آراء وتحليلات
موقع لبنان في ظل اللعبة الإقليمية والدولية: هل من يَلتفِت؟
محمد علي جعفر
في ظل غرق الأطراف المحلية في التجاذات الداخلية، وحسابات تقسيم الخسارة فيما يخص السياسات المالية والإقتصادية للدولة، تُطل تحديات جديدة بالشكل قديمة بالأسباب، لترمي بثقلها على الواقع اللبناني. تحديات يغيب عنها النقاش اللبناني، وقد تُمثل إجابة لانسداد الأفق بين مكونات الداخل اللبناني ولو مرحلياً. فيما يبدو أن اللبنانيين لم يستفيقوا بعد من كبوتهم، ويفقهوا ما يجري حولهم في الإقليم. لكن التحديات المُقبلة بحسب الظاهر لن تكون سهلة، إذا وُضعت ضمن إطارها الإقليمي والدولي. فكيف يمكن مواجهتها، في حين لم يستطع اللبنانيون حل معضلاتهم المحلية! فكيف لهم أن يجدوا حلولاً لتأثيرات الأزمات الإقليمية المُقبلة؟ سؤالٍ يُجيب عنه ما يلي.
في الإطار الإقليمي والدولي، حركة واضحة لجميع الأطراف. إعادة خلطٍ للأوراق، ضمن وجهٍ جديدٍ للصراع بتوازنات وحسابات جديدة. الجميع في مرحلة الترقُّب والحذر. شكَّل العام 2018 نقطة تحوَّل في الصراع الإقليمي والدولي من البوابة السورية. على الصعيد الدولي أقفل العام 2018 ملف الأحادية الأمريكية، وثبت روسيا في موقعها الدولي مقابل أمريكا. من جهةٍ أخرى أعاد العام 2018 تحجيم أوروبا بتناقضاتها. على الصعيد الإقليمي، أعطى العام 2018 كل من إيران وسوريا وتركيا موقعاً إقليمياً ودوراً جديداً، بغض النظر عن حجم التأثير. بين كل هذه الدول، يلعب حزب الله وفصائل المقاومة، دوراً أساسياً في هذا الإطار، لا سيما في مواجهة الكيان الإسرائيلي. وهنا لا يمكن تناسي الدول الخليجية، والتي أنهى العام 2018 دورها التقليدي، وأدخلها في أزمات داخلية اقتصادية المنحى. فكيف بدأت القصة؟ وما الذي انتهت اليه اليوم؟
كالعادة، يُشكل الاقتصاد أساساً للصراعات ومنها الحروب العسكرية. كما يُشكل أيضاً، أساس قوة الأطراف. في معادلات الاقتصاد اليوم، تبرز الطاقة. وفي حسابات الطاقة اليوم، يبرز الغاز. على صعيد الجغرافيا السياسية، شكلت منطقة غرب آسيا أو ما يصطلح عليه بمنطقة الشرق الأوسط، مركزاً للصراعات. القوة كانت ومازالت لمن يمتلك طاقة الشرق الأوسط. أمعنت القوى في استخدام القوة العسكرية للسيطرة وتحقيق أهدافها. فيما اليوم أيقنت جميعها أن القوة العسكرية لم تعد تنفع. وحدها التجارب الأخيرة في الصراع في كل من العراق وسوريا واليمن تكفي. وهنا فإن شعوب المنطقة ما تزال تذكر الاستعمار الفرنسي والبريطاني ونتائجه عليها. وعندما انهارت بريطانيا العظمي، وجاءت أمريكا لتقطف نتائج هذا الاستعمار، سعت لترسيخ حكمها عبر ترسيخ الأحادية القطبية لا سيما بعد انهيار الإتحاد السوفيتي، الى أن حصل التحوُّل!
منذ 11 عاماً أطل بوتين وعبر مؤتمر الأمن في ميونيخ، ليُعلن نهاية الأحادية القطبية. فَهم العالم حينها أن بوتين يُعلن دخول روسيا في صراعٍ مع الولايات المتحدة، لكسر الأحادية القطبية وبناء تحولٍ في النظام العالمي. انطلق بوتين من نقاط قوة عديدة تملكها روسيا. نقطة ترتبط بالاقتصاد، وتحديداً الغاز الذي تحتاجه أوروبا من روسيا وهو ما شكَّل جوهر لعبة الصراع. هكذا بدأت القصة!
من جهتها، سعت بعض الدول الأوروبية وتحديداً فرنسا لفك الرهان الأوروبي على موسكو، بالبحث عن بدائل في أفريقيا والشرق الأوسط. في عهد ساركوزي، لم يكن خفياً سعي فرنسا لتأسيس "اتحاد لأجل المتوسط"، وجالت على عدة دول يمكن أن تكون شريكة في الحسابات الاقتصادية وتمتلك مقوماتها. رفضت عدة دول المشروع بسبب شراكة الكيان الإسرائيلي (منها ليبيا والجزائر وسوريا) وقبلت دول أخرى كمصر وقطر والأردن. لكن المشروع سقط.
