آراء وتحليلات
كورونا يُجدِّد أوهام "تل أبيب" حول لبنان؟
جهاد حيدر
فرض انتشار فيروس كورونا في داخل "إسرائيل" وبيئتها الاقليمية والدولية، على الاستخبارات العسكرية، "امان" اعادة النظر في بعض تقديراتها التي وردت في التقدير الاستراتيجي السنوي الذي تم الكشف عن بعض مضامينه مطلع السنة الجارية. يأتي تجديد هذه القراءة نتيجة هذا المتغير (انتشار الفيروس)، الذي تحوَّل الى حدث مؤسِّس يتجاوز في رسائله ومفاعيله، البعد الصحي. ويعود ذلك الى كونه أصبح مُحدِّدًا أساسيًا لواقع اقتصادي، محلي وإقليمي ودولي، ستكون له مفاعيله المباشرة على الأمن القومي بشكل مباشر وغير مباشر.
لا يخفى أنه في منطق الاستخبارات، أتى هذا المستجدّ من خارج نطاق التقديرات والسيناريوهات التي وضعتها الأجهزة الاستخبارية كافة في "إسرائيل" وخارجها للسنة الجارية، وفرض أسئلة جديدة على مؤسسة القرار السياسي والامني في "تل ابيب" ازاء الواقع المتغير أصلًا على المستويين الاقليمي والدولي. لكن التقارير الاعلامية التي نقلت مضمون التقديرات الاستخبارية المستجدة، لم تكن شاملة، وهو أمر مقصود على ما يبدو من قبل الذين سرَّبوا بعضها. ومن الأسئلة التي يفترض أنها حضرت لدى الجهات المختصة ولم يتم الاعلان عنها، ما هو تأثير انتشار الفيروس في الولايات المتحدة على خياراتها في هذه المنطقة، وما هي أثار ذلك على التهديدات والفرص المتصلة بـ"اسرائيل"؟ كيف ينظر أعداء "اسرائيل" الى انتشار الفيروس في الداخل الاسرائيلي؟ وما هي تداعيات ذلك على الخيارات الردعية؟ وهل سيكون لذلك أثره على خيارات "اسرائيل"؟ مع ذلك، فقد تعمدت الجهات المختصة حصر التسريبات بما ترى أنه فرصة للكيان وهو ما سيتم التوقف لمناقشته بشكل موجز.
تناول التقدير المتجدد، بحسب ما نقلته وسائل اعلام اسرائيلية، أن "حزب الله غير معني بالاحتكاك مع اسرائيل بشكل عنيف في الوقت الذي هو مشغول فيه بالقضايا الداخلية". يلاحظ على ما أورده التقدير ايحاؤه بأن حزب الله غير معني بالمواجهة العسكرية، بسبب كونه مشغولا بقضايا داخلية، في حين أن خيارات حزب الله تنطلق من رؤية استراتيجية لمجمل الصراع والمرحلة التي يمر بها في المنطقة ولبنان. واذا ما حاولنا استقراء المفهوم العملاني لاداء حزب الله، منذ ما بعد تحرير العام 2000، وتحديدا منذ العام 2006، يلاحظ أنه يركز على بناء وتطوير قدراته الدفاعية والردعية، بهدف توفير مظلة أمن استراتيجي لحماية لبنان.
الأهم أن تشخيص العدو لانشغال حزب الله بالتحديات الداخلية، يُقاس من قبلهم بمقدار تأثيره على قراره بالرد على أي اعتداءات ينفذونها، وهو ما لم يشيروا اليه في التقارير المسرَّبة. عندها حاول العدو أن يختبر مستوى انعكاس انشغال حزب الله بمشاركته في مواجهة الجماعات التكفيرية في الساحة السورية، على خياراته في الرد على اعتداء "اسرائيل". لكن رسائل أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في ذلك الحين، والرسائل العملانية التي نفذها، بددت رهانات قيادة العدو، وتقديراتها.
