آراء وتحليلات
الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على سوريا: هجوم أم دليل خيبة؟
عبير بسّام
في وقت تنتصر فيه سوريا في حربها على الإرهاب، ويقف إلى جانبها محور المقاومة وأصدقاء يناصرونها، يتضح أن هناك آخرين قد خيبت الحرب آمالهم، آخرين يمثلون محوراً يمكن تسميته بـ"محور الاستعمار"، أو "الاستبداد"، أو "محور الاستيطان" العالمي الذي انتهجته أوروبا منذ بدايات القرن السادس عشر، وتستمر به "اسرائيل" اليوم في القرن الواحد والعشرين، حيث يجد "محور الاستيطان" نفسه متقهقراً أمام ضغط الانتصارات العسكرية في سوريا، وأمام انتصارات دولتها التي دخلت الحرب للسنة التاسعة على التوالي، وهي ما تزال تقف صامدة وحاضرة في ضمير أبنائها ومن أجلهم. في هذا الوقت جاءت الضربات الاسرائيلية المتتالية على سوريا، وآخرها ضربة مطار الشعيرات في 31 آذار/ مارس ومن سماء مدينة جبيل في لبنان. فما هي الرسائل التي تحملها هذه الضربات، وفي هذه المرحلة بالذات؟
في الحقيقة يجب إعادة النظر في الاعتداءات الجوية الاسرائيلية، على أنها دليل قوة للكيان الاسرائيلي، لأنها في الحقيقة دليل ضعف وعدم قدرة على المواجهة المباشرة. وعليه تجب إعادة الثقة في المقاتل العربي، خاصة وأننا نشهد انتصارات المحور المقاوم تتصاعد في كل يوم. وبات علينا أن نخرج من خانة الاعتقاد أن القصف المعادي هو دليل قوة، وأن عدم الرد هو دليل ضعف. إن القصف الذي يطال سوريا اليوم يشبه القصف الذي كان يتعرض له لبنان وسوريا، عند نجاح كل عملية مقاومة منذ قصف مطار بيروت في العام 1968 وحتى اليوم. اذ كان يجن جنون الاسرائيلي بسبب عمليات المقاومة النوعية ضده محاولاً الثأر لكرامته المهدورة، مستغلاً الدعم السياسي والعسكري الأميركي اللامحدود. وعند إعادة القراءة يتضح أن الاعتداءات الاسرائيلية قد جاءت بعد كلّ تحرير وانتصار للجيش السوري وحلفائه على الإرهابيين، وبالتالي الانتصار على مشروع التقسيم الذي رصدت له إمكانيات أميركية واسرائيلية كبيرة.
استغل الإسرائيلي انشغال سوريا في حربها ضد الجماعات الإرهابية، والتي هي حرب الكيان الاسرائيلي بالوكالة، فاستباح السماء السورية منذ بدء الأزمة فيها في العام 2011، وتصاعدت الطلعات الاسرائيلية تحت عنوانين أساسيين، الأول، أنها جاءت في إطار دعم معنويّ وعسكري للمجموعات الإرهابية، التي قدمت لها الدولة العبرية المساعدات الطبية واللوجستية، والعنوان الثاني: تحت مسمى قصف مواقع قوى المقاومة، فـ"اسرائيل" تعي الدور الذي لعبته كل من إيران وسوريا، وخاصة منذ العام 2006 في إعادة تسليح ودعم المقاومة في جنوب لبنان.
وفي قراءة للاعتداء ما قبل الأخير، حين أغارت الطائرات الاسرائيلية في 4 آذار/ مارس الماضي على جنوب ووسط سوريا، وذلك بعد تحرير مدينة سراقب الثاني من الإرهابيين ومن الاعتداءات التركية، جاهر الكيان الاسرائيلي يومها بتخوفه من مشاركة حزب الله في معركة سراقب الثانية. في الحقيقة، التخوف الاسرائيلي وبحسب مصدر للعهد، لم يكن بسبب مشاركة حزب الله المعتادة إلى جانب الجيش السوري، منذ بداية الحرب على الإرهاب في العام 2011، ولكن بسبب قلقه من الخبرة التي سيكتسبها حزب الله بمشاركته كتيبة الاقتحام السورية في معركة سراقب الليلية، والتي استعيدت بموجبها المدينة في صبيحة اليوم التالي.