من جهتها سعت موسكو لتوسيع دائرة القوة الخاصة بها، وتدعيم موقعها الذي يحتاجه الغرب. حاول بوتين إنشاء حلفٍ دولي يجمع روسيا بالشركاء الأقوياء في مواجهة أمريكا. وعلى الرغم من قوة الرئيس الروسي، لم تكن روسيا حينها مصدر قوة لأحد. حينها أعادت موسكو اللعبة ولكن بحجم اصغر، وأكتفت باتفاقية الدول المطلة على بحر البلطيق.
بين هذه الأطراف سعت قطر كحليف للولايات المتحدة، لأن تكون عرَّاباً في لعبة ربط الشرق بالغرب. فهي رفضت العرض الروسي، وبقيت ملتزمة بالمصلحة الأمريكية.
استطاعت حينها أن تشتري دعم الولايات المتحدة لها، وقدمت نفسها كطرفٍ يُمكن أن يُساهم في حل المعضلة الأوروبية عبر انشاء خطٍ جديدٍ للغاز، يُلغي التبعية الأوروبية لروسيا، ويُعطي الولايات المتحدة ورقة إضافية في صراعها الدولي لإبقاء نظام القطب الواحد. كانت سوريا الممر الضروري. رفضت سوريا العروض القطرية والغربية، فكان رفضها سبباً للحرب الكونية عليها. وقعت الحرب وتحالفت قطر مع السعودية وتركيا والناتو ومن خلفهم أمريكا، في الحرب السورية ووقف الى جانب سوريا كل من إيران وحزب الله، من موقع التحالف في محور المقاومة. استطاعوا تثبيت المعادلات العسكرية في الحرب السورية، وقلبها لصالح الدولة السورية. أطلت روسيا بعد أن راقبت وقرأت الواقع والنتائح بتمعُّن، لتقطف الإنجازات فخطت خطوتها الكبيرة، وأعادت خلط الأوراق الإستراتيجية. قطعت الحلم الأمريكي الأوروبي الخليجي، وثبتت موقعها على الصعيد الدولي وكذلك في الشرق الأوسط!
في النتيجية، فشل المشروع وعادت أوروبا لتكون مرهونة للغاز الروسي، وعادت أمريكا لتجد أنها لم تعد تُدير العالم وحدها وقد سقط النظام الأحادي. وأصبحت سوريا وإيران أقوى بإمتلاكهم الورقة الإستراتيجية للطاقة ومن موقع القوة. فيما خرجت البراغماتية التركية لتكون أقرب الى موسكو من واشنطن.
أمام هذا الواقع الجديد، لم تتغير السياسية الأمريكية. السياسة القائمة على إدارة النتائج. الحرب الإقتصادية على إيران وانتهاك الإتفاقيات معها، تهديد تركيا بتحجيم حربها على الأكراد لا سيما المسيطرين على مصادر الطاقة، حرب التناقض مع مصالح أوروبا الضعيفة، إطلاق مشروع منتدى غاز الشرق الأوسط منذ أيام، كلها خطوات ضمن هذا المسار الجديد الذي بات أقرب الى الحرب المكشوفة. فيما يُشكل منتدى الغاز، خطوة مفصلية تُشبه من يسعى لتأمين حاضنة جيوسياسية للكيان الإسرائيلي، حيث يضم المنتدى كلاً من مصر، فلسطين، الأردن، قبرص، اليونان وإيطاليا. مركز المنتدى في القاهرة، والعضوية ما تزال مفتوحة.
لا شك أن هذه الجبهة الإقتصادية تهدف لحشد قوى وتأسيس محور ضد محور الممانعة والذي يضم كلاً من روسيا، إيران، سوريا، فنزويلا، الجزائر وفصائل المقاومة. يفرض الواقع الجيوسياسي والجيوإقتصادي أن يكون لبنان في قلب المشهد، فهل من يلتفت؟ ففيما تنتمي قبرص وفلسطين الى المنتدى الأمريكي، يتم الدفع بلبنان ليكون في الموقع الأمريكي، كل ذلك خدمة لمصالح الكيان الإسرائيلي. وهنا يأتي التركيز على حزب الله وضرورة أن تتبرأ منه الدولة اللبنانية، وتأتي الأجوبة على أسباب رسالة وزير الخارجية الأمريكي للبنان من العاصمة المصرية. كما تأتي الإجابة على سبب اعتذار الرئيس المصري عن حضور القمة الإقتصادية.
هي لعبة الإقتصاد والسياسة القائمة على الإبتزاز. هي اللعبة الأمريكية التي لم يُفكر بها أغلب الساسة اللبنانيين الغارقين بتفاهات التجاذبات في بازار السياسة المحلية. بعضهم حتى يُراهن على أمريكا إذا لم يكن جزءاً من لعبتها. لا حكومة ولا إقتصاد ولا أعمال وبالتالي لا دولة قادرة على مواجهة التحديات. هذا الواقع هو ما يتصف به لبنان اليوم. في ظل مؤشرات لا تدعو للإطمئنان. فيما يُحدد منسوب عدم الإطمئنان، موقف الأطراف الداخلية والذي سيتوضَّح في الأيام المقبلة..
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
07/11/2024
كم ستنبت الأرض منك!
07/11/2024