها العسكري في مناطق عراقية مختلفة بمدينة أربيل، والمناطق الكردية القريبة منها، الواقعة ضمن حدود اقليم كردستان. وهذا الخيار قد يتسبب بأشكاليات وازمات بين الحكومة الاتحادية واطراف سياسية في بغداد من جهة، وحكومة الاقليم من جهة اخرى، فضلا عن امكانية تصاعد التوتر والخلافات بين بعض الفرقاء الاكراد انفسهم.
وتبدو الظروف مؤاتية في المرحلة الراهنة، اكثر من اي وقت مضى، للعمل على اصدار تشريع قانون اخراج القوات الاجنبية من العراق، حيث ان هناك اغلبية برلمانية عددية قوية من الكتلتين الكبيرتين المتمثلتين بتحالف البناء وتحالف الاصلاح والاعمار متوافقة ومتفقة على الاسراع بأنجاز هذه الخطوة المهمة.
إلى جانب ذلك فأن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، اطلق منذ تكليفه بتشكيل الحكومة مطلع تشرين الاول/ اكتوبر الماضي، اكثر من اشارة على ضرورة اعادة النظر في الوجود الاجنبي على الاراضي العراقية، ومراجعة الاتفاقيات الامنية المبرمة بين العراق والاطراف الاخرى بهذا الخصوص.
أضف الى ذلك، فان رئيس الوزراء، نفى نفيا قاطعا في المؤتمر الصحفي الاسبوعي الاخير، وجود مهلة زمنية من قبل الولايات المتحدة لحل الحشد الشعبي، قائلا، "أن الحديث عن وجود مهلة لحل الحشد الشعبي غير صحيح، وان ذلك الأمر يعد شـأنا عراقيا بحتا".
في ذات الوقت فإن تنامي الانفتاح الاقليمي والدولي على العراق، وخصوصا بعد الحاق الهزيمة بتنظيم "داعش" الارهابي، واستتباب الاوضاع الامنية في عموم البلاد، وتراجع مستوى التهديدات والتحديات الارهابية الى حد كبير، يمكن أن يشكل حافزاً ودافعاً الى الاسراع في إغلاق ملف التواجد الأجنبي العسكري، والمساهمة بتقوية وتعزيز بنية واداء الأجهزة الأمنية والعسكرية العراقية.
والملفت في الأمر، أن المحاولات والمساعي الأميركية للإبقاء على وجودها العسكري في العراق، إن لم يكن زيادته فيما لو تمكنت من ذلك، تزامنت مع تحركات محمومة لحل وانهاء الحشد الشعبي، جندت لها اوساط ومحافل سياسية، ووسائل اعلام مختلفة وجيوش الكترونية، في داخل العراق وخارجه، لتشويه صورة الحشد من جانب، ومن جانب اخر، العمل على خلق انطباعات لدى الرأي العام بأن مهمته انتهت بهزيمة داعش.
والحقيقة التي ينبغي هنا الاشارة اليها والتذكير بها، هي انه لو كانت واشنطن ـ مع حلفائها واتباعها ـ قادرة على رسم خارطة العراق السياسية وتحديد المسارات والاتجاهات التي تريدها، لما كانت الصورة على ما هي عليه الآن.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024