آراء وتحليلات
أميركا.. المنتهكة الأكبر للقوانين الدولية
شارل ابي نادر
لقد استطاعت الادارة الاميركية وخلال فترة طويلة من الزمن، تصوير نفسها كراعية اولى للديمقراطية وحقوق الانسان في العالم، وبأنها الحامي الاول للقانون الدولي ولشرعة الامم المتحدة، وكانت دائما هذه الادارة توحي للمجتمع الدولي، من خلال ديبلوماسيتها الناشطة، أو من خلال اعلامها الاخطبوطي المتشعب والمنتشر عبر العالم، أنها تلعب دور المُحَرِّك والمُوَجّه والمُساعد للمؤسسات الدولية نحو تطبيق قوانينها.
هذا الجو العام الذي استطاعت الادارة الأميركية خلقه وتثبيته سابقاً عند أغلبية المجتمعات، يبدو أنه اليوم قد تغير بنسبة غير بسيطة، والسبب في ذلك أن هذه الادارة، أولاً لم تعد متماسكة ومتضامنة بين بعضها بالشكل الذي سبق، وثانياً لأنها انفضحت في الكثير من الملفات الدولية بعد أن ورطت نفسها في العديد منها، وثالثاً والأهم أنها لم تعد تحظى بثقة الكثير من حلفائها بعد أن لمسوا لمس اليد تخليها عنهم عند أي مفصل يتعلق بمصالحها الخاصة، فأين يمكن اكتشاف مدى التزام أو عدم التزام الولايات المتحدة الاميركية كدولة عظمى بالقوانين الدولية؟
لناحية المعاهدات والاتفاقات الدولية، يزداد يوماً بعد يوم عدد المعاهدات والاتفاقات الدولية التي تنسحب منها الادارة الاميركية من طرف واحد، من اتفاقية المناخ العالمية (معاهدة باريس للمناخ)، الى معاهدة خفض الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى، الى الاتفاقات الدولية الخاصة بالتجارة العالمية، والتي تقيد الدول في تجارتها وفي نسبة فرضها للرسوم الجمركية، الى معاهدات الأسلحة المحرمة، مثل معاهدة اوتاوا لحظر الالغام، الى الاتفاق النووي مع ايران، اتفاقية الشراكة الاقتصادية عبر المحيط الهادىء ... وغيرها الكثير من المعاهدات والاتفاقيات الدولية او شبه الدولية.
هذا في انسحاب الولايات المتحدة الاميركية من المعاهدات الدولية والتي التزمت بها اساسا، وربما هذا الموضوع معروف وظاهر ويمكن التعامل معه ومواجهته والتنبه له من قبل الدول والأطراف الأخرى، ولكن يبقى الأخطر والأكثر تاثيراً بشكل سلبي على النظام العالمي، عدم احترامها للقوانين الدولية ولبنود ومنظومة القيود والاجراءات التي يضعها مجلس الأمن والمؤسسات الدولية الأخرى في ادارة هذا النظام العالمي، وهذه السياسة أو الاستراتيجية الأميركية يمكن اكتشافها في العديد من النقاط والملفات التالية:
أولاً، في الازدواجية التي تمارسها الادارة الاميركية لناحية دعم أوعرقلة تطبيق القرارات الدولية وقرارات مجلس الامن، المتعلقة بالكيان الصهيوني واغتصابه للحقوق العربية، منذ بداية نشأته فرضاً من المجتمع الدولي برعاية اميركية وحتى اليوم، أو المتعلقة بالغزو الاميركي للعراق ولافغانستان بطريقة مخالفة للقانون الدولي الواضح في ذلك، بعد اختلاق التبريرات الكاذبة التي استندت عليها، واعتبرت انها تستغني من خلالها عن متطلبات التدخل خارج الحدود، والتي تتحدد حصراً بقرار من مجلس الامن أو بطلب من الحكومة الشرعية في الدولة المُتَدَخِلة بها.
ولكي تمعن هذه الادارة في اغتصاب وتجاوز القانون الدولي، عمدت الى خلق شرعية خاصة بها، اسمتها تحالف دولي، تحالف دولي لمحاربة الارهاب مثلا، أو مثلا تحالف دولي لدعم شرعية معينة في دولة أخرى، وهذا التحالف ينشأ من عدة دول (بالاسم فقط) بقرار اميركي خالص، إما نتيجة الخوف والتهديد أو الوعيد، أو بنتيجة الفرض الديبلوماسي وتوريط تلك الدول بلمفات، تُجبرها من خلال ذلك على الانصياع لهذه الادارة ضمن توجهات ومواقف محددة ...وما الى ذلك.
ايضا، ومن ضمن الاستراتيجية التي تتبعها الولايات المتحدة الأميركية على الأرض، عند تنفيذها أهداف هذه التحالفات الدولية التي خلقتها، نجد أنها تخالف، وفي تفاصيل وإجراءات التنفيذ، القوانين الدولية الخاصة بالنزاعات المسلحة وبقوانين الحرب وبالقانون الدولي الانساني، ومناورة التحالف الجوية المباشرة في سوريا العراق وأفغانستان خير دليل على ذلك، حيث استهداف المدنيين بشكل واضح وصارخ، وحيث الاستعمال المفرط للقوة الصاروخية والقنابل الذكية لتدمير مدن بأكملها كالرقة والموصل والرمادي، وفي استعمال القذائف والصواريخ المجهزة بالفوسفور الابيض المُحَظّر بشكل متواصل.
أما في اليمن، فحدث ولا حرج عن مخالفة تحالف العدوان على اليمن - الذي ترعاه بامتياز الادارة الاميركية - للقوانين الدولية بشكل صارخ ووقح، حيث استخدام القذائف العنقودية المحرمة دوليا وحيث تدمير البنية التحتية المدنية والانسانية، وحيث إستهداف المدنيين والمؤسسات الصحية والاستشفائية، وحيث الحصار والمجاعة المقصودة للضغط السياسي على اليمنيين واجبارهم على الاستسلام، وحيث بالأساس، شن عدوان صارخ على اليمن لأسباب واهية وتبريرات دون أي معنى أو مضمون يتعلق بالقانون الدولي.
وتأتي من ناحية أخرى استراتيجية الادارة الاميركية الأكثر خطورة، والتي تمارسها في العديد من الدول والمناطق عبر العالم، في استغلال النزعات أو الأهداف القومية للمجموعات أو للشعوب، أو في استغلال الصراعات التاريخية بين الدول، لخلق التوتر والأزمات، بطريقة تسمح لها بنشر قوتها البحرية والجوية، تنفيذاً لسياسة التوسع وبسط النفوذ، فنشهد انخراطها الواضح بتفاصيل بعض الازمات او الملفات بطريقة توحي وكانها معنية بالكامل في هذه الملفات، مثل ملف اوكرانيا وعلاقتها مع روسيا، وملف الخلافات المحلية بين دول آسيا بأغلبها، الكوريتين أو اليابان وجاراتها أو الصين والفليبين وتايلاند وكمبوديا وغيرها، أو الملف الكردي في منطقة الشرق الاوسط وفي سوريا بشكل خاص.
انطلاقا من كل ذلك، ومن خلال متابعة وتحليل هذه المروحة الواسعة من الملفات التي تتدخل فيها الولايات المتحدة الأميركية، وطريقة تدخلها بها، مباشرة عبر المناورات بوحداتها العسكرية الجوية أو البحرية أو البرية، أو غير مباشرة عبر ديبلوماسيتها الناشطة والعنيفة في كل دول العالم، يمكن الاستنتاج أن الولايات المتحدة الاميركية لا تلتزم بالقوانين الدولية، وهي في ذلك، أمّا من جهة تسخر مؤسسات القانون الدولي لمصالحها، أما من جهة أخرى تتجاوز هذه القوانين في سبيل تلك المصالح، وتكون في مطلق الأحوال، الدولة الأكثر ابتعاداً عن الالتزام بالقانون الدولي وبشرعة حقوق الانسان.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
07/11/2024
كم ستنبت الأرض منك!
07/11/2024