آراء وتحليلات
أشباح عبد الناصر وشيطنة الأسد
ايهاب زكي
منذ بدء العدوان على سوريا يتعرض الرئيس بشار الأسد بشخصه لحملة ممنهجة ومنظمة، وهي حملة تسعى على مسارين متوازيين بشكلٍ دقيق. المسار الأول هو الشيطنة المطلقة من خلال تصويره كديكتاتورٍ قاسٍ ومجرم حرب، لا يرعوي عن الفتك بحياة كل السوريين بأبشع الطرق وأشد الأسلحة فتكاً في سبيل البقاء على كرسي السلطة، والمسار الثاني هو عملية التسخيف الشخصي من خلال تصويره كتابعٍ ومجرد أداةٍ تنفيذية لإرادات دولية وإقليمية، وأنّه لا يملك قراراً صغيراً أو كبيراً في الحرب الدائرة في بلاده.
وهذا الاستهداف ليس مجرد "بروباغندا" تمارسها ما تسمى بـ"المعارضة" على سبيل تشويه صورة الرئيس الأسد لدى السوريين، كجزء من عملية استقطاب جماهيري، بل إنّ ما تسمى بـ"المعارضة" لا تعدو كونها مجرد ترس صغير في هذه الحملة المنظمة والممنهجة، فهذه حملة تستهدف شبح استعادة تجربة مريرة خاضها الغرب الاستعماري مع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ومنذ ذلك الحين قرر ألّا يسمح باستعادة هذه التجربة أو حتى السماح بمجرد إرهاصاتها.
يذكر الراحل أحمد بهاء الدين في كتابه "محاوراتي مع السادات" ما ساقه على لسان الاقتصادي البارز علي الجريتلي، حيث روى له ما حدثه به رئيس البنوك السويسرية بعد عامٍ من رحيل جمال عبد الناصر، حين أخبره "أنهم كانوا يتعرضون لضغوطٍ هائلة من الموساد و"CIA" للعثور على أيّ حسابٍ باسم جمال عبد الناصر"، وكما كان هذا البحث الدؤوب في سبيل إيجاد ثغراتٍ ترتكز إليها حملات التشويه، فإنّه يحدث الآن قطعاً لذات الأسباب. وكما رضخت البنوك السويسرية قديماً فإنها حتماً رضخت حديثاً، ولكن النتائج لم تختلف. فكما أنّ عدم إيجاد الثغرة لم يوقف حملات التشويه زمن عبد الناصر، فإنّ هذا العدم لم يوقف ذات الحملة من ذات الأطراف على الرئيس الأسد، وما يتم تداوله عما يسمى إعلامياً بـ"إعادة تعويم الأسد دوليا" هو جزء من عملية التضليل، وهو يشبه ما تعلنه أوروبا عن رفض المساهمة في إعادة الإعمار بوجود "نظام" الأسد، فكلاهما شعاران تضليليان عن سبق إصرارٍ وترصد، فالرئيس الأسد لم يطلب هذا التعويم ولم يسعَ إليه، بل كان واضحاً في أنّه يستمد شرعيته من شعبه ولا يهمه ما يسمى بالمواقف الدولية، كما كان صريحاً في رفض مساهمة أيّ دولةٍ شاركت بالعدوان على سوريا في إعادة إعمارها، وهم في هذه الحالة كالجائع الذي يرفض طعاماً لم يُعرض عليه بل لا وجود له أصلاً.
حتى لو انتهت الأزمة السورية اليوم، فلن يتوقف برنامج الشيطنة للرئيس الأسد، فهو لا يحتمل قامة عربية صلبة صلدة ومنتصرة، خصوصاً وأنّه يرتكز إلى محورٍ متكامل سياسياً ومتفوق عسكرياً ومنسجم استراتيجياً، وأنّ خروجه منتصراً مع البدء بعملية إعادة الإعمار بالتعاون مع حلفائه دولياً وإقليمياً، بعيداً عن ابتزاز الغرب وبعيداً عن مصالحه ورغباته، سيجعل من العقل الجمعي العربي أكثر قابلية لاكتشاف هذا الرئيس مجدداً، وإعادة تفنيد أوراق الماضي وترتيبها من جديد، وهذا ما سيحاول الغرب منعه، ولن يسمح بالوصول إليه إلّا مضطراً أو غصباً، لذلك فإنّ هذه الحملة لن تتوقف قريباً.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024