آراء وتحليلات
بين القانون والواقع: ما هي قدرة الدولة على مواجهة تداعيات الكورونا؟
شارل ابي نادر
بين اعلان حالة الطوارىء أو التعبئة العامة تبعًا لحالة الطوارىء الصحية التي خلقتها وفرضتها تداعيات الفيروس العالمي كورونا، تلهى منذ فترة غير بعيدة قسم من اللبنانيين، سياسيين واعلاميين، بالتصويب على الحكومة والغمز من باب وجوب اعلان حالة الطوارىء، ليس للشروط وللحاجة التي تمليها، بل لتنفيذ مآرب سياسية ضيقة بهدف تطويق الحكومة ووضع السلطات بتصرف المؤسسة العسكرية. وفي الوقت الذي جاء قرار مجلس الوزراء باعلان التعبئة العامة بعد انهاء مجلس الدفاع الاعلى استنادا للمادة 2 من مرسوم رقم 102 تاريخ 16 ايلول 1983، بدأت الحكومة بكافة وزاراتها وأجهزتها بخوض معركة غير سهلة بمواجهة الفيروس.
عندما قدّرت الحكومة أن اعلان التعبئة العامة قادر على خلق الآلية القانونية والادارية والاقتصادية للمواجهة، كانت تعلم جيدًا أن ما يسمح لها به هذا الاعلان بموجب القانون، سيكون مناسبًا وقادرًا على توفير ما تحتاجه من اجراءات، وأن مفاعيل التعبئة العامة ستشكل لها بالتأكيد، بالاضافة لمواجهة أفضل للفيروس، فرصة لتصحيح عدة تجاوزات وأخطاء وارتكابات، حصلت من قبل مؤسسات عامة أو خاصة، واستهدفت أو طالت المواطن في معيشته وحقوقه، خاصة اذا طالت المدة الزمنية لقرار التعبئة العامة.
من بين بنود "حالة التعبئة العامة" والتي تمنح الحكومة صلاحيات واسعة، وبهدف تنفيذ الخطط المقررة في فرض حظر تجول أو تقييد الأعمال واجبار المواطنين على الالتزام بمنازلهم، يحق لها:
- فرض رقابة على مصادر الطاقة وتوزيعها ورقابة على المواد الاولية وتنظيم استيرادها او خزنها.
- تنظيم النقل والانتقال.
- مصادرة الاشخاص والاموال.
- فرض الخدمات على الاشخاص المعنويين والحقيقيين.
انطلاقا من هذه البنود، يحق للحكومة مثلا، بموجب بند الرقابة على مصادر الطاقة وتوزيعها وعلى المواد الاولية وتنظيم استيرادها وخزنها، يحق لها ادارة عملية منع الاحتكار ومنع التحكم بالاسعار، الامر الذي يؤمن توازنا اقتصاديا للسوق خلال فترة حظر التجول وتقييد الاعمال.
لناحية تنظيم النقل والانتقال، يحق للحكومة وعبر قرارات تصدر وتُراقب من قبل وزارة الداخلية، تحديد توقيت التجول وطريقة الانتقال، ومنها مثلا فرز الانتقال بالسيارات الخاصة بين ارقام مزدوجة او مفردة لتخفيف الازدحام ... الخ، وهذه الآلية تؤمن الى حد ما خفض نسبة التواصل الاجتماعي المُسبب لانتشار الفيروس.
الأهم في بنود التعبئة العامة، والتي يمكن للحكومة ان تستند اليها وتنطلق منها، بند مصادرة الأموال والأشخاص، وبند فرض الخدمات على الأشخاص المعنويين والحقيقيين، والتي يمكن تحديد معطياتها وامكانية الاستفادة منها كما يلي:
أولًا: فرض الخدمات على الأشخاص المعنويين والحقيقيين
والمقصود هنا امكانية أن تطلب الحكومة من أي مؤسسة خاصة طبية أو صناعية تقديم أعمال أو خدمات تحتاجها لمواجهة الفيروس، من اختبارات طبية أو عدد أسرة معينة أو خدمات أطباء أو اختصاصيين لتلك المؤسسات الطبية الخاصة، ودائما حسب القانون دون بدل أو على شكل مصادرة اذا أرادت الحكومة ذلك.
