آراء وتحليلات
"الدفاع الجوي متعدد الطبقات" في الكيان: فشل مرتقب
هيثم عبّاني
تتزايد الأصوات في الكيان الصهيوني التي تدعو الى تجنب الحرب على الحدود الشمالية، لكلفتها الباهظة جدا على الداخل الإسرائيلي، كضرب منشآت استراتيجية وحيوية، وقطع الطرقات الرئيسية، وتهجير أعداد كبيرة من المستوطنين، إضافة الى التشكيك في نجاعة، أو ضعف، منظومة الدفاع الجوي في أي حرب في الشمال. وهذا ما يُجمع عليه خبراء وعسكريون سابقون وحاليون، وحتى رئيس الأركان أفيف كوخافي أشار الى ذلك، حين دعا الى "إعداد ذهني" للمستوطنين في الجبهة الداخلية.
اذًا لماذا كل هذه التحذيرات بعد التغني الإسرائيلي بمنظومات الدفاع الجوي التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي؟
لفهم ذلك لا بد من الإشارة الى خاصية هذه المنظومات: تنقسم منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي الى ثلاث طبقات، أو كما يسميها الجيش الإسرائيلي "منظومات الدفاع الجوي متعددة الطبقات"، وهي منظومة "القبة الحديدية" التي تواجه الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، منظومة "العصا السحرية" التي تواجه الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى داخل الغلاف الجوي، ومنظومة "الحيتس" التي تتصدى للصواريخ بعيدة المدى خارج الغلاف الجوي، ويضاف اليها أيضًا منظومة الباتريوت الأميركية أو كما يسميها الجيش الإسرائيلي "يهلوم".
هذه المنظومات، خاصة "القبة الحديدية" و"العصا السحرية"، لم تتعامل حتى الآن الا مع إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، وهي صواريخ بالمفهوم العسكري تسمى "إحصائية"، أي تطلق عشوائيًا على الهدف بأعداد كبيرة او قليلة وهي غير دقيقة، أي هامش الخطأ فيها قد يصل الى مئات الأمتار.
اذًا ما الذي ستواجهه هذه المنظومات في أي حرب في الشمال؟ عسكريون وخبراء إسرائيليون دعوا لتجنب الحرب والحديث عن أضرارها الضخمة على "إسرائيل"، وحتى اذا ما تحقق نصر فإنه سيكون "نصرا أشبه بالهزيمة"، والقول انه "منذ اليوم يمكن لإيران وحلفائها ان يلحقوا بـ"إسرائيل" أضرارا من شأنها ان تكون "لا تحتمل"، بحسب البروفيسور "اوري بار يوسف" في صحيفة "هآرتس".
السبب الرئيسي للدعوات المتزايدة الى تفادي أي حرب في الشمال هو عدم قدرة منظومة الدفاع الجوي على تقديم رد فعال ضد الصواريخ التي بدأت تتحول من صواريخ "إحصائية" الى صواريخ "دقيقة" وبأعداد كبيرة، وأيضا بأوزان كبيرة ـ أي بالكم والنوع ـ التي تغطي كل الأراضي المحتلة من قبل الصهاينة. "إسحاق بريك"، مفوض شكاوى الجنود سابقا، يقول "العالم كله لاحظ انه يكفي أنبوب مليء بمواد متفجرة رخيصة كي يشل مناطق كاملة، بل وحتى التسبب لدولة قوية بإغلاق مطارها الوحيد. المشكلة هي أنه حتى مرحلة "الأنابيب الحديدية" أصبحت خلفنا: صواريخ وقذائف صاروخية تحمل رؤوساً متفجرة، وزنها يصل إلى 700 كغ (قادرة على تدمير مبنى كبير)، موجّهة اليوم إلى ما لا يُحصى من الأهداف المختارة في أنحاء الـ 21 ألف كيلومتر المربعة من مساحة "إسرائيل"".
كذلك الحلول التقنية ـ العسكرية الإسرائيلية مقابل الصواريخ الدقيقة وكثافة النيران، لا تقدم الحل المطلوب أيضا لعدة أسباب: الكلفة المالية المرتفعة لصواريخ الاعتراض الإسرائيلية، التي قد يصل بعضها الى ملايين الدولارات لصاروخ الاعتراض مقابل عدة آلاف من الدولارات للصاروخ الواحد يطلقه الطرف الاخر. الخوف من اخفاق منظومات الدفاع الجوي في حماية الجبهة الداخلية في أي حرب مستقبلية دفع البعض الى الحديث عن العودة الى منظومة اللايزر الكيميائي "سكاي غارد" ضد الصواريخ. ولكن حتى أب منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية، "عوزي روبين"، يشكك بمنظومة اللايزر، فقد قال في مقالة كتبها في صحيفة "هآرتس": "إذا كان هذا بسيطًا إلى هذه الدرجة، متوفرًا ورخيصًا، فكيف ان القواعد الأمريكية في العراق، التي هوجمت بصواريخ إيرانية في الشهر الماضي، لم تكن محمية بمنظومات "سكاي غارد"؟ في الحقيقة، إذا كان هذا بسيطًا إلى هذه الدرجة، لماذا لا يتسلح الجيش الأمريكي بليزرات كيميائية من أجل قواته؟".
في الخلاصة، لا شك ان هناك معضلة تواجهها "إسرائيل" في أي حرب مستقبلية في الشمال، وان هناك شبه اجماع على عدم قدرة منظومات الدفاع الجوي على تقديم الحماية الفعالة للجبهة الداخلية، وان كثافة اطلاق الصواريخ ستؤدي الى إفراغ مخازن هذه المنظومات، كل هذا على افتراض أن هذه المنظومات ستعمل خلال الحرب. لكن المشكلة الأكبر والأخطر هي حرب السايبر (الحرب الإلكترونية)، التي يمكن أن تشل هذه المنظومات، وهذا ما حذر منه قائد الجبهة الداخلية، اللواء تامير يدعي، الذي قال خلال ندوة الامن والطوارئ خلال مؤتمر الحكم المحلي والحداثة 2020 MUNI EXPO، أن "التحدي اصبح على عدة جبهات، بعدة أبعاد. إذا كانت كل الأحداث تتركز في الماضي حول عدد الطلقات التي تم إطلاقها وعدد الأشخاص الذين قتلوا ـ فهذا نقاش لا قيمة له (الان). مساحة السايبر هي بُعد جديد، وعندما ننظر الى الجبهة المدنية فإنها حدثٌ من نوع آخر، نحن غير مستعدين له بالشكل المناسب ـ ويجب أن ننظر الى الحلقات الضعيفة في السلسلة".
الدفاع الجوي متعدد الطبقاتالعصا السحريةحيتسالقبة الحديدية
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024