آراء وتحليلات
ملامح عصر "ما بعد كورونا" تبدأ في التشكل
إيهاب شوقي
رغم أن الوقت لا يزال مبكرا لاستشراف ملامح عصر "ما بعد كورونا"، الا أن بعض الملامح بدأت تلوح في الأفق، ويمكن تبيان هذه الملامح من خلال الشواهد التي لا يمكن تجاهلها بحكم تحققها الفعلي واثارها وتداعياتها الحتمية والتي ستشارك في صنع الحقائق المستقبلية.
ورغم أن هذه الشواهد ربما لا يكون لها ردود أفعال فورية، الا أن لها تداعيات مؤثرة حتمًا على المستقبل القريب حتى مع تجاوز الأزمة، فكيف اذا طالت الأزمة أو ازدادت حدتها؟ ومن هذه الشواهد يمكن رصد ما يلي:
أولًا: حالة الاستياء الايطالية من المواقف الغربية سواء الاوربية أو الامريكية والتي اعتبرها الايطاليون تخليا عنهم في محنتهم، وهو وان لم يتمخض بشكل فوري عن خروج ايطالي من الاتحاد الاوروبي، فسيكون له تداعياته المستقبلية وخاصة على صعيد الرأي العام الايطالي.
ثانيًا: الاستياء الاوروبي العام من التعاطي الأمريكي مع الأزمة والتصرفات المنفردة بحظر دخول الاوروبيين، وهو أيضًا وان لم تتمخض عنه ردود فعل فورية، فإنه سيؤثر على مستقبل العلاقات، خاصة أنه أعقب استياء أوربيًا عامًا من ممارسات امريكا التجارية والسياسية وخلافات خرجت الى العلن في مؤتمر ميونخ للأمن وغيره من المنابر.
ثالثًا: ما ورد في وسائل اعلام صهيونية عن رفض المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تزويد كيان العدو الاسرائيلي بأجهزة تنفس صناعي لمواجهة تفشي كورونا. حيث أفادت "يديعوت أحرونوت" بأن ميركل رفضت طلب نتنياهو، مؤكدة له أن ألمانيا تعاني هي الأخرى نقصا في أجهزة التنفس، لا سيما وأنها أعارت فرنسا مؤخرا المئات منها.
وهذا الرفض يعد مؤشرا على ما تحدثه الازمة من تحولات كبرى، حيث بلغت العلاقات الالمانية الاسرائيلية في عهد ميركل مرحلة من التطور غير المسبوق، كرسته ميركل بزيارة لكيان العدو في 2018 مصطحبة معها سبعة من أبرز وزراء حكومتها في زيارة وصفت "بالتاريخية"، خاصة بعد التوقيع على اتفاقية تعاون مشترك مؤلفة من 13 صفحة تضم ملفات تبدأ بالتعليم وحماية المناخ وصولاً إلى الملفات العسكرية. كما اعتبر الجانبان أن هذه الزيارة بداية لفصل جديد في العلاقات الألمانية الإسرائيلية.
هذه الشواهد هي مجرد أمثلة على تحولات كبرى محتملة، ولكن هناك أحداث بالفعل نشأت بشكل فوري كتداعيات مباشرة للازمة، ويمكننا هنا محاولة رصد دلائلها وبناء توقعات مستقبلية لها، وتتعلق بالجيش الامريكي وتأثيرات أزمة كورونا عليه:
في العراق، تسلمت القوات العراقية ، قاعدة "K1" في محافظة كركوك شمالي البلاد من قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وقال تلفزيون RT ، إن "القوات التي غادرت القاعدة تابعة للجيش الأمريكي والقوات البحرية الأمريكية، فيما تسلم جهاز مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية، والجيش العراقي القاعدة بشكل نهائي".
وجاء ذلك بعد أن أحدثت كورونا عدة تدابير أعلن عنها البنتاغون ومنها:
1- لم يعد وزير الحرب مارك إسبر ونائبه ديفيد نوركويست وموظفوهم يجتمعون شخصيًا لضمان بقاء زعيم وطني واحد على الأقل وفريقه في صحة جيدة.
2- إعادة الانتشار، وتعطل العمليات المنتظمة، فقد قالت القيادة المركزية، التي تشرف على العمليات في الشرق الأوسط، إنها "تعيد نشر" القوات من العراق وسوريا "لمنع الانتشار المحتمل لـ COVID-19 ، وأوقفت قوات الأمن العراقية جميع أشكال التدريب. ونتيجة لذلك، سيعيد التحالف مؤقتًا بعض قواته التي تركز على التدريب إلى بلدانهم في الأيام والأسابيع المقبلة.
3- سحبت Centcom القوات من بعض القواعد الأصغر في العراق، حيث كانوا أكثر عرضة للهجمات الصاروخية الأخيرة من قبل المقاومة العراقية.
وقالوا إنه بينما يواصلون القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية "نتطلع إلى المستقبل، نتوقع أن يدعم التحالف قوات الأمن العراقية من قواعد أقل مع عدد أقل من الناس".
4- في أفغانستان، حيث تعهدت الولايات المتحدة بسحب حوالي 5000 جندي على المدى القريب كجزء من اتفاق السلام مع طالبان، توقفت تحركات القوات، وأعلن البنتاغون انه لا يريد المخاطرة بنقل الناس حول العالم بطرق يمكن أن تزيد من عدوى COVID-19.
5- اضطر إسبر إلى تعليق التدريبات المشتركة الرئيسية والمناورات الحربية في كوريا الجنوبية وأفريقيا وأماكن أخرى، ففي 11 مارس، قرر البنتاغون خفض مشاركته في ما كان يمكن أن يكون أكبر مناورات الحرب الأمريكية الأوروبية المشتركة منذ 25 عامًا، وهي مناورات حلف الناتو " defender-europe 20 " في جورجيا بمشاركة عشر دول أوروبية أخرى مع 20 ألف جندي أمريكي لأول مرة على أرض أوروبية.
6- في مئات القواعد العسكرية في جميع أنحاء البلاد وحول العالم، يتم منع القوات الأمريكية من السفر ويتم فحص الغرباء بعناية قبل السماح لها بالدخول.
6- تمت عرقلة تجنيد قوات جديدة، وهو نشاط يتسارع عادةً في هذا الوقت من السنة حيث يقترب الطلاب من إكمال دراستهم، وقال الجنرال جيمس ماكونفيل، رئيس أركان الجيش: "سنقوم، بشكل أساسي، بالتجنيد الافتراضي". أضاف "الكثير من ذلك يتم على وسائل التواصل الاجتماعي وهذا يسمح لنا بحماية جنودنا وكذلك حماية المجندين الجدد".
هذه التداعيات المباشرة، تعد مؤشرا حول انتشار القوات العسكرية مستقبلًا واذا ما انضمت الى التداعيات الاقتصادية، فإننا بانتظار تحولات جيوسياسية عميقة لم تكن لتحدث الا بحرب عالمية كبرى، يبدو ان فيروس كورونا اتى نيابة عنها.
لكن السؤال الأهم، هو ماذا نحن كعرب ومسلمين فاعلون؟ وهل ننتظر المنتصر لنتحالف معه، أم أن العزم يجب أن يتوجه للوحدة وبناء القوة لنصبح رقمًا في نظام جديد حتما سيتشكل، حيث الجدل دائر في شكل التحول لا حدوثه الحتمي؟
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024