ثانيًا: مصادرة الاموال والاشخاص
قبل تداعيات الفيروس الطبية والمالية والاقتصادية بسبب توقف الأعمال، كان لبنان يعاني وضعًا اقتصاديًا وماليًا تعيسًا، بعد أحداث 17 تشرين الاول الماضي، لكي تأتي تداعيات الفيروس وتقضي على الحركة الاقتصادية بشكل شبه كامل، الأمر الذي بدأ ينذر بانفجار اجتماعي وأمني ربما، ستكون تداعياته أخطر من الانتشار الواسع للفيروس حتما، وهنا تبرز الحاجة لتفعيل بند مصادرة الاموال والاشخاص.
موضوع مصادرة الأشخاص، يدخل من ضمن قدرة الحكومة وعبر وزارات محددة، مثل الصحة والاقتصاد وربما غيرها، على الاستعانة بمتقاعدين من كافة الاسلاك أو الموظفين أو بخبراء واختصاصيين في الصحة العامة أو في المحاسبة والاقتصاد، وذلك بطريقة اجبارية ومن دون بدل أو ايجار، لتفعيل اجراءاتها الطبية والاقتصادية والادارية لتغطية الأعمال والجهود الضخمة المطلوبة منها في المواجهة.
ولناحية مصادرة الاموال، قد يكون هنا بيت القصيد في أهم اجراء سيادي وقانوني تتمتع به السلطة أو الحكومة، وهو مصادرة الاموال والتي تحتاجها حكما اليوم، أولا بسبب وضعها المالي المتعثر، الذي يفترض بها تأمين مبالغ محددة للعائلات الأكثر فقرًا والتي توقفت أعمال أربابها، أو التي تعجز عن الحصول على أموالها بسبب اجراءات المصارف في تقنين سحب الودائع، وثانيًا بسبب الحاجة لمبالغ ضخمة لتغطية الاعمال الطبية، من بدل أجهزة تنفس اصطناعي غالية الثمن، أو بدل مستلزمات فحوصات الاصابة بالفيروس أو بدل تجهيزات المستشفيات الحكومية التي من المفترض تحضير العدد الأكبر منها لاستقبال مرجح لمصابين، لناحية الأسرة أو المعدات أو الاختصاصيين المتعاقدين مرحليًا واستثنائيًا.
هنا تذهب الأنظار حتمًا الى الجهة الوحيدة القادرة على تحمل هذه المصادرة وتأمين المبالغ المطلوبة، وهي المصارف المتخمة بأموال وودائع المواطنين المحبوسة، والمتخمة أيضًا بفوائد ضخمة بالليرة وبالدولار على سندات خزينة غير فعلية بل وهمية ومن ضمن لعبة دعم مصرف لبنان لقطاع المصارف على حساب المالية العامة، وبغطاء خادع خلال عشرات السنوات السابقة، بعنوان هندسات مالية مشبوهة منحها لها حاكم مصرف لبنان دون وجه حق وبتجاوز واضح لقانون النقد والتسليف ولصلاحياته من ضمن المجلس المركزي لمصرف لبنان، والتي كانت تقوم وبطريقة وقحة وغريبة، على بيع مصرف لبنان تلك المصارف سندات خزينة بالليرة اللبنانية بقيمة محددة، ليصار فورًا ومباشرة الى اعادة شرائه تلك السندات من المصارف بسعر أقل من سعر المبيع، بحيث كانت تربح مباشرة المصارف الفارق الكبير بمليارات الليرات، والحجة للحاكم هي دعم القطاع المصرفي وملاءته ورساميله لكي يبقى قادرا على تغطية السوق وعمليات السحب والاستثمار للمواطنين.
هذا لناحية ما تسمح به القوانين للحكومة من اجراءات بحق المؤسسات الخاصة والأشخاص والمصارف، فكم بالحري ما تفرضه القوانين على تلك المصارف من وجوب تقديم معلومات عن تهريبها أموال كبار المودعين المشبوهة الى الخارج بطريقة استنسابية غير قانونية، مقارنة مع حبسها لأموال المودعين الصغار ومنعهم من تحويل مبالغ ضئيلة لأبنائهم في الخارج.
ويبقى للسلطة الرسمية وبحسب ما منحتها القوانين من صلاحية، القدرة على اعادة الأمور الى نصابها وتصحيح الكثير من التجاوزات والارتكابات المالية، والتي ارتكبها حاكم مصرف لبنان بالتكافل والتواطؤ مع جمعية المصارف، بحق القانون أولا وبحق الدولة ثانيا، واخيرا بحق المواطنين.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024