آراء وتحليلات
"صفعة القرن": المقاومة وحدها الرد
جهاد حيدر
أيا ما كان سيؤول اليه المخاض الذي تمر به "صفقة القرن" الواضح أنها انتقلت من المرحلة "الدبلوماسية إلى السياسية"، بحسب توصيف بعض المعلقين الإسرائيليين. وهو وصف يراد به الاشارة إلى أنها انتقلت من مرحلة البحث والصياغة بين الطواقم المختصة من الطرفين الإسرائيلي والاميركي، إلى القادة السياسيين. ضمن هذا الاطار، تندرج دعوة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو ورئيس المعارضة بني غانتس، إلى واشنطن.
يأتي تحريك هذه القضية، مجدداً، في ظل سياقات اقليمية وداخلية (اميركية وإسرائيلية)، وتنطوي على أكثر من رسالة ودلالة:
الواضح أن
وما يتم طرحه في هذه المرحلة، هو أيضًا برنامج عمل تم البدء بتنفيذه قبل الاعلان عنه. ويهدف إلى وضع الطرف الفلسطيني أمام خيار واحد، وهو التكيف والتسليم بالوضع القائم. وهي النتيجة الطبيعية لمن يتخلى عن عناصر القوة التي يملكها، في مواجهة المحتل.
لم يكن حصر الدعوة إلى ضم الضفة الغربية، في سياق صفقة القرن أو من خارجها، وتفادي الدعوة إلى ضم كل الضفة، انطلاقا من قناعة إسرائيلية بمنح الفلسطينيين جزءًا من حقوقهم، بل انطلاقا من أن الضم الشامل للضفة سيُهدد الطابع اليهودي للكيان الإسرائيلي. من هنا يدور الحديث عن ضم مستوطنات الضفة، بمعنى أن يشمل ذلك مناطق "ج"، ( وفق تقسيمات اوسلو للمناطق الفلسطينية) التي تبلغ مساحتها 60% من الضفة.
الوجود السكاني الفلسطيني الكثيف في الضفة الغربية، فرض على القيادات الإسرائيلية البحث عن صيغة حل، للتوفيق بين الاطماع الجغرافية والقيود الديمغرافية. لذلك، لو لم يكن هناك تجمع سكاني فلسطيني في بقية مناطق الضفة، لشملها الضم ايضا.
يلاحظ على "صفقة القرن"، أنها تأتي امتداداً للمخطط الاستيطاني الذي بدأ مع الاحتلال البريطاني لفلسطين. وبنظرة خاطفة إلى الوراء يلاحظ أن الخطة الصهيونية العامة ارتكزت على سياسة فرض الوقائع ثم السعي إلى انتزاع الشرعية الدولية التي مكنتها بدورها من فرض هذه الوقائع. منذ بداية الاحتلال البريطاني، نجحت الحركة الصهيونية في فرض واقع استيطاني في ظل حماية الجيش البريطاني، (بدون تجاهل الاستيطان الذي سبق هذه المرحلة وله سياقاته الخاصة). ثم عندما أخذت بريطانيا تبحث عن حل لمشكلة اختلقتها بالتآمر مع الدول الغربية الكبرى، دعوا إلى تقسيم ارض فلسطين بين "الشعبين" اليهودي والفلسطيني. وتم تتويج ذلك بقرار التقسيم 181، الصادر عن الامم المتحدة عام 1947. ثم بعد التوسع الذي نفذته “إسرائيل” خلال حرب العام 1948، بادرت فورا إلى استيطان تلك المناطق، حتى أصبحت الحدود المتعارف عليها لإسرائيل، هي حدود هدنة العام 1949، مع الدول العربية. ثم في اعقاب احتلال الاراضي العربية نتيجة حرب العام 1967، بدأ في مرحلة لاحقة بناء المستوطنات إلى أن وصل إلى ما وصل اليه عشية اتفاق اوسلو. وحول ذلك، يلفت الباحث في معهد بيغن السادات، اللواء غرشون هكوهين، أن استثناء رئيس الوزراء اسحاق رابين، للمناطق التي تمت تسميتها على أنها مناطق "ج"، وشكلت 60% من الضفة، خلال اتفاق اوسلو، لم يكن عبثياً، بل كان مدروسا وهادفاً، وعكست المخطط الذي كان يختزنه قادة كيان العدو الاسرائيلي، من أن هذه المناطق لن يتم تسليمها للفلسطينيين.
المؤشر الاضافي الذي يؤكد هذا المخطط، هو وتيرة سرعة زيادة عدد المستوطنين منذ ما بعد اتفاق اوسلو، حيث تكشف التقارير الإسرائيلية عن زيادة بنسبة 100%، في السنوات الخمس التي تلت توقيع الاتفاق. وهكذا نجحت "إسرائيل" في حشر السلطة الفلسطينية، بين خياري الانسحاب من الاتفاق، أو التسليم بما تفرضه "إسرائيل"، وهي نتيجة تخلي السلطة عن خيار المقاومة كخيار بديل عن التسوية.
في نفس السياق، يلاحظ أن
مع ذلك، ماذا لو تم الاعلان عن صفقة القرن، وتم فرضها على أرض الواقع؟ وماذا لو لم تُطرح "صفقة القرن"؟ ما الذي كان سيتغير؟ في كلا الحالتين، المشترك بينهما هو أن الاحتلال سيبقى، الاستيطان سيتمدد. والمناورات السياسية ستتواصل، والسلطة الفلسطينية ستبقى تعترض وتطالب بالمرجعية الدولية للمفاوضات. في المقابل، المتغير الوحيد الذي يمكن أن يحدث انقلابا في هذا المسار، وينتج واقعاً مغايرا هو المقاومة، وفقط.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024