آراء وتحليلات
كيف بنى حزب الله استراتيجيته لمواجهة كورونا؟
شارل ابي نادر
يواجه العالم اليوم كارثة غير مسبوقة فيها الكثير من المآسي والأهوال، أصابت دولا ومجتمعاتٍ بأكملها جراء تفشي فيروس كورونا على كامل الكرة الارضية تقريبا. وبعد ان اعتبرته منظمة الصحة العالمية "جائحة"، وبالرغم من العمل والجهد المُركّز والمضني الذي تقوم به اغلب مراكز الابحاث العلمية والطبية العالمية، لا يوجد له حتى الان علاج او لقاح، كما لا يبدو ان هناك اي خطة واضحة المعالم بهدف السيطرة عليه.
صحيح أن هناك دولًا وحكومات تجاهلت بداية التأثيرات السلبية المفترضة للفيروس كورونا على مجتمعاتها، معتبرة الموضوع غير بعيد عن انفلونزا عادية او فوق العادية، فكانت ردة فعلها بطيئة وبعيدة عن المستوى المطلوب، مما كبدها لاحقًا خسائر ضخمة ومؤلمة، وهي تتخبط الان لمحاولة الخروج منها او السيطرة على الفيروس، وربما قد فات الاوان، ولكن من جهة أخرى، هناك دول وحكومات كانت ردة فعلها مقبولة، فوضعت استراتيجية واضحة للمواجهة، وتوصلت الى نتائج مرضية.
في لبنان، حتى الان، يمكن القول إن هناك مستوى مقبولًا من المواجهة، من جهة بشكل رسمي على صعيد الحكومة مجتمعة والتي اتخذت عدة قرارات استثنائية، وعلى صعيد أغلب الوزارت المعنية منفردة، وربما على صعيد كل الوزارات والبلديات لأنها جميعها معنية بالمواجهة، تتقدمها وزارة الصحة في تلك المواجهة كوزارة متخصصة ومسؤولة مباشرة، ومن جهة اخرى بشكل غير رسمي، بحيث توزعت المواجهة على صعيد الاحزاب بدرجة اولى وبعض الجمعيات الخاصة المتواضعة الامكانيات.
من بين ما قدمته أو أعلنت عنه تلك الأحزاب التي قررت المساهمة والمشاركة في مواجهة الفيروس، كان لافتًا ما قدمه حزب الله، والذي عرض خطة شاملة، تضمنت مروحة واسعة من الاجراءات والقدرات والامكانيات التقنية والمالية والبشرية والتنظيمية والطبية، تجعلها (الخطة) صالحة للعب دور أساسي في تحقيق مستوى متقدم ومؤثر في سبيل مواجهة الفيروس بطريقة فعالة .
الأساس في خطة حزب الله أنها تأتي لتتكامل مع اجراءات الحكومة اللبنانية ومن ضمن استراتيجية الدولة في المواجهة، وهذه النقطة تعتبر مهمة لجمع ولتركيز الجهود نحو تحقيق هدف واحد مشترك للمواجهة، وحيث رأى حزب الله في ضخامة الخطر نتيجة انتشار وتفشي الفيروس بشكل واسع، وفي متابعته لعمل واجراءات الدول في هذه الحرب الكونية اليوم، والتي تتطلب تظافر كل الجهود الوطنية في سبيل ذلك، بنى حزب الله استراتيجيته، والتي انطلقت من المفاهيم التالية:
المفهوم الوطني:
- تبين من مناطق انتشار المراكز التي خصصها حزب الله في كل المحافظات اللبنانية، أن خطته تجاوزت المفهوم الضيق المتعارف عليه في لبنان، والذي يقوم عادة على مساعدة البيئة القريبة جغرافيًا أو مذهبيًا أو انتخابيًا، لتمتد الى مفهوم واسع فيه البعد الوطني الجامع، وحيث كانت لافتة خطته بعناصرها المختلفة من لوجستية وبشرية وعملياتية وتنظيمية، وبطريقة ادارته لتوزيع المهام والاعمال والقدرات، يمكن أن نستنتج أنه يجد مواجهة الكورونا معركة وطنية لا تختلف ابدا عن معاركه بمواجهة العدو الاسرائيلي او بمواجهة الارهاب.