حرص التقرير الاسرائيلي ايضًا على التأكيد أن "الجيش يواصل متابعة جهود حزب الله" في تطوير قدراته العسكرية الكمية والنوعية. من الواضح أن العدو أراد ايصال رسالة الى حزب الله، بأن انشغال "إسرائيل" بمواجهة تحدي فيروس كورونا لن يثنيه عن متابعة تطورات البيئة الاقليمية بشكل عام، وما يتعلق بحزب الله بشكل خاص.
من جهة أخرى، لم يكن العدو بحاجة لهذه الرسالة لايضاح هذا المفهوم. فقد كان هذا الأمر واضحاً مسبقاً. أضف الى أن انشغال حزب الله بمواجهة تحديات الوضع الداخلي الاقتصادي والصحي بفعل انتشار فيروس كورونا، لا يعني أنه غافل عن تهديدات العدو وترصده. وأثبتت التجارب السابقة أنه قادر على العمل في عدة مسارات داخلية وخارجية بشكل موازٍ. ويعود ذلك الى كون هذه المسارات مجتمعة تنطوي على تحديات مُلِحة ولا تحتمل التأجيل. لكن ما يسمح له القيام بهذا الدور هو كفاءاته الاستثنائية وقدراته الملائمة.
على نفس النغمة المعتمدة، منذ فرض الادارة الاميركية عقوبات غير مسبوقة على ايران، و"اسرائيل" تراقب مفاعيل هذه العقوبات وتراهن على اسقاط النظام أو اضعافه واجباره على الجلوس الى طاولة المفاوضات من موقع المستغيث والمستعد لتنفيذ المطالب الاميركية التي تلبي حاجات اسرائيلية. والآن مع انتشار فيروس كورونا في ايران ومفاعيله الصحية والاقتصادية، من الواضح أن رهانات "تل ابيب" ارتفعت مجدداً. لكن يبدو أنهم في "تل أبيب" استفادوا هذه المرة من تجاربهم الفاشلة فلم يذهبوا بعيدا في تقديراتهم، فاكتفوا بالاشارة الى أن ذلك قد ينعكس على اداء حزب الله، فيصبح "أكثر دقة" في حسابات وتقديرات خطواته. مع ذلك، المؤكد أن "اسرائيل" لن تجرؤ على المغامرة، لأنها مسكونة بالسوابق التي حفرت في وعي قادة العدو وأثبتت كل سياسات التهويل لم تثنِ حزب الله عن الرد على أي اعتداء يستهدفه على الاراضي اللبنانية أو يؤدي الى سقوط شهداء في الساحة السورية. أضف الى أن هذا النوع من التقديرات قد يصح افتراضه مع بداية انتشار الفيروس في طهران، عندما كان في مسار تصاعدي وفي حال فقد النظام السيطرة، أما الان فلم يعد بالامكان الركون الى هذه الرهانات التي يبدو أنها موجهة للرأي العام أكثر من كونها تقديرات مهنية.
الخلاصة الاجمالية التي يوردها التقرير، أن الواقع الاقليمي والمحلي المستجد في لبنان، قد يُنتج لـ"اسرائيل" مساحة من الفرص، من بوابة أنه يمنح الولايات المتحدة ورقة اضافية تشترط بموجبها تقديم مساعدات اقتصادية الى لبنان، مقابل اخراج حزب الله من السلطة، وتقييد حركته.
من الواضح أننا لا نحتاج الى انتظار مزيد من الوقت لاكتشاف وهم هذا الرهان، ويظهر ذلك بشكل جلي في الدور الذي يؤديه حزب الله في مواجهة تحديات الداخل والخارج. كما أن حزب الله لم يُظهر حتى الان أي مؤشر ضعف أو تردد (طمأن نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في مقابلة مع قناة "المنار" أنه في ظل كورونا، شباب المقاومة على جهوزية تامة وكأن الحرب غدًا وإن كانت غير واردة الآن لكن المقاومة عين ساهرة في هذه الظروف كما كانوا في سائر الظروف)، لكن هذا النوع من التقديرات هو نتيجة محدودية الخيارات المتاحة، والكلفة العالية للخيارات البديلة، وفشل محاولة اجتراح خيارات أقل كلفة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024