موقع طوفان الأقصى الجبهة اللبنانية

آراء وتحليلات

المناورة الروسية - الصينية - الايرانية: الرسائل والاهداف
27/12/2019

المناورة الروسية - الصينية - الايرانية: الرسائل والاهداف

شارل ابي نادر

تنفذ أغلب الدول مناورات عسكرية بشكل افرادي أو مشترك بين دولتين أو أكثر، وتكون إما دورية محددة التاريخ، أو استثنائية للرد أو الاجابة عن حدث طارئ. وعادة ما تحاكي الدول المعنية عبر هذه المناورات إجراءات عسكرية وميدانية، لمعركة أو لعملية أمنية، محدودة أو واسعة، وتكون هذه المناورات برية، بحرية، جوية، أو مركبة من الأسلحة الثلاثة، وهذا النوع الأخير والذي يأخذ البعد الدولي هو الغالب في أكثر المناورات مؤخرًا، ويهدف الى بعث الرسائل السياسية والاستراتيجية، عبر عرض القوة الذي يظهر في المناورة، من أسلحة ووحدات وقدرات عسكرية وتكتيكية.

 عمليًا، من الناحية العسكرية، تستخدم الجيوش أثناء المناورات أسلحة جديدة على سبيل التجربة، وتدرب وحداتها على ادارة المعارك، من خلال تفعيل منظومة القيادة والسيطرة وتنسيق الاعمال والاوامر بين وحدات مختلفة. وتهدف من خلل المناورات أيضًا الى تعريف وحداتها على ميدان المناورة جغرافيا، حيث عادة ما تنفذ المناورات في ميادين المعارك المحتملة، على حدود الدول او في مناطق الاشتباك المحتملة، وخاصة في البحار أو المحيطات الاستراتيجية التي تتضارب فيها مناطق النفوذ والمصالح القومية للدول. وإنطلاقا من الهدف الاخير، أي التعرف على الميدان المحتمل للاعمال العسكرية المرتقبة، تأتي أهمية المناورة المشتركة بين الصين وروسيا وايران والتي ستجري بين 27 و30 من الشهر الحالي في شمال المحيط الهندي، وامتدادا الى بحر العرب وخليج عمان، في المنطقة البحرية الجنوبية خارج مضيق هرمز، وحيث لهذه المناورة المشتركة عدة ابعاد، يمكن تحديدها بالتالي:

* البعد العسكري

من الطبيعي أن تشهد هذه المناورة، والتي لها طابع بحري وازن، تجربة واسخدام أسلحة بحرية استراتيجية، من الغواصات الى مراكب الانزال والقتال الى الصواريخ المضادة للسفن وللغواصات، وكل ذلك سيكون حتمًا بحماية منظومة دفاع جوي ايرانية أو تابعة للدول الثلاث، موزعة بين المُثبّتة على البر الايراني، أو المتواكبة مع القطع البحرية المشتركة. وحيث نشرت وزارة الدفاع الصينية انها سوف تُشرك في المناورة المدمرة شينينغ المزودة بصواريخ موجهة، لم تتطرق كل من روسيا أو ايران الى نوعية الاسلحة المشتركة، والتي لن تكون أقل من أسلحة مناسبة لحساسية المنطقة البحرية حيث تجري المناورات، والتي تعج بالقطع البحرية للدول الغربية، وخاصة الاميريكة منها، بالاضافة للقواعد العسكرية الساحلية لتلك الدول، والتي تمسك وتحضن المنطقة البحرية المذكورة.

* البعد الأمني

أهمية هذه المناورة من الناحية الامنية أنها تجري في منطقة بحرية شديدة الحساسية، حضنت مؤخرًا توترًا واسعًا بين دولها الخليجية، أو بين بعض دولها ودول أخرى لها تواجد عسكري في المنطقة، كما وحضنت المنطقة عدة حوادث بحرية وبرية ساحلية، أثرت سلبًا وبشكل كبير على حركة التجارة العالمية المرتبطة بانتاج ونقل وتصدير النفط والغاز، وحيث تعتبر المنطقة مصدرًا أساسيًا للغاز وللنفط، لدول غربية ولدول شرقية بنفس الوقت، فقد استحوذت على اهتمام واسع وكبير من أغلب الدول الفاعلة، فكان للمناورة بعدٌ أمني، ارتبط مباشرة بضرورة خلق مساحة بحرية آمنة، تتمتع بكافة عناصر الحماية على الصعيد الدولي، بشكل يتأمن حق جميع دولها بانتاج وتصدير نفطها، دون اية ضغوطات أو تدخلات خارجية، تمامًا كما يفرض القانون الدولي ومؤسسات المجتمع الدولي.