- ايضا، حيث إن المقاومة هي جزء أساسي من النسيج اللبناني، وهي مكون وطني يمثل بيئة واسعة تتجاوزالطائفة والمذهب والجغرافيا، وهي (المقاومة) عنصر أساسي من عناصر قدرات الدولة، وجهودها وتضحياتها كانت دائمًا تصب في اطار دعم جهود وأهداف الدولة اللبنانية، هي ايضًا تلعب من خلال نوابها وسياسييها دورًا اساسيًا في ممارسة السلطة في لبنان، لذلك يمكن اعتبارها جزءًا اساسيًا من الحملة الوطنية في المواجهة .
المفهوم الاستراتيجي:
أمام هول الأخطار التي سببتها وستسببها كورونا في العالم، وأمام المقارنة بين دول فشلت في مواجهة الفيروس ودول اخرى نجحت في احتوائه حتى الان، رأى حزب الله ومن خلال نظرته الاستراتيجية البعيدة، وجوب التصرف سريعًا والعمل استباقيا، من خلال تنظيم القدرات وحشدها والبدء بالاجراءات التحضيرية والتنفيذية بأقصى سرعة، خاصة أنه يعلم، وكما الجميع طبعا، أن قدرات الدولة اللبنانية الذاتية متواضعة، لدرجة تجعلها بعيدة عن المستوى المطلوب للمواجهة، وذلك من كافة النواحي المالية والصحية والادراية، وهذا الضعف اساسًا ظهر عند اغلب الدول المتقدمة. وخطته التي عرضها، والتي هي كما يبدو أصبحت جاهزة فعليًا بكامل عناصرها، توحي بأنها نتيجة عمل منظم أخذ وقتًا غير بسيط وهي ليست خطة وليدة الساعة، الأمر الذي يؤكد نظرته الاستباقية والتي تفوّق فيها على اكثر من دولة متطورة، من التي تفاجأت بخطر انتشارالفيروس وتداعياته.
المفهوم التقني:
- من خلال دراسة الخطوط العامة لخطة حزب الله في دعم الدولة اللبنانية بمواجهة الكورونا، يمكن أن نستنتج أن ما وضعه فيها من خبرات تنظيمية وادراية وبشرية، هي اساسًا صالحة لادارة حرب محدودة او معركة واسعة، حيث رأى أمينه العام السيد حسن نصر الله في اول كلمة له بموضوع كورونا، انه علينا بمواجهة الفيروس، أن نعتبر أنفسنا بمواجهة كارثة عالمية وأزمة كونية، ويجب أن نخوضها كمن يخوض حربا خاصة لا تختلف ابدًا عن الحروب والمعارك العسكرية التقليدية.
- لقد تضمنت خطة حزب الله من ضمن ما تضمنته، كافة قدراته وامكانياته اللوجستية والمالية والطبية والبشرية والعملياتية، بالاضافة طبعا للقدرات التنظيمية التي يمتلكها قادته الميدانيون وكوادره وعناصره، والتي تحتاجها معركة مواجهة الفيروس، بدءًا من التنسيق مع الاجهزة الحكومية والبلديات، الى التوجيه والتوعية ونشر تعليمات الوقاية والتصرف، الى المتابعة والملاحقة ومراقبة التزام المواطنيين، وصولا الى تنظيم الاخلاء الصحي والمساعفة الاولية، وامتدادا الى المعالجة، عبر ادارة الحجر العادي المنزلي اولا، ولاحقا في ادارة الحجر المتقدم في مراكز مخصصة، او الى العلاج المركَّز في المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة.
ويبقى الأهم في هذه المشاركة الاستثنائية لحزب الله في دعم الدولة اللبنانية بمواجهة كورونا، انه وكعادته، يعمل بتفان ومسؤولية، غير آبهٍ بالعديد من الاتهامات والمهاترات التي دأبت بعض الأطراف الداخلية والاقليمية على استهدافه بها، وهو اليوم يبرهن أنه، ومن موقعه المسؤول كطرف اساسي في الجبهة الوطنية، يتجاوز كل الصغائر نحو تحقيق أكبر قدر ممكن من التكاتف والتعاضد الذي يحتاجه لبنان اليوم، وربما اكثر من أي يوم مضى.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024