معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الأميركيون والتقسيم وأحلام أردوغان العثمانية
09/03/2020

الأميركيون والتقسيم وأحلام أردوغان العثمانية

عبير بسّام

كما قلنا سابقاً، إن لعب أردوغان على الحبال لن يأتي أكُله، وقدماه سوف تتعثران في نهاية الأمر. فأردوغان الذي يرى في نفسه "عثمان بن أرطغرل" آخر، عجز عن قراءة التاريخ الذي لن يعيد نفسه، لأنّ الإرادة التي حكمت المنطقة إبان ضعفها في القرن الثالث عشر، لا ينطبق عليها الكلام نفسه في زمن الانتصارات.

 وعندما يخرج السفير الروسي على إحدى الشاشات اللبنانية، بعد انتصار سراقب الأول، ليشكك بالإستراتيجية التركية في المنطقة انطلاقاً من الأطماع العثمانية، وبنسب ذلك إلى عبارات نارية مثل "الأمن القومي التركي" واعتبار الجيش السوري عدوًا له، يجعل الأطماع التركية مفضوحة على الملأ. وبالتالي فإن مشروع التقسيم الذي تسعى أمريكا لتحقيقه في المنطقة تجرّ أردوغان إليه من خلال اللعب على الحلم العثماني ليحقق أهدافه.

في العام 1920 وقعت الدولة العثمانية معاهدة سيفر والتي بموجبها منح الاستقلال لأرمينيا وشبه الجزيرة العربية، وجرى الاعتراف بخضوع كل من سوريا والعراق للانتداب. كما نصت المعاهدة على اعتبار مضائق البوسفور والدردنيل مناطق مجردة من السلاح وتحت إدارة عصبة الأمم المتحدة، ومنحت تراقيا والجزر التركية الواقعة في بحر إيجه لليونان. كما نصت المعاهدة على استقلال الأكراد، والسماح لولاية الموصل بالانضمام إلى كردستان في حال تقدم أهالي هذه المنطقة بطلب الانضمام إلى الدولة الكردية، أي أن عملية التغيير الديموغرافي وتهجير السريان والآشور والعرب التي تمت في العام 1933- 1936 من الموصل إلى كركوك كانت عملية منظمة.

أدى توقيع المعاهدة إلى انفصال الحركة التركية الوطنية بقيادة كمال أتاتورك، والذي استمر بالحرب ضد الأوروبيين حتى ألغيت معاهدة "سيفر" وتم توقيع معاهدة "لوزان" (الثانية) في العام 1923. بموجب معاهدة لوزان تمت تسوية أوضاع القسم الأوروبي في تركيا، وأوضاع الأقليات وتحديد الحدود مع مختلف الدول حولها، وتنازلت بموجبها عن دول المشرق العربي وكل من جزيرتي قبرص  ودوديكانيسيا، وتنازلت عن الامتيازات التي أخذتها من إيطاليا في ليبيا بموجب معاهدة أوشي الموقعة في العام 1912، وأعيد ترسيم الحدود مع سوريا، والتي اقتطعت بموجبها مدن غازي عنتاب وديار بكر وأضنة وغيرها من جزيرة كليكيا السورية ولواء اسكندرون.

يرى أردوغان - الذي يصارع ليحقق انتصارات في كل من ليبيا وسوريا وبعض الجزر اليونانية - أنه بعد مرور 100 عام على اتفاقية لوزان، ستصبح الاتفاقية لاغية، وبإمكانه استعادة المجد العثماني الضائع. وبحسب "ترك برس"، فإن الحلم العثماني الجديد يشمل تراقيا الغربية، إضافة إلى مدن من العراق كالموصل وإربيل وكركوك، ومن سوريا: حلب وجرابلس، وقد نقلت ذلك عن الصحيفة اليونانية "تربيونيه"، والتي فسّرت المعنى المتضمن لخطاب اردوغان في ولاية ريزه بأن تركيا "مسؤولة بالإضافة إلى 79 مليون مواطن تركي، عن مئات المواطنين الذين لها معهم روابط تاريخية وثقافية في المنطقة الجغرافية". كما نشرت الصحيفة الخريطة العثمانية الجديدة التي تتضمن جميع هذه المناطق.

فالتقسيم الذي سيطال سوريا لا يمانع الأميركيون من إعطاء حصة لأردوغان فيه، فهم أساساً لا يعنيهم ما الذي يريده أصحاب الأرض، وتاريخهم، وتاريخ العثماني في المنطقة يشهد على ذلك، وهو فيه الكثير من التشابه. وإذا ما دققنا بالتقسيم الجديد، والذي أشار له بقوة السفير الروسي، فهو أمر ملفت. ومعناه أن الروس يتعاطون مع الأمر بنفس الجدّية التي يتعاطى بها السوريون، ويرى السفير أن مشروع التقسيم وارد في عدد كبير من دول العالم وليس فقط الشرق الأوسط، وليس فقط خلال السنوات الأخيرة وأن المحطة الأولى كانت الاتحاد السوفياتي ودول المعسكر الشرقي، وقال "نحن نريد إيقاف هذا المشروع".