وأما السبب الثاني للضربة الاسرائيلية ، فهو الاستياء الذي شعرت به نتيجة لإسقاط فخر صناعاتها من المسيرات "العنقاء"، التي يتم تصنيعها في المصانع الحربية للكيان في تركيا. إسقاط المسيرة كان بمثابة ضربة على الرأس تلقاها الكيان العبري، قبل التركي. وفي الإطار نفسه، تكمن أسباب الهجوم المتكرر على مركز البحوث العلمية في جمرايا في ريف دمشق، حيث تم هناك تطوير صواريخ الكورنيت قاهرة الميركافا في تموز 2006. وهي صواريخ روسية، طورتها الخبرات العسكرية السورية لتصبح قادرة على إعطاب وتعطيل دبابات الميركافا، فخر الصناعات الاسرائيلية. ولا نغفل اليوم الدور الذي لعبته سوريا، بحسب مصدر العهد، في حرب غزة في العام 2009 والتي ألحقت بـ"اسرائيل" هزيمة لا تنسى. اذاً "اسرائيل" لا تضرب في سوريا إلا من باب الرد على الضربات التي تلقتها وما تزال تتلقاها والتي لم تعد تحتملها، وإن كان من خلال حركات المقاومة، والتي وقفت وراءها سوريا وبكل إمكانياتها. فما يفعله كيان العدو دائماً هو التخطيط لكيفية الانتقام لفشله وخسارته، إما على صعيد الدول أو على صعيد الأشخاص. فهو يسعى للانتقام لخسارته من غسان كنفاني وحسن سلامة وناجي العلي والسيد عباس الموسوي والقائد عماد مغنية وأسماء أخرى ما زال يذكرها التاريخ.
الصراع مع الاسرائيلي في منطقتنا، هو صراع وجود. فالكيان الاسرائيلي لا يمكن له أن يستمر في منطقتنا العربية. فقد أثبت التاريخ المروع الذي كتب بعد اتفاقيات السلام المتلاحقة من كامب ديفيد إلى أوسلو، أنّه سلام كاذب، اذ استمرت "اسرائيل" بضم المزيد من الأراضي العربية في الضفة الغربية، وتواصل بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة في العام 1967، ولم توفر كل من الولايات المتحدة و"اسرائيل" إعلاناتها المتلاحقة عن حقوق الكيان في أراضي 1967: في القدس والضفة والجولان السوري ووادي عربة الأردني. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن ما يسمى "السلام" مع "اسرائيل"، إن وجد، بناء على مبادئ شرائع الأمم المتحدة واحترام سيادة الدول واحترام حقوق الفلسطينيين في أراضيهم وإقامة علاقات يسودها حسن جوار، سيؤدي إلى ابتلاعها في نهاية الأمر، وبالتالي إلى زوالها، لأنّها غير قادرة على الحفاظ على خصوصية مستوطنيها مقابل أكثر من 400 مليون عربي. ولذا فهي بحاجة ماسة إلى حالة الحرب المستمرة في منطقتنا.
القصف الاسرائيلي الأخير، في 31 آذار/ مارس 2010، جاء في إطار استباحة وقحة لسماء لبنان، كما استبيحت أرض لبنان من قبل لتمرير الإرهابيين إلى سوريا. الكيان الاسرائيلي يظن أن بإمكانه أن يفعل ذلك وينجو بفعلته في وقت تنشغل فيه المقاومة وقيادتها في الحرب على وباء الكورونا وتبعاته الاقتصادية والاجتماعية، ولكن الاعتداء، على الأغلب، لن يمر.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024