آراء وتحليلات
العقوبات لحماية العملاء: آخر تدخلات واشنطن في لبنان
د. علي مطر
تعتمد الإدارة الأميركية سلاح العقوبات في حالات كثيرة، على المستويات السياسية الاقتصادية الثقافية القضائية وحتى العسكرية، وعلى مراحل مختلفة بغية تحييد الخصوم السياسيين أو معاقبة هذه الدولة أو تلك. وتمثل سياسة العقوبات الأمريكية تهديدًا كبيرًا ليس لاقتصادات الدول فحسب بل للسياسة الدولية بمجملها، فيما تنظر له واشنطن على أنه أداة رئيسية للحفاظ على عالم القطب الواحد الذي يرفضه الجميع اليوم.
الإدارة الأميركية لا تتوانى عن انتهاك الشرعية الدولية وضرب عرض الحائط باتفاقات القانون الدولي وتاريخها حافل بالانتهاكات القانونية. تنسج علاقاتها الدولية بالتسلط. وبنفَس التهديد بالقوة واستخدامها تتعاطى بترتيب ونسج سياستها الخارجية. تتعامل هذه الإدارة مع الأمم المتحدة وميثاقها وكأنها منظمة تابعة لها، فلا تحترم نصوصها وقراراتها، ولا تعيرها أهمية في كل تحركاتها. وهي عندما تريد أن تخضع دولة ما لإرادتها، فإن أيسر سلاح لديها أصبح العقوبات بشكل لا يقره نص قانوني ولا معاهدة دولية.
اليوم لا تتورع واشنطن عن انتهاك القانون الدولي من خلال التهديد بفرض عقوبات اقتصادية على لبنان بدون قرار أممي يدعم هذه العقوبات وذلك فيما يتعلق بقضية العميل فاخوري، الذي لم يترك أسيراً في معتقل الخيام إلا وعذبه ـ وجهت له المحكمة العسكرية اتهامات بالقتل ـ ، حيث قدم السيناتوران الأمريكيان جان شاهين وتيد كروز تشريعا يفرض، في حال إقراره، عقوبات على المسؤولين اللبنانيين الضالعين في الاعتقال أو الإساءة غير القانونية لأي مواطن أمريكي في لبنان.
تأتي خطورة هذا القانون باعتبار أن اعتقال اي أميركي في لبنان وإن كان مجرماً سيؤدي إلى فرض عقوبات على لبنان في حال اعتباره بريئا من وجهة نظر واشنطن. ويحظر هذا التشريع تأشيرات ويجمد أصول المسؤولين اللبنانيين وأفراد الأسرة والمنتسبين المتورطين في اعتقال عامر فاخوري، وهذا ما يعيد للتذكير باتفاقيات الحصانة الدبلوماسية والعسكرية التي كانت تعقدها واشنطن مع كثير من الدول، وهي اليوم لا زالت تستخدم نفس الذهنية في التعامل مع الدول، بحيث يمكنها تبرئة مواطنيها وعملائها من اي جريمة خارجية.
لقد وصلت حالة الإدارة الأميركية، بالدفاع عن العدو الإسرائيلي، والسماح له بالتعدي على السيادة اللبنانية، إلى حد سن قوانين داخلية لحماية عميل مثل فاخوري، مارس أقسى أنواع التنكيل والقتل والتعذيب بحق لبنانيين في معتقل الخيام، وفي سابقة خطرة تتعرض واشنطن للقضاء اللبناني والأجهزة الأمنية بشكل مباشر من خلال التهديد بفرض عقوبات ضد كل من شارك بالتحقيق معه على اعتبار أنه يحمل الجنسية الأميركية.
هكذا تظهر حقيقة الولايات المتحدة التي تستخدم ضد كل الدول سياسة العنجهية والاستعلاء، متدخلةً بقضاء الدول وسياساتها واقتصاداتها، وهي تخرق ما تنص عليه الفقرة السابعة من المادة الثانية في ميثاق الأمم المتحدة لجهة عدم التدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما. وتقوم بتحويل العقوبات إلى بديل في بعض الأوقات عن استخدام القوة العسكرية في مفعول متوازن بالاضرار ببقية الدول بشكل يخالف ما ينص عليه الميثاق الأممي في الفقرة الرابعة من المادة الثانية لجهة الامتناع عن التهديد باستعمال القوة، وإن كان بشكل غير مباشر.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024