كما أنه لو أرادت تركيا أن تكون لاعباً نزيهاً مع الروس "على الأقل" لكانت نفذت اتفاق حلب في العام 2016. فبحسب موقع "اورينت" المعارض، اتفاق حلب، كان سيمنع الأميركيين من تشكيل الحزام الكردي - الأميركي في شمال شرق سوريا، وسيتم تطهير المناطق المشملة به من تنظيمات جبهة النصرة المتعددة، وهو ما تراجعت عنه تركيا بسبب الضغط الأميركي. إذًا لم يدخل الروس المعركة ضد التقسيم من فراغ، خاصة وأنهم قراء جيدون للأطماع الأميركية.

تحرير ريفي حلب وإدلب الذي دخل حيز التنفيذ منذ الشهر الماضي، أذن بنهاية مخطط التقسيم في المنطقة، ولم يكن أمام الأميركيين سوى الدفع بأردوغان لدخول سراقب بعد تحريرها، من أجل جرّ المنطقة إلى حرب شاملة. وفي هذا توافق الأميركي - أردوغاني! فتركيا كانت تريد أن تثبت أنها الضامن للأمن في المنطقة، والضامن لعدم تدفق اللاجئين إلى أوروبا. وأميركا تريد أن يتدخل الأوروبيون إلى جانب الأتراك بموجب اتفاقية "الناتو" حول الدفاع المشترك، في حربهم ضد الروس والإيرانيين والسوريين مجتمعين، مما سيمنحها اليد العليا وهي ترى العالم يشتعل في حرب عالمية جديدة وبالتالي يمكنها العودة إلى الأحادية القطبية.

يبدو أن الحرب ضد التقسيم باتت في مراحلها الأخيرة. اذ وضعت تركيا اليوم، وخاصة بعد الخامس من آذار/ مارس، ضمن إطار حجمها الحقيقي. وجولات الحرب المتتالية تقتضي مراقبة وإعادة ترتيب القراءة السياسية التركية في المنطقة، وبالتالي إنهاء أطماعها في سوريا والعراق وغيرهما، على حد سواء. وبحسب مصادر مطلعة لموقع "العهد" الاخباري، كانت هناك محاولات لاستجرار السوريين وحلفائهم من أجل قصف مواقع الجيش التركي على الحدود مع سوريا، وبذلك كان يمكن لتركيا تنفيذ الحلم الأميركي بإشعال المنطقة لتطفئ الحريق فيما بعد بحسب ترتيباتها. ولكن الحكمة التي أبداها الروس من خلال، عدم المشاركة في معركة سراقب الثانية والتأسف على أموات الجيش التركي، وإعلان أن الجميع كان يجهل وجود أتراك في المنطقة، والصبر الذي أبداه الإيراني من خلال تصريح المركز الاستشاري الإيراني في دمشق، وسياسة النفس الطويل التي أبداها السوري من خلال ضبط إيقاع المعركة وحصرها في سراقب وتأمين طريق حلب اللاذقية السريع، فوت على الاحتلالين التركي والأميركي تنفيذ مخططهما بإشعال حرب عالمية.

المعركة ضد التقسيم لم تنتهِ بتحرير سراقب الثاني، وهذا ما كان واضحاً تماما في لقاء الرئيس الأسد مع روسيا 24. اذ لم يأت اللقاء اعتباطياً قبل لقاء بوتين وأردوغان، بل كان استراتيجياً ليقرأ التركي تماماً الذي ينتظره في لقائه في 5 آذار/ مارس في موسكو، والذي انتهى باتفاق معدل لاتفاق سوتشي، والذي يعطي سوريا الحق الكامل بمهاجمة الإرهابيين أسواء كان ذلك في مناطق خفض التوتر، سواء كان فيها التركي أم لم يكن. وبما أن موسكو ترى وبحسب كلام سفيرها في لبنان أن "الحل لن يكون إلا سورياً"، فقد حدد تماماً التوافق على وجهة العمل السورية نحو تحرير شرق الفرات من الأميركي بعد إنهاء "البؤرة الرئيسية" لأن "إدلب هي المهمة الأساسية الآن من وجهة النظر العسكرية"، كما صرح الرئيس الأسد والذي قال أيضاً بأن الأميركيين "بذلوا قصارى جهدهم لمنع تحريرها [ادلب]، حتى لا نتمكن من الانتقال إلى الشرق"، وإنهاء الاحتلالين، مما يعني وضع الحدّ للأحلام المشتركة بالتقسيم.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل