آراء وتحليلات
مواجهة المصارف والقضاء: أوراق القوة قبل استحقاق اليوروبوندز
يوسف الريّس
يقبع لبنان في المرحلة ما قبل الأخيرة من الانهيار الاقتصادي مكبل الأيادي في مواجهة إحدى أعقد الأزمات المالية. فالاثنين القادم هو موعد سداد اليوروبوندز دون أن تعلن الحكومة إلى الآن قرارًا رسميًا حول كيفية تعاملها مع هذا الاستحقاق. ستتحدد قوة وحدّة الانهيار عبر قرار الحكومة بالسداد أم لا وبالظروف التي ستهيئها الحكومة لاتخاذه.
لبُّ هذا القرار هو حسم قضية المضي بمواجهة مع القطاع المصرفي الذي استفاد من الدولة وشعبها ثلاثين عاما، أو التنحي عن هذه المواجهة على حساب الشعب والمودعين. هيأت السلطة السياسية متطلبات نهب الدولة بنموذج اقتصادي مبني على استنزاف عائدات الدولة وتهجير اللبنانين إلى الخارج لرسم نموذج اقتصادي ريعي مدولر. إنهيار اليوم هو نتيجة محكمة لنموذج فريد مبني على ثقة مفرطة بالقطاع المصرفي وفوائد مرتفعة.
قرّر المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم بعد جلسة استماع للمصرفيين "وضع إشارة منع تصرف على أصول المصارف المالية وابلغ ذلك أمانة السجل العقاري وأمانة السجل التجاري وهيئة إدارة السير والآليات وحاكمية مصرف لبنان وهيئة الأسواق المالية وجمعية المصارف"، وأضاف في قراره "وضع إشارة منع تصرف على أملاك رؤوساء مجالس إدارة هذه المصارف". تبعات هذا القرار المفترضة هي ايقاف قدرة المصارف على تحويل أصولها إلى الخارج أو التهرّب من التزاماتها اتجاه المودعين. ففي حال أعلنت المصارف إفلاسها ستسيّل الأصول وتدفع التزاماتها ومن هنا أي تصرّف بأصول المصارف أو أملاك مجلس إدارتها هو هروب من دفع استحقاقات مستقبلية. أما الآن فأهمية الخطوة تبرز في تهيئة القضاء لمحاسبة المصارف. فهذه أول مرة تواجه الدولة اللبنانية فيها سلطة المصارف في لبنان.
هذا القرار لم يلاقِ استحسان جمعية المصارف التي هددت بالإقفال، وبالتالي مارست أقصى درجات الضغط على الحكومة في ظل الوضع المالي والنقدي الحالي. هذه المواجهة كانت ستؤدي إلى هبوط حاد بقيمة الليرة اللبنانية التي تتهاوى مع اشتداد الأزمة.
علاوة على ذلك، زعم أحد أبرز وجوه سلطة رأس المال والذي استفاد من ازدواجية دور خطه السياسي ما بين السلطة السياسية والسلطة المصرفية على مدى ثلاثين عاما سلبية هذه الخطوة على الاقتصاد اللبناني. هذا التصريح كان بمعنى آخر دعما شعبيا لجمعية المصارف وقراراها.
قرّر النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات تجميد قرار القاضي علي ابراهيم عملا بأحكام المادتين 13 و21 من قانون أصول المحاكمات الجزائية معتبرا أن هذا التدبير سيدخل البلاد في فوضى.
قد يمثل القرار القضائي النهائي انتصارا لسلطة المصارف على الدولة، وقد تمثل مواجهة الأمس إبراز أوراق قوّة في الأيام القليلة التي تسبق استحقاق اليوروبوندز. على مستوى التعاطي مع استحقاق اليوروبوندز وشدّ الحبل ما بين مجلس الوزراء من جهة وجمعية المصارف من جهة أخرى. أما المصرف المركزي فيقف متخفيا إلى جانب جمعية المصارف مخبئا أوراق قوة كانت لتستخدمها الدولة لو أتحيت لها.
السيناريوهات الأساسية لدفع استحقاق اليورويوندز هي :
- دفع الاستحقاق في موعده وبالتالي صرف ما تبقى لدينا من دولارات وتعريض لبنان لخطر غذائي وصحي علما أنه سيتخلف عن الدفع لاحقا.
- إبرام اتفاق مع الدائنين لإعادة جدولة الدين العام وبالتالي تأخير الأزمة فقط.
- إبرام اتفاق مع الدائنين لإعادة هيكلة الدين العام والتي ستفرض شروطًا صعبة على لبنان.
- التخلف عن الدفع وبالتالي فقدان الثقة بسندات الخزينة وفقدان القدرة المستقبلية لاستخدام أداة مالية مهمة مثل سندات الخزينة علاوة على تعرض لبنان للمحاكمات.
السيناريوهات أحلاها مرّ، إلا أن الأزمة التي يواجهها لبنان هي من أعقد الأزمات الاقتصادية نظرا لأن القطاع الفعّال في لبنان اقتصر على القطاع المصرفي وبالتالي لا أوراق قوة تساعد لبنان في الأزمة.
السيناريو ستحدده الحكومة بدراسة علمية وواقعية مبنية على نظرية العائد من القرار بمواجهة كلفته. وإلى أن تتخذ الحكومة قرارها ستحتدم المواجهة ما بين المصارف والدولة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024