معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

التدخل التركي في ليبيا والعلاقات التركية - الروسية
18/01/2020

التدخل التركي في ليبيا والعلاقات التركية - الروسية

سركيس أبوزيد

احتدمت الأزمة في ليبيا مع دخول أطراف كبيرة على الخط، وأول ھذه الأطراف تركيا التي بادرت الى تدخل عسكري وسياسي، في وقت تقف فيه دول الجوار وفي صدارتها مصر، قلقة مما آل إليه الوضع من وصول تركيا الى حدودھا، ومن نشوء حالة تطرف وإرھاب مجاورة لھا. في حين أظھرت أوروبا رغبة في إيجاد حل سياسي للأزمة عبر "مؤتمر برلين"، لأن ليبيا قريبة جدًا وعلى مرمى حجر من ساحلھا الجنوبي، وكذلك الأمر بالنسبة الى روسيا التي تسعى الى مد نفوذھا في المنطقة. من أجل ذلك، نظم بوتين مشروع اتفاق على وقف النار بالتنسيق مع أردوغان، ولكن ھذا الاتفاق بين طرفي النزاع الذي وقّعه رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السرّاج، لم يوقعه قائد الجيش الوطني اللواء خليفة حفتر الذي غادر موسكو من دون التوقيع على المبادرة الروسية - التركية للتھدئة، بعدما تبيّن له أن ھذا الاتفاق كان للتحايل على تقدم الجيش على الأرض، وعرقلة خطة سيطرته على العاصمة طرابلس، وأن تركيا ھي التي تقود عملية التفاوض، وشروط المبادرة برمتھا كانت تصب لصالح أنقرة وشرعنة مذكرة التفاھم البحرية التي وضعتھا مع حكومة السراج.

الرئيس التركي أردوغان ھاجم حفتر متوعّدا بـ"تلقينه الدرس اللازم"، متھما إياه بالھرب من التوقيع على اتفاق وقف النار في موسكو بعدما وافق بادئ الأمر، وقال أردوغان في اجتماع المجموعة البرلمانية لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم في البرلمان التركي: "لا يمكننا البقاء مكتوفي الأيدي حيال ما يحدث في ليبيا، الذين يلطّخون ليبيا بالدم والنار، يظھرون في الوقت نفسه حقدھم تجاه تركيا، والذين يسألون عن سبب وجود تركيا في ليبيا، يجھلون السياسة والتاريخ........ كانت ليبيا لعصور طويلة جزءا مھما من الدولة العثمانية، فثمة روابط تاريخية وإنسانية واجتماعية تربطنا مع ليبيا، لأجل ھذا لا يمكن أن نبقى مكتوفي الأيدي حيال ما يجري ھناك".  

تركيا بدأت تدخلها في ليبيا عسكريا عبر إرسال إمدادات عسكرية إلى حكومة "الوفاق" في مواجھة "الجيش الوطني"، ما أدى الى تصاعد التوتر بين الأطراف الليبية المتحاربة. وبدأت أنقرة التخطيط لوضع أقدامھا في ليبيا رسميا عبر توقيع مذكرتي تفاھم بين رئيس حكومة "الوفاق" فائز السراج والرئيس رجب طيب أردوغان في 27 تشرين الثاني الماضي:

الأولى: تتعلق بالتعاون الأمني والعسكري.

والثانية: تتعلق بتحديد مناطق الصلاحية البحرية في البحر المتوسط.

مسارعة أردوغان الى توقيع الاتفاقات الأمنية والاقتصادية مع حكومة الوفاق الوطني، تھدف الى حماية خطط تركيا والتمدد في مياه البحر المتوسط، وتوسيع نفوذھا في مواجھة أطراف إقليمية تضم مصر واليونان وقبرص و"إسرائيل"، واستثمار مخزون الغاز والنفط المكتشف في المنطقة، فضلَا عن الاستفادة من أجواء الحرب الليبية للخروج بحزمة مكاسب تمكّنھا من رسم خريطة البلد الغني بالنفط، على نحو يخدم مصالحھا.

كما أن أنقرة ترغب في الحفاظ على مصالحھا الاقتصادية في ليبيا، خاصة في قطاع البناء. والتدخل في ليبيا يمثّل أيضًا مكسبًا لأردوغان على الصعيد السياسي عبر حشد قاعدته الانتخابية حوله في وقت تشھد تركيا صعوبات اقتصادية.

