آراء وتحليلات
الصراع على غاز شرق المتوسط.. أين يقف لبنان؟
شارل ابي نادر
لا شك أن صراعًا شرسًا بدأت تلوح معالمه في شرق المتوسط، مختلف عن الصراعات المذهبية والطائفية والسياسية التي ألِفناها وطبعت المنطقة بطابعها الخاص حتى الآن، يتمحور حول نقطتين، الاولى تتمثل بالفوز بمكامن الطاقة وبالتحديد الغاز في المياه الاقتصادية الخالصة (غير المحددة بشكل كامل) لكل من دول شرق المتوسط، والثانية لتثبيت وحماية الحقوق المؤكدة لكل من الدول المذكورة. وحيث أصبح من المؤكد أن الغاز متوفر وبشكل كبير وبكميات صادمة في الحوض الشرقي للمتوسط، وفي المياه الاقتصادية الخالصة للبنان بشكل خاص، أين هي الخطوط العامة لهذا الصراع؟ وما هو موقع لبنان منها؟ وفي أي موقع منها تكمن مصلحته؟
مؤخرًا، نقلت القناة 13 في كيان العدو عن مصادر رفيعة المستوى أن سفنًا حربية تركية تعرضت قرب قبرص لسفينة أبحاث اسرائيلية، وقامت بطردها من المنطقة البحرية المذكورة. اللافت أن الموضوع تجاوز كونه اشكالا عاديا يتعلق بابحار خاطىء يحدث عادة في البحار، ليتطور الى استدعاء المندوب في السفارة الإسرائيلية في أنقرة الى وزارة الخارجية التركية، وابلاغه رسالة استثنائية مفادها: "اعتبارا من اليوم، وبعد الاتفاق مع ليبيا، فإن أي خطوة إسرائيلية في موضوع الغاز وخاصة ما يتعلق بالأنبوب الذي تريد "إسرائيل" مده في تلك المناطق في البحر المتوسط من أجل تصديرغازها الى أوروبا عبر إيطاليا، ستكون فقط بموافقة تركيا".
عملية طرد السفينة الاسرائيلية، والتي استندت الى الاتفاق التركي الليبي الذي تم توقيعه في تركيا بتاريخ 27 تشرين الثاني الماضي، بين الرئيس اردوغان ورئيس حكومة الوفاق الليبية (المتحفظ على شرعيتها بالرغم من الاعتراف الاممي السابق بها)، جاء كخطوة أولى لتطبيق هذا الاتفاق، حيث لم تتأخر تركيا في ترجمته عمليًا بفرض نفوذها على منطقة بحرية شاسعة جنوب سواحلها، تمتد حتى حدود المياه الاقتصادية الخالصة الليبية، وحيث يقارب عرض كامل المنطقة البحرية التي تفصل شرق المتوسط عن غربه، حوالي الستماية كلم، يكون الاتفاق البحري التركي الليبي - والحاضن للمياه الاقتصادية الخالصة لكل من تركيا وليبيا (200 ميل بحري لكل دولة)، قد اقفل تقريبا كامل تلك المنطقة البحرية الاستراتيجية من شرق المتوسط.
طبعا هناك تحفظ واسع على هذه الاتفاق، تقوده كل من "اسرائيل" ومصر واليونان بالاضافة الى قبرص اليونانية، ولكن يبقى لليونان فقط من هذه الدول امكانية الاعتراض القانونية امام الامم المتحدة، والسبب هو تجاوز تركيا وحكومة الوفاق الليبية وجود جزيرة كريت اليونانية، وضرورة أخذها بعين الاعتبار في حساب المياه الاقتصادية الخالصة، وحيث أعربت الأمم المتحدة حتى الآن عن موقف شبه حيادي في الخلاف، كون المبدأ الذي تُحدد به حدود المياه الاقتصادية الخالصة، حسب القانون الدولي وقانون واتفاقيات البحار، يقوم بالاساس على الاتفاقات الثنائية بين دولتين متجاورتي الحدود البحرية، فإن الاتفاقية الليبية - التركية، يبدو انها آخذة طريقها نحو التطبيق، على الاقل، وبعد حساب امكانية تعديلها قليلا لصالح اليونان على خلفية وجود جزيرة كريت، فإنها سوف تثبت كما هي الآن في شقها الجنوبي كاملًا، أي في المناطق المؤثرة سلبًا على كل من مصر والكيان الصهيوني.
من جهة أخرى، فقد كان من الواضح مؤخرًا التقارب أو محاولة التقارب التركي مع لبنان، حيث تتحدث بعض المعلومات، غير المؤكدة انما الواردة صحتها بنسبة غير بسيطة، عن استعداد أنقرة تأمين ما يحتاجه لبنان من سلع حيوية بأسعار مناسبة وبالعملة اللبنانية، اضافة الى موقف دولة قطر الأخير حول استعدادها لمساعدة ودعم "الاشقاء في لبنان "ماليا"، حيث تلعب قطر دائما دور الداعم او المُغَطّي مالياً لتركيا، فإن هذا الموقف لا يخرج عن هذا الاطار المذكور، والمتعلق طبعا بمحاولة التقارب التركي مع لبنان على خلفية الصراع البحري في المنطقة، وامكانية وقوفه كطرف معها ضد المحور الآخر الذي تقوده "اسرائيل".
من هنا، ونظرا لحساسية الموقف اللبناني الآن، أولا بسبب وضعه السياسي غير المتوازن حاليًا، حيث تغيب امكانية اتخاذ أي قرار رسمي حول الموضوع، وثانيًا بسبب الضغوط الاميريكة - الاسرائيلية على لبنان، وارتباط أزمته الحالية حتمًا بموضوع الخلاف الحدودي البحري مع العدو، فإن لبنان وبأسرع وقت مدعو لاتخاذ الموقف المناسب الذي يؤمن مصلحته القومية الحقيقة، وانطلاقا من هذا الموقف الذي وصلت اليه الأمور، حيث ظهرت جبهتا الصراع، "اسرائيل" ومصر من جهة، وتركيا وليبيا ممثلة بحكومة الوفاق من جهة ثانية، ويأتي موقع لبنان كطرف اساسي في جنوب شرق المتوسط ضمن معادلة استخراج الغاز وتصديره.
وحيث هناك اتفاقية تجارية نافذة مع الكيان الصهيوني، تقضي بتزويد مصر والاردن بالغاز الاسرائيلي، وبمبالغ تتجاوزعشرات المليارات من الدولارات، ولا امكانية لدخول لبنان اليها، طبعا بسبب حالة العداء مع "اسرائيل"، وايضا بعد أن أصبح سوق كل من مصر والاردن مقفلا بوجهه، وحيث من المستحيل أن ينجح لبنان بمفرده في تأمين أسواق تجارية مناسبة لغازه مستقبلا، حيث واجهته البحرية شمال غرب باتجاه اوروبا مقيدة حكما بالمياه الاقتصادية الخالصة لتركيا، فإنه من الطبيعي أن يكون موقع لبنان في هذا الصراع، ولمصلحته القومية والاقتصادية، اقرب الى تركيا أو من ضمن اتفاقية اقتصادية واسعة معها، على أن تتمحور بنودها فقط بنقاط تجارية متبادلة، وعلى رأسها تأمين عبور ونقل الغاز اللبناني مستقبلا الى الأسواق الغربية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024