آراء وتحليلات
عن الفشل الأمريكي في حماية "عين الاسد"
شارل ابي نادر
كان لافتًا أن يتولى الجنرال أمير علي حاجي زاده قائد القوة الجوفضائية لحرس الثورة الإسلامية، وخلال مؤتمر صحافي لافت بوجود رايات كل فصائل محور المقاومة، شرح مسار وتفاصيل عملية الرد الصاروخي الايراني على قاعدتين اميركيتين في اربيل وفي عين الاسد، كرد اولي "صفعة"، على استشهاد اللواء قاسم سليماني قائد قوة القدس وابو مهدي المهندس مسؤول الحشد الشعبي العراقي ورفاقهما بصواريخ اميركية. وما أعطى هذا الانطباع اللافت هو اختصاص القائد صاحب المؤتمر الصحافي (جو فضائي)، وكأنها إشارة متعمدة للقول ان المنازلة في الرد الذي حصل، أو في نواة المواجهة ضد الاميركيين اعتبارا من الان وصاعدا، سيكون عمادها الصواريخ الباليستية والطيران المسير.
تطرق الجنرال حاجي زادة في مؤتمره الصحافي مستعينًا بخرائط خاصة لمسرح العملية الواسع، عن ظروف وتفاصيل عملية الرد على القاعدتين، مركزًا بشكل أساسي على عملية عين الأسد كونها الأساسية. ولكن، وبمعزل عن المعطيات السياسية أو الاستراتيجية التي رافقت العملية أو سبقتها، أو عن تلك الممكن حدوثها لاحقا والمرتبطة بها، والتي سيكون لها دراسة أخرى خاصة بها، فمن الضروري الاضاءة على المعطيات العسكرية التقنية التي ميزت العملية، وأبرزت أسباب نجاح الرد الصاروخي الايراني من جهة ، واسباب فشل الوحدات العسكرية الاميريكة في حماية قاعدة عين الاسد، من تلك الصواريخ المدمرة التي اصابتها بشكل فعال من جهة اخرى.
العملية هي عبارة عن استهداف قاعدة عين الاسد بأكثر من ثلاثة عشر صاروخ باليستي، اعترف الاميركيون بسقوط احد عشر منها داخل القاعدة، ( تقرير وكالة سي ان ان الاميريكية الأخير من داخل القاعدة أوضح واثبت ذلك)، وحيث لم يتطرق الجنرال حاجي زادة الى أنواع الصواريخ المستعملة أو العدد الذي تم اطلاقه بشكل تفصيلي - والسبب طبعا يتعلق بضرورة الابقاء على اكثر من معطى تفصيلي خاص بتلك الوحدات بهدف خدمة وحماية سرِّية مناورة المواجهة الواسعة لاحقا - فقد أشارت بعض المعلومات الى استخدام صاروخي "ذو الفقار" و "قيام " الباليستيين، حيث يبلغ مدى الاول 700 كلم والثاني 800 كلم، ويبلغ وزن الحشوة المتفجرة لصاروخ ذو الفقار 400 كلغ، ويتجاوز وزنها في صاروخ "قيام" 650 كلغ .
الأهم في مميزات الصاروخين (النموذجين) هو ليس فقط مدى الرمي، مع أهميته في استهداف قاعدة تبعد أكثر من 500 كلم عن الحدود الايرانية في أقرب منطقة ممكنة غرب ايران في خُرَّم اباد او كارمَانشاه، وليس بالضرورة أن الاطلاق قد تم عن الحدود، إذ من الممكن ان يكون قد حصل من مناطق أبعد شرقا نحو الداخل باتجاه مناطق اصفهان مثلا، وايضا ليس الأهم هو في وزن الحشوات المتفجرة، مع ضرورتها في استهداف القواعد الجوية التي تحوي عادة منشآت محصنة ومحمية جداً، ولكن في الحقيقة، الأهم في مميزات الصاروخين المستعملين هو منظومة التوجيه والثبات على المسار نحو الهدف، ومنظومة الحماية والافلات من الصورايخ المضادة، وهذه هي النقطة الرابحة في اية مواجهة بين الصواريخ وبين منظومة الدفاع الجوي.
تبين في اختيار قاعدة أميركية بعيدة (هي الابعد ربما من بين القواعد التي كانت مرشحة للاستهداف)، أن منظومة التوجيه لدى الصواريخ المستعملة، هي فعالة بشكل كاف لتجاوز مسار طويل مليء بقواعد عسكرية امريكية مجهزة بقدرات الكترونية لرصد الاهداف الطائرة ولتحديد مسارها وللتشويش عليها، وحيث تكون عادة المسافة البعيدة هي نقطة قوة في مناورة المدافع ونقطة ضعف في مناورة المهاجم بالصواريخ، لان وقت الرصد والتعرف على الهدف والتجهيز والتحضير والرمي يكون اكبر في حالات مسافات الرمي البعيد منه في المسافات القصيرة، فقد نجحت منظومة التوجيه في الثبات حتى الوصول الى الهدف.
أما لناحية منظومة الافلات من الصواريخ المضادة، فقد تبين أن هذه المنظومة تعمل في اتجاهين، الأول ذاتي ويتعلق بتجهيزات عضوية موجودة مع الصاروخ، تعمل من خلال بث اشارات خادعة للتشويش على اشارات الرادارات العدوة وتضييعها، والاتجاه الثاني خارجي ويتعلق بتنفيذ اجراءات سيبرانية خارجية، عملت على استهداف منظومة الاتصال الرقمي والالكتروني بين عناصر منظومة الدفاع الجوي، فأخرجت بعضها من الخدمة، وخلقت لدى أخرى ستارا الكترونيا أفقدها القدرة على تحديد الصاروخ والتعرف عليه واستهدافه، والذي جاء لاحقا ليؤكد هذا العمل السيبراني الايراني، تصريح الجنرال حاجي زادة عن قيام القوة السيبرانية لوحداته بتحييد ثماني طائرات مسيرة امريكية، كانت مهمتها حماية أجواء القاعدة الكترونيا ومساعدة منظومات الدفاع الجوي في عملها لاسقاط أي صاروخ معادٍ.
واخيرًا، تبقى نقطة أخرى لا تقل أهمية عن فعالية الصورايخ الايرانية ومنظومة التوجيه لديها، والتي ساهمت بنجاح عملية الرد، وتتعلق بضعف مستوى جهوزية منظومة الدفاع الجوي الامريكية الباتريوت، فكما يبدو، لا يمكن للاميركيين تغطية وحماية كافة مواقعهم وقواعدهم في المنطقة والتي تنتشر في عدة دول منها، بالاضافة لانتشارهم البحري في الخليج الفارسي وبحر العرب وخليج عدن وشمال المحيط الهندي، فهذا يتطلب مئات بطاريات الدفاع الجوي، والتي عليها مواجهة الاف الصورايخ الباليستية الايرانية المنتشرة قواعدها على كافة ارجاء البلاد في ايران، وحيث ستكون مسارات اطلاقها عبارة عن شبكة ضخمة من كافة الاتجاهات، لن تفلح منظومات الباتريوت بمواجهتها، خاصة ان المنظومة الاخيرة اثبتت عدم فعالية كافية بمواجهة رزمة بسيطة من الصواريخ الباليستية اليمنية (صواريخ الجيش واللجان الشعبية) أو بمواجهة رزمة بسيطة جدًا أخرى من صواريخ المقاومة الفلسطينية في غزة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024