آراء وتحليلات
نتنياهو في الطريق إلى رئاسة الحكومة.. وليبرمان الخاسر الأكبر
جهاد حيدر
لم يكن مفاجئًا أن تشهد "إسرائيل" تطورات متسارعة باتجاه تشكيل الحكومة. فبعد انتشار فيروس كورونا والمخاوف من آثاره الصحية والاقتصادية التي تتحرك في مسار تصاعدي، وانسداد آفاق الرهانات على خيارات بديلة فورية، بادر رئيس تحالف "ازرق ابيض"، بني غانتس إلى القبول بعرض نتنياهو في التوصل إلى صيغة اتفاق يؤسس لتشكيل حكومة تواجه التحديات الاقتصادية والصحية والسياسية والامنية، وتوفر لنتنياهو مظلة سياسية تُمكِّنه من تحصين نفسه لاحقاً أمام المحكمة.
المتغير الذي شكل مدخلًا لهذا المسار الدراماتيكي تمثل بمساعي تحالف "ازرق ابيض" انتخاب رئيس جديد للكنيست، بدل القيادي في حزب الليكود، يولي ادلشتاين، بعدما نجح في ضمان 61 عضو كنيست، من خلال مروحة واسعة من التحالفات في أعقاب الانتخابات الاخيرة. رأى نتنياهو في هذه الخطوة تهديدا لبقائه في رئاسة الحكومة، انطلاقا من أن رئيس الكنيست يملك صلاحية فرملة أي مشروع قانون أو السماح بطرحه على الهيئة العامة. وكانت المعارضة تسعى لسن قانون يمنع أي متهم بالفساد بترؤس الحكومة. وهو ما شكَّل عملية التفاف بديلة عن الفشل في الاطاحة بنتنياهو جماهيريا وقضائياً.
في مقابل هذا المسار، رفض رئيس الكنيست السابق يولي ادلشتاين عقد جلسة للهيئة العامة من اجل انتخاب رئيس جديد. الامر الذي دفع تحالف أزرق ابيض لتقديم التماس أمام المحكمة العليا التي أصدرت قراراً يلزمه بذلك. مع ذلك، حاول ادلشتاين الالتفاف على القرار عبر تقديم استقالته من منصب رئاسة الكنيست. لكن المحكمة العليا فرضت عقد الجلسة وحدَّدت رئيسا لها للقيام بعملية الانتخاب.
في هذه المحطة بالذات تسارعت الاتصالات بين غانتس ونتنياهو التي أدت إلى خلط الاوراق والتحالفات. تم بنتيجتها التوصل إلى الاتفاق على مبدأ تشكيل حكومة وحدة – طوارئ، وعلى دعم غانتس للترشح إلى رئاسة الكنيست، كبديل عن مرشح التحالف مئير كوهين. وهو ما أدى إلى تفككه.
كشف انتخاب غانتس رئيسا للكنيست بدعم معسكر اليمين، عن انقلابه على حلفائه في المعارضة الذين كانوا متفقين على عدم المشاركة في حكومة يترأسها نتنياهو، وعن انطلاق فعلي لمسار تشكيل الحكومة التي قد يتم الاعلان عنها خلال الايام المقبلة.
فيما يتعلق بالعامل الاول، تواجه "إسرائيل" تحديات داخلية غير مسبوقة في تاريخها، نتيجة التداعيات الصحية والاقتصادية لانتشار فيروس كورونا، وفي ضوء ذلك، وجدت القيادة الإسرائيلية نفسها ملزمة بخيار تعطيل واغلاق "إسرائيل"، رغم ادراكها لأثمانه الاقتصادية الهائلة. وتُقدِّر وزارة المالية في الكيان أن التعطيل الكامل للمرافق الاقتصادية لمدة 12 أسبوعا سينجم عنه ضرر بنسبة 17.7% من الناتج المحلي، بمبلغ يقارب 239 مليار شيكل (الدولار = 3,6 شيكل). وكلما اشتد الاغلاق واستمر مدة أطول، سترتفع خسائر المرافق الاقتصادية أكثر، وفترة انتعاشها ستستغرق وقتا أطول. وقدرت ايضًا أن هذا الاجراء الاقتصادي سيؤدي إلى عجز في الموازنة العامة بنسبة 15.5 % من الناتج المحلي، ما يعني أن ميزانيات الحكومة، في السنوات التي تلي الأزمة، ستتراجع بشكل كبير بسبب دفع فوائد وخفض تدريجي لها الأمر الذي سيستوجب رفع نسبة الضرائب على الجمهور بشكل كبير. أمام هذه التقديرات وجد غانتس أن الخيار المنطقي هو التخلي عن السقوف السياسية العالية والمشاركة في حكومة فاعلة قادرة على مواجهة هذا التحدي.
مع ذلك، لم يلجأ غانتس إلى هذا الخيار، إلا بعدما استنفد خياراته البديلة، تمثل ذلك بفشله المتكرر في الرهان على اسقاط نتنياهو جماهيريا وقضائيا، فيما أظهر معسكر اليمين تماسكا على المستويين السياسي والشعبي. ثم فشل في أعقاب الانتخابات الاخيرة في تشكيل حكومة اقلية، بعدما فقد الاغلبية المطلوبة لذلك. وهكذا وجد نفسه مجدداً أمام خيارين اما حكومة وحدة مع نتنياهو، أو انتخابات رابعة في ظل الاوضاع الصحية والاقتصادية المستجدة. ولا ينبغي أن نستبعد ايضا طموحات غانتس السياسية التي شكَّل توليه رئاسة الكنيست مدخلا هاما لتحقيقها، خاصة اذا ما تضمن الاتفاق أن يتولى رئاسة الحكومة بالتناوب مع نتنياهو.
وهكذا يكون نتنياهو نجح في تسجيل انجاز سياسي كبير، تمثل بتعبيد الطريق لتشكيل حكومة تستند إلى قاعدة برلمانية عريضة، تمنحه هامشاً أوسع في المناورة بين اطرافها المختلفين. وحقَّق ذلك من دون تقديم أي تنازلات تهدد مستقبله السياسي والشخصي. واستطاع ايضا بعد سنة ونصف من الكباش السياسي في تفكيك منافسه اللدود، تحالف "ازرق ابيض"، بعدما انشق عنه غانتس. لكن الخاسر الاكبر في كل هذه المعمعة السياسية، كان رئيس "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان، الذي فشل في الاطاحة بنتنياهو، وفي لعب دور "بيضة القبان"، بل يصح القول، بمنطق النتائج الفعلية، إن غانتس استخدمه لتعطيل الحكومة وتعبيد الطريق أمامه كي يصبح رئيسا للحكومة ولو بعد 18 شهراً.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024