وقد جاء كلام الناطق باسم الجيش الايراني العميد ابوالفضل شكارجي ليؤكد ايضا البعد الامني للمناورة حيث قال: إن المحيط الهندي وبحر عمان من المناطق التجارية المهمة عالميا وان الكثير من الدول مطلّة عليها، لذلك فان استقرار الأمن والسلام في هذه المنطقة الحيوية مهم جدا. وحيث اعتبر بما معناه ان الجمهورية الاسلامية الايرانية أثبتت أنها عنصر اساسي في منظومة أمن واستقرار الممرات المائية الدولية وخاصة في هذه المنطقة الحيوية، فقد قال: " إن هذه المناورة هي لتقوية وتنمية القدرات الدفاعية في هذه المنطقة".
 
* البعد الاستراتيجي

تأتي الأهمية الاستراتيجية للمناورة من علاقة التوتر بين كل من الدول الثلاث، ايران وروسيا والصين مع الولايات المتحدة الاميركية. وحيث تعتبر البقعة البحرية للمناورة بقعة اهتمام وتأثير وتدخل أميركية بامتياز، يمكن تحديد هذه العلاقة المتوترة أو هذا الاشتباك مع كل من الدول الثلاث على الشكل التالي:
 
لناحية الاشتباك مع ايران: يتصاعد التوتر مع واشنطن على خلفية الاتفاق النووي والعقوبات التي فرضتها على ايران، وايضًا على خلفية التصويب الاميركي على نفوذ طهران في المنطقة، والذي تترجمه واشنطن صدامًا مباشرًا، رأينا أكثر من شكل للمواجهة بين الطرفين، وأهمها اسقاط أكثر من طائرة تجسس أميريكة فوق البر أو فوق المياه الاقليمية الايرانية، أو تترجمه واشنطن صدامًا غير مباشر من خلال دفع أكثر من دولة خليجية أو عربية نحو توتير العلاقة مع ايران الى حد فرض مقاطعة بعضها لايران.

 لناحية الاشتباك مع روسيا: صحيح أن بقعة المناورة البحرية هي بعيدة عن البر الروسي وغير مرتبطة بالسواحل الروسية، على العكس من ايران، لكن من الطبيعي أن يكون للاشتباك الدولي الروسي - الاميركي، والسباق على النفوذ بين الدولتين،  دور اساسي في انخراط موسكو في المناورة. وحيث يلعب الروس دورًا حساسًا في مواجهة الموقف الاميريكي غير المتوازن في المنطقة، لناحية انسحاب واشنطن من اتفاق دولي دون وجه حق (الاتفاق النووي مع ايران)، او لناحية فرضها عقوبات جائرة على العديد من الدول ومن ضمنها روسيا وايران والصين، وذلك على خلفيات تجارية ومالية تنافسية غير محقة، فإن لاشتراك روسيا في المناورة مع كل من الصين وايران بعدا استراتيجيا واسعا، يستهدف بالاساس واشنطن .

لناحية الاشتباك الاميركي الصيني، ربما جاءت الموازنة الاميريكة للعام 2020، لتضيف على الاشتباك الصيني الاميريكي بعدا استراتيجيا، يحمل الكثير من عناصر التوتر، وحيث تحدد استراتيجية "الدفاع الوطني" الامريكية للعام القادم خمسة تهديدات: الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران والإرهاب العالمي، وهذه هي نفس التهديدات التي كانت تضعها ادارة باراك اوباما، فالفارق الان هو إن إدارة ترامب تضع الصين هذا العام في المرتبة الأولى بدلا من روسيا. وحيث تتبع واشنطن ضد الصين اجراءات لها طابع العقوبات التجارية وزيادة الرسوم على البضائع الصينية، أو النكايات لناحية تحضير مشاريع للاستغناء عن المعادن الارضية النادرة من الصين، فإن التدخلات الاميركية في كل من تايوان وهونغ كونغ تؤجج هذا الاشتباك.

 كل ذلك يدفع الصين، بالاضافة طبعًا للبعد الأمني المرتبط بحماية معابر وخطوط نقل النفط، أو للبعد العسكري المتمثل بحصولها على فرصة تجربة قدراتها البحرية والاستفادة من خبرات دول متقدمة في مجال العمليات البحرية  مثل روسيا وايران، او للبعد الاستراتيجي والمتمثل بميدان بحري هو في صلب وعمق المشروع الصيني (الحزام والطريق) او طريق الحرير الصيني، يدفعها كل ذلك للانخراط بشكل فاعل في المناورة المشتركة مع ايران وروسيا في المنطقة الشمالية من المحيط الهندي.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات