آراء وتحليلات
"البنيان المرصوص".. هل يكتفي العدوان بخمس عجاف؟
علي الدرواني
بعد أن عجزت قوى الغزو والعدوان وفشلت في تحقيق أهدافها بالوصول الى صنعاء، وانكسرت كل محاولاتها في سنوات العدوان الأولى، دخلت جبهات نهم شرق صنعاء في نوع من الجمود المدروس، كانت حسابات قوى العدوان حينها أن يكون ذلك الجمود لصالح تنشيط جبهات الساحل الغربي للسيطرة على الحديدة من جهة، ومن جهة أخرى تفعيل الجبهات الحدودية الشمالية والزج بآلاف المرتزقة هناك. انتهت محاولة الساحل الغربي المريرة على دول العدوان باتفاق السويد المدعوم من مجلس الأمن قبل أكثر من عام، بينما استحالت حشود الحدود باتجاه صعدة على مدى عامين، الى هزيمة نكراء في عملية "نصر من الله" بجزءيها الأولى والثانية، وسقوط الآلاف من أولئك المرتزقة بين قتيل وجريح وأسير، لتنتهي معها أسوأ مغامرة للعدوان طوال السنوات الخمس الماضية.
وعلى وقع الهزيمة المدوية في كتاف، واستثمارًا للهدوء الهش في الساحل الغربي، واستغلالًا للمبادرة الرئاسية بعد ضربة "آرامكو" النوعية، أخذ العدو بإعداد العدة، خلال الشهور الأربعة الماضية، وقام بتحشيد الألوية العسكرية من مجاميع المرتزقة، وتزويدهم بالأسلحة المطلوبة، ووضع الخطط المحكمة وغرف العمليات للتنسيق بين القوات على الأرض والغطاء الجوي الذي ترافق مع بدء الهجوم الواسع من ثلاثة محاور على مواقع قوات الجيش واللجان في نهم، ظنًا منهم أن المجاهدين في حالة استرخاء وغفلة، وعدم جهوزية.
الاستعدادات الكبيرة لقوى العدوان بالعدد والعدة والمخططات كانت مخصصة للوصول الى نقاط متقدمة لتهديد صنعاء، إن لم يكن اسقاطها واحتلالها واشاعة الفوضى فيها، الا أن جند الله كانوا أمامها كالبنيان المرصوص. لم تستطع تلك الجحافل التي تغنت بها قنوات العدوان في ساعات الهجوم الأولى، القيام بالمهمة، بعد أن علقت عليها آمالًا كبيرة معتبرة أن استكمال السيطرة على نهم سيكون معركة "صنعاء" الأخيرة، فخاضت معركتها بشراسة من فجر الجمعة السابع عشر من الجاري.
وخلال أقل من الـ 48 ساعة الأولى من المعارك انقشع غبارها عن جهوزية عالية للجيش واللجان الشعبية، التي استفادت حتمًا من التقارير الاستخباراتية عن نوايا العدو، ومخططاته وتفاصيلها، فاستخدمت تكتيكات عسكرية محكمة ومتناسبة، واعتمدت إدارة بارعة لأدوات المعركة وأسلحتها ووحداتها، فالمدفعية الدقيقة وسلاح الهندسة وضد الدروع، قامت بدورها المنوط بها، ومن جهتها تناوبت القوة الصاروخية والطيران المسير على الأهداف الحساسة في عمق العدو السعودي، وأمنت جميعها بطريقة غير مباشرة الغطاء اللازم لتقدم القوات على الأرض، ما مكنها من الإمساك بزمام المبادرة العسكرية، وإدارة المعارك وفقًا لمخططات مرسومة بدقة، أدت بمحصلتها لانكسار الهجوم، وتراجع قوات العدو ومرتزقته، وتحطم معنوياتهم. وما إن رأوا الأبطال المجاهدين ينقضون عليهم، حتى دب الرعب في قلوبهم، وخارت قواهم، وارتعشت فرائصهم، ليستكمل الرجال الأشاوس تطهير المواقع، قبل التحول إلى الهجوم العكسي، والتقدم باتجاه مركز محافظة الجوف ومارب.
اجتماعيًا، كشفت العملية حالة الضيق التي يعيشها المواطنون تحت سيطرة قوى الغزو والارتزاق في مديريات مارب والجوف، وتجلى ذلك في حالة الاستقبال والحفاوة والأهازيج العفوية والتلقائية الأصدق في التعبير عن الفرحة بوصول الجيش واللجان الشعبية إليهم، ورغبتهم بالانعتاق من الفساد والظلم والتهجير والمضايقات التي لحقت بهم لسنوات، فكانت مشاهد السجود لله شكرًا التي رأيناها هناك خير تعبير عن رفض المجتمع اليمني في المديريات المحررة لحالة الارتزاق التي يمارسها طغمة من ضعاف النفوس وميتي الضمير.
الجدير بالذكر هنا أن هذه الضربات تأتي رغم عدم إنهاء صنعاء للمبادرة المعلنة مع السعودية بايقاف الضربات الصاروخية والمسيرة مقابل وقف غارات الطيران، فقد مثلت هذه الضربات رسالة، باستعداد صنعاء لسحب المبادرة، وعودة الصواريخ.
من جانب آخر هناك الكثير من التفاصيل في عملية البنيان المرصوص إلا أنه من المهم الالتفات الى عامل آخر من عوامل فشل الطيران الحربي في إسناد مرتزقته في التصعيد الأخير، وهو تفعيل الدفاعات الجوية، ولا نستبعد أن يكون عدم الإشارة إليها في بيان متحدث القوات المسلحة مقصودًا.
وبعد كل هذا، ها هي
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024