في المقابل، يذھب خصوم أردوغان في المنطقة الى حد القول إنه يريد إحياء تنظيم "داعش" على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا جراء رفض الاتحاد الأوروبي انضمام تركيا إليه، حيث يسعى أردوغان إلى استخدام الإرھاب الأصولي كإحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والبرتغال، وقبلھا اليونان وقبرص، وھو صرّح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقھا بنيران الدواعش ومن لفّ لفّھم. فضلا عن أن له مأربًا آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وھو يدرك أن ما فقده من أوھام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن عن بعض الدول، ولا سيما المفككة اجتماعيًا، وحيث تنتشر جماعات الإرھاب المشابھة من "حركة الشباب" و"بوكو حرام" وغيرھما، وغالبيتھا قد أعلنت ولاءھا وانضواءھا تحت راية تنظيم "داعش".

التدخل التركي في ليبيا أثار ردود فعل داخلية وخارجية:

داخليًا، اعتبر البرلمان الليبي القرار التركي غزوًا استعماريا لليبيا، وانتھاكًا صارخًا لسيادتھا، وأنه في حال دخول القوات التركية إلى ليبيا، فإن البرلمان سيعلن حالة الجھاد في عموم البلاد لمقاتلتھا.

 أما خارجيًا، فتحرك دبلوماسي دولي وعربي متسارع لاحتواء الأزمة السياسية الليبية. وقد جاءت التحذيرات الدولية لتؤكد على أن التدخل الأجنبي في الحرب الأھلية المتصاعدة يعقد الوضع في ليبيا، ويزيد من زعزعة استقرار البلاد والمنطقة ككل.

ھذه التطورات في ليبيا أثارت المخاوف من أن تكون نتائجھا وتداعياتھا سلبية:

-  أن تتحول ليبيا إلى مكان لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية.

-  أن يؤدي التدخل إلى تصعيد التوتر مع السعودية والإمارات ومصر، خاصة أن علاقات تركيا مع ھذه الدول تدھورت في السنوات الأخيرة.

في المقابل، تُحاول أنقرة الحفاظ على علاقتها بموسكو العائدة بقوة إلى المسرح الدولي. ومؤخراً التقى الرئيس التركي أردوغان والرئيس الروسي بوتين في اسطنبول، وقد خصصت الزيارة لتدشين خط الأنابيب الذي سينقل الغاز الروسي الى تركيا وأوروبا عبر البحر الأسود من دون المرور بأوكرانيا.

فتركيا ومنذ بدء الصراع في سوريا تحرص على انتھاج ديبلوماسية متوازنة بين الولايات المتحدة حليفتھا وروسيا، لكن، الخطر الأساسي في ليبيا يكمن في حصول صدام مع موسكو، فحتى إذا كانت روسيا تنفي وجود مرتزقة من مواطنيھا يقاتلون إلى جانب قوات حفتر، فإنّ مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة وتركيا يشيران إلى وجود ھؤلاء. وقد تؤدي الاشتباكات بين قوات تركية وأخرى تابعة لروسيا مفترَضَة إلى عودة التوتر بين تركيا وروسيا اللتين تجاوزتا في 2015 أزمة دبلوماسية خطيرة للتقارب والتعاون في سوريا. بالإضافة إلى أن التدخل التركي العسكري في ليبيا سيساهم في زيادة التوتر بين أنقرة وعواصم أوروبية مثل باريس وبرلين ولندن.

وهنا، تبرز أسئلة عدة، ھل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا؟ ثم ما ھو الدور الروسي في ليبيا وھي التي تسعى لاستعادة نفوذھا ھناك؟ وھل ستقدر على قطع الطريق أمام أردوغان بطريقة مشابھة لما فعلته في سوريا؟ ولماذا يتسم موقف أميركا بالميوعة السياسية وسط إقدام تركي لافت ومحاولة روسية للإمساك بخيوط اللعبة، بالإستفادة من ضآلة الحضور الأميركي؟ ألا تعد خطط أردوغان نوعا من تھديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشھد إلى حرب إقليمية؟ أسئلة كثيرة، أجوبتها في التطورات التي ستشهدها الأيام القادمة على الساحة الليبية.

 

ليبيا

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات