آراء وتحليلات
ما هي السيناريوهات العالمية بعد كورونا وكيف تنعكس على لبنان؟
يوسف الريّس
يتصدّر فيروس كورونا الاهتمام عالميًا، ويعيش العالم قلقًا هيستريًا إن على صعيد القطاع الصحي أو على الصعيد الأمن الاجتماعي أو النظام الاقتصادي. لا يزال العالم يواجه الفيروس سريع الانتشار ولم يتحضر بعد للتغيرات السياسية والآثار الاقتصادية التي ستترتب عليه. فالنظام العالمي مبني على قواعد وأسس أهم أدواتها الدولار.
قام اتفاق "Bretten Woods" على ربط قيمة العملات باحتياطي الذهب وما يقابله ذلك من دولار أمريكي، ليعلن الرئيس الأميركي نيكسون عام 1971 أنه فك ربط الدولار بالذهب لتصبح قيمة العملات تتحدد مقابل الدولار. أي أن قيمة العملة هي بمستوى الطلب عليها. هذا الإعلان حدّد شكل الاقتصاد العالمي الحالي، وجعل الدولار العملة الملكية التي تتسابق الدول للحصول عليها لسرعة تداولها وقبولها في الأسواق العالمية من جهة، ولثبات قيمتها إلى حدّ كبير من جهة ثانية.
تأتي أزمة انتشار فيروس كورونا اليوم لتشكل صدمة في الأسواق العالمية التي كانت تتحضر للدخول في مرحلة الركود فتسرّع إعلان الركود العالمي، وشُلّت الأسواق وتعطلت الحركة التجارية في أهم عواصم التجارية العالمية، كما تعطلت حركة الملاحة الجوية والبحرية. أمام هذا الواقع وما توقعته منظمة العمل الدولية من فقدان 25 مليون عامل لعمله جرّاء انتشار فيروس كورونا، يقف الاقتصاد العالمي أمام اختبار صعب: كيف سيكون شكل العالم؟
تتعدد السيناريوهات المحتملة، وأكثرها يشير الى انتقال مركزية الانتاج والتجارة إلى الشرق وما سينتج عن ذلك من انخفاض الطلب على الدولار وبالتالي فقدان دوره الاسطوري، لتليه احتمالية توزع الهيمنة الاقتصادية وانحدار الاتحادات الحالية وما سيشكله ذلك من نمو جديد لدول وتحالفات على حساب دول وتحالفات أخرى. لتصب أقلّ السيناريوهات لصالح التخلف عن مبادئ الرأسمالية ودخول الدول الغربية في الاقتصاد المحلي للحد من أثر الركود ومدته مثل أزمة الائتمان في الـ2008.
الحديث عن مدى صوابية كل سيناريو لا يزال مبكراً، إذ إن الدول تتخبط لحماية مواطينها وتركز جهودها للحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه من اقتصاداتها لحين تخطي الأزمة بالوصول الى علاج أو لقاح. وحتى ظهور نتائج سياسات الدول لا يمكن التكهن في المستقبل وإن كان بعض المحللين يهابون الانهيار الأميركي وما ينتج عن ذلك من انهيار للدولار.
لبنانيا، يواجه البلد أزماته الاقتصادية وتعثراته الناتجة عن سياسات المحاصصة والنهب الممنهج على مدى ثلاثين عاما إلى جانب خطر الكورونا وما سينتج عنهما من مشاكل اجتماعية واقتصادية، إلا أن التغيّر العالمي سيطاله بنسب مختلفة بحسب السيناريوهات الممكنة فسيتأثر دون أن يؤثر.
في حال انهار الدولار سيغرق لبنان بأزمة انخفاض بقيمة أصوله، فمعظم استثمارات لبنان وأصوله واحتياطي العملات الأجنبية لديه هي بالدولار، وبالتالي الانخفاض في قيمة الدولار سيعني انخفاضًا في مجمل أصول لبنان. كما أن عملته المرتبطة بالدولار ستنهار مع الدولار وستنخفض قيمتها مقابل العملات الأجنبية الأخرى إلا إذا استدركت الدولة حينها وفكّت الارتباط بالدولار وعوّمت الليرة وهذا ما ستكون نتيجته نسبية بحسب الوضع الدولي واللبناني في حينها. كما أن إمكانية التغيرات على صعيد المنظمات الدولية وإمكانية حلّها واستبدالها ومنها صندوق النقد الدولي سيشكل محورا أساسيا للاقتصاد اللبناني خاصة بعد التعثر عن دفع استحقاقات اليوروبوندز.
أما في حالة انهيار تحالفات ونمو بلدان على حساب دول أخرى فهذا سيفتح الأفق أمام لبنان لإمكانية ابرام تحالفات تجارية جديدة تأخذ بعين الاعتبار موقعه ودوره الاستراتيجي في المنطقة. فقد تتشكل تحالفات تجارية يهمها انضمام لبنان البلد الصغير رغم إمكانيته المتدنية إليها. هذه النظرة التفاؤلية ليست ذات نسب مرتفعة، إلا أن حدوثها ممكن.
في المقابل، إذا اقتصرت نتيجة أزمة فيروس كورونا على ركود اقتصادي عالمي سيكون الأثر على الاقتصاد اللبناني محدودا ولكن ستضيع فرصة اكتساب تحويلات من الخارج بالعملات الأجنبية بسبب انعدام الثقة بالقطاع المصرفي الحالي بعدما كانت في أوجها خلال أزمة الائتمان في الـ2008. كانت نتيجة أزمة الائتمان العالمية حالة طفرة بالعملات الأجنبية في لبنان استثمرها القطاع المصرفي في تكوين فقاعة العقارات اللبنانية بسبب الفوائد المرتفعة وشبه انقطاعه عن القطاع المصرفي العالمي.
إن لبنان يعاني، والظروف العالمية مبهمة. الدور الأهم لمجلس الوزراء هو في تخطي أزمة كورونا رغم محدودية قدرات جهازنا الطبي والاجتماعي. ولكن التحضير لما بعد الأزمة قد يكون عاملا مهما يستطيع لبنان استغلاله للخروج باقتصاد منتج في فترة زمنية قصيرة. يعاني لبنان من الركود إلا أن انضمام الدول إليه سيمنحه وقتا وفرصا للتغيير. أهم عوامل عودة البلاد إلى الانتاج هي انخفاض معدلات الفائدة على القروض الانتاجية ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة. هذا ما تتجه إليه الحكومات جميعا، وهذا ما على لبنان القيام به. فتوجيه الاقتصاد عبر الفوائد سيكون عاملا جوهريا لتخطي الازمة ولا يمكن التذرع بجذب تحويلات رأس المال لإبقاء الفائدة المرتفعة فانعدام الثقة الحالية لا يمكن أن يتم تخطيه بالفوائد المرتفعة كما السابق. والكورونا رغم مساوئها إلا أنها أعطت لبنان وقتا إضافيا لرسم الخطط وتنفيذها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024