آراء وتحليلات
ايران - واشنطن: مرحلة جديدة من الصراع
علي رباح ـ باحث سياسي
ما ان وقعت عملية اغتيال القائد الشهيد قاسم سليماني والشهيد ابو مهدي المهندس ورفاقهما على يد أعتى قوة استكبارية واستعمارية، حتى انطلق جمع من المحللين السياسيين أو منتحلي صفة التحليل - ممن راق لهم بعض ما كتبوه فجعلوه دليلاً على نبوغهم الاستراتيجي - في عمليات وضع لفروض وتوقعات تحاكي احلامهم وغيظهم وحقدهم المجبول بكثير من عدم الدراية والموضوعية. فتارةً يقولون ان ايران لن ترد ولا تجرؤ، وتارة يقولون ان ايران في حال ردت سترد في مكان بعيد لإبعاد التهمة عن نفسها وتستخدم غيرها، هذا ناهيك عن ابداعهم التحليلي بأن ايران والولايات المتحدة متفقتان علينا نحن العرب: سوالف تثير الضحك والالم في نفس الوقت.
أما وقد جاء الرد الايراني وفاجأ أصحابنا، حتى صار شغلهم الشاغل الحديث أن الضربة لم تؤثر ومتفق عليها وغيرها من الأحاديث التي ما أنزل الله بها من سلطان، فنقول:
1. ان الصراع بين الولايات المتحدة الاميركية وايران ليس مصلحياً بالدرجة الأولى، وإن كان يحق لايران العمل وفق مصالحها كما جميع الدول، إنما هو صراع عقدي ايديولوجي مبدئي، حُدّدت ملامحه مع انتصار الثورة الاسلامية عام 1979، وإن كان لهذا الصراع جذور قبلية تصل الى ايام محمد مصدّق عشية العام 1953 الذي تآمر عليه الاميركي والبريطاني وخلعاه في عملية مشتركة سُميت بعملية اجاكس، على خلفية سعي مصدّق الى تأميم النفط الايراني.
2. تواجه ايران قوة متغطرسة لا تلتزم بمنظومة اخلاقية ميتافيزيقية او وضعية، ولا تبدي أي احترام للمواثيق والمؤسسات الدولية، وهذه القوة تملك منظومة أسلحة متطورة وانتشاراً مهماً على الساحة الدولية الجغرافية، ولهذا فإن أي قرار بالمواجهة لا بد أن يخضع للدراسة المتأنية والمعمقة، والاستراتيجيا تفترض البحث عن نقاط الضعف واستغلالها بطريقة متوازنة تؤذي العدو من جهة وتربكه وتقيد ردات فعله من جهة أخرى.
3. منذ بريسترويكا غورباتشوف، واتجاه العالم نحو أحادية القطب الواحد العالمي، لم يقف أحد بوجه هذا القطب الامريكي بكل ما للكلمة من معنى، الا ايران التي ما فتئت تقارع هذا الغول العسكري والمالي حتى أفقدته الهيبة. تقف ايران بكل ندية في وجه الاميركي وحلفائه، رغم كل الحصار والقتل والتهديد، في ظل انبطاح عربي وأجنبي لم نجد من يصوب عليه السهام ليلاً نهارا من قبل المتفلسفين.
4. إن المتحذلقين بالسياسة والعسكر، يتفلسفون دون أن تكون بين ايديهم المعلومات السرية والمعطيات الخاصة، إنما يبنون اراءهم على معلومات سطحية، وليس عندهم اي فكرة عن موازين القوى الدولية والتحالفات وتقاطع المصالح وقدرة الاشتباك وتوقيته وغيرها من البيانات الضرورية لاتخاذ خطوة ما، وايران ستظل تمشي بهدوء في حقل الالغام لتصل في نهاية المطاف الى النصر، ولهذا ستعمل على الاستفادة من عامل الوقت قدر الامكان بغية التقدم في النواحي العلمية والعسكرية والسعي لتغيير قواعد الاشتباك بشكلٍ تدريجي.
5. إن من يقرأ السياسة الدولية والاقتصاد العالمي يُدرك أن الولايات المتحدة في طريقها الى التراجع والضعف على صعيد التأثير والسيطرة الخارجية الدولية، في ظل تطور المارد الصيني وتحسن موقع الدب الروسي، وإن التوقعات تشير الى مواجهة اميركية - صينية، لربما أكثر من اقتصادية، ستعيد ترتيب موازين القوى على الساحة الدولية.
جاءت الصفعة الأولى في اطار الرد الايراني قوية وصادمة وجريئة، ومؤثرة في حالة الهيمنة الأميركية وسياسة القطب الواحد المطلق والذي ظهر جلياً في تراجع ترامب، وتحوله من الرد العسكري الذي توعد به كثيراً الى لازمة العقوبات الاقتصادية، التي ما زادت ايران الى ابداعاً وتقدماً.
لم تزل جمهورية الاسلام في ايران توجه الصفعة تلو الأخرى للمحور الأميركي منذ اقتحام سفارة الولايات المتحدة ابان انتصار الثورة وكشف مؤمراتها، وبعدها الغاء سفارة "اسرائيل" واستبدالها بسفارة فلسطين، وحادثة طبس، وافشال مخطط القضاء على الثورة في الحرب المفروضة بين عامي 1980 و 1988، وعبر دعم حركات التحرر والمقاومة التي سطرت انتصارات مشهودًا لها في العالمين العربي والاسلامي، واليوم، مع اغتيال الفريق قاسم سليماني، تفتتح مرحلة جديدة من الصراع.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024