آراء وتحليلات
كورونا والعودة إلى الريف
يوسف الريّس
يعاني لبنان من أزمة عجز في ميزان مدفوعات متراكمة أجلتها سابقا تحويلات خارجية من العملات الأجنبية، أو قروض ضخّت في الاقتصاد اللبناني الريعي. هذا العجز في ميزان المدفوعات سيصعب على المستوردين اللبنانيين تأمين السلع بشكل عام والسلع الغذائية والطبية بشكل خاص.
وفي ظل أزمة تفشي فيروس كورونا باتت الأولوية لاستخدام ما تبقى من احتياطي عملات أجنبية لتغطية استيراد المستلزمات الطبية. ولكن الأزمة الغذائية في ظل اقتصاد راكد ومغلق لا تقلّ أهمية عن أزمة الوباء العالمية الحالية.
وبالنظر إلى حركة الاستيراد اللبنانية قبل الظروف الاقتصادية الراهنة فقد كانت قيمتها تقارب الـ22 مليار دولار سنويا لتصبح 19.2 مليار دولار في عام 2019 يقابلها ما يقارب الـ4 مليار دولارات من الصادرات. وبحسب IDAL، فإن 10% من السلع المستوردة هي سلع غذائية جاهزة ومشروبات إضافة إلى 5% من الواردات هي خضراوات أي ما يكون مجموعه يقارب ال2.88 مليار دولار سنويا من الاستيراد.
هذه الحاجة الأساسية، وإن كانت تحمل في طياتها مواد غذائية كمالية، يقف لبنان عاجزا عن تأمينها في ظل عجز في ميزان المدفوعات وما ترجم على أرض الواقع على أنه أزمة شح في الدولار. ليتسبب فيروس كورونا بإغلاق محكم للمؤسسات التجارية والخدماتية إضافة إلى إيقاف المعابر البرية والبحرية والمطار.
هذا الوضع العام يظهر احتمالية سوداوية للأيام المقبلة خاصة على صعيد القطاع الخاص وموظفيه بشكل عام والشركات الناشئة وأصحاب المهن الحرة بشكل خاص.
البطالة التي سادت في الجو العام اللبناني وما ترافق معها من خطر أعلى لانتشار مرض الكوفيد 19 في المدينة بسبب الازدحام، أدى إلى عودة المواطنين إلى ربوع الريف. وهيأ هذان السببان إلى مشاريع تنمية مستقبلية في الريف اللبناني. فخطة اللامركزية اللإدارية ومشاريع التنمية في المناطق كانت تهدف إلى تخفيف الضغط عن العاصمة بيروت والمدن الأساسية وهذا ما تحقق خلال الأزمة المتشعبة الحالية دون كلفة تذكر، ولكن الحفاظ عليه سيتطلب مجهودا كبيرا من الحكومة ولكنه أقل مما كانت ستتكلفه بعيدا عن الأزمات الحالية.
ما ينتج عن النمو في الريف هو نمو في القطاعات الإنتاجية وهذا أقصى ما تتطلع إليه الخطط الإنقاذية اللبنانية. فالنزوح نحو الريف في ظل أوضاع اقتصادية خانقة سيعيد المواطنين إلى العمل في القطاع الزراعي بما فيه من استصلاح أراضٍ وزراعة استهلاكية.
ولكن بالنظر إلى الأرقام ستتضح أهمية الزراعة. فقد استورد لبنان عام 2011، أي قبل الأزمة السورية ما يعني أنها الحاجة المحلية آنذاك: بطاطا بقيمة 51 مليون دولار، بندورة بقيمة 5 ملايين دولار، خس بقيمة مليون ونصف مليون دولار، جزر بقيمة 5 ملايين دولار، خيار بقيمة مليون ونصف مليون دولار، ملفوف بقيمة 3 ملايين دولار، باذنجان بقيمة مليوني دولار ونصف مليون.
إن هذه الأرقام ليست سوى عينة عن الحاجات الأساسية القادر لبنان على إنتاجها وتحقيق اكتفاء ذاتي فيها وإن لم نقل تصديرها.
لطالما كانت إحدى الأدوات المستخدمة لتقليص العجز في ميزان المدفوعات هي خفض قيمة العملة، لدفع الحركة الإنتاجية في السوق المحلية. هذه النظرية مبنية على حقيقة تعامل الأفراد مع غلاء الأسعار، فعند خفض قيمة العملة ستصبح السلع المستوردة باهظة الثمن ما سيشجع السكان المحليين على الانتاج إن كان زراعيا، أو صناعيا أو تكنولوجيا.
أما في لبنان، فقد كانت نتيجة العجز الدائم في ميزان المدفوعات هبوطًا في قيمة العملة ترافق مع حالة شلّ للأسواق العالمية. هذا ما سيدفع اللبنانيين إلى الانتاج المحلي بدافع قوي وهو البقاء.
العودة إلى الريف التي نتجت عن الظروف الحالية فرصة أمام مجلس الوزراء لتحقيق هدف نمو المناطق، إذ إن عودة العنصر البشري إلى المناطق الريفية تحققَ. الاختبار الآن هو في مدى امكانية استغلال هذه الفرصة في ظل شبه حالة طوارئ صحية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024