آراء وتحليلات
موازنة 2020: ترسيخٌ لعجز الدولة في زمن الانهيار
محمد علي جعفر
على وقع المعضلة الحكومية، خرجت الأوساط السياسية أمس لتُعلن قرب الانتهاء من مناقشة موازنة العام 2020. ولعل العقدة الحكومية لم تعد عُقدة تكليف أو تأليف فقط، بل باتت عقدة الخلافات الطارئة في وجهات النظر حول مقاربة مستقبل لبنان والموقف من التطورات السياسية المعقدة. وهو ما يدخل أيضاً ضمن النقاش القائم حول من يتحمل مسؤولية العهود السابقة، وكيف يمكن تحمل المسؤولية في العهد الحالي؟ كل ذلك ليس إلا تعبيراً واقعياً عن حالة اللامسؤولية التي تعيشها السلطة في مقاربتها لهموم المواطن، تُضاف الى حالة الانفصام التي باتت تسود الدولة اللبنانية وأحزابها السياسية.
وهنا فإن أحداً لا يتوقع أن تكون الموازنة إلا كسابقاتها. كما أن أحداً لا يبني عليها آمالاً في ظل المعضلة الأكبر التي يمر بها لبنان والتي تتعلق بمستقبل الدولة والكيان والنظام السياسي مع اتفاق الجميع على الاعتراف بخطورة المرحلة دون اتفاقهم على وضع رؤية مشتركة. يُرافق ذلك شعور محلي بغياب القدرة على إيجاد حلول في ظل غياب الموضوعية في توصيف الواقع وافتقاد أغلب الأطراف السياسية الى الشفافية في مقاربة الأزمة، في حين بات استجلاب الخارج لإدارة الثقة بين الأطراف أمراً طبيعياً في بلدٍ باتت تنقصه مُقومات سيادة الدولة.
بالعودة الى الموازنة فهي بحسب ما صدر عن رئيس لجنة المال خلصت للتالي:
أولاً: لا جديد في موازنة 2020. تُعبِّر بمعظمها عن الالتزامات الطبيعية للدولة في تأمين الشرعية القانونية لصرف النفقات المرتبطة. في حين لن تتضمَن أي التزامات جديدة وهو الأمر المستغرب حيث يسأل المراقبون عن غياب المعالجات الطارئة وخصوصاً تلك التي تتعلق بالأوضاع المعيشية للمواطن اللبناني عموماً.
ثانياً: يبدو أن غياب الحكومة رسَّخ الدور المهم والفعال للجنة المال في ضبط سياسة الإنفاق وبالتالي في نقاش الموازنة، وهو ما يُسلِّط الضوء على أهمية استمرار عمل مؤسسات الدولة وقدرتها على تفعيل دورها فيما يخص تحقيق المساءلة، خصوصاً إن تطرقنا لما أشارت له صحيفة "الأخبار" منذ عدة أيام ويتعلق بضبط لجنة المال لسقوف نفقات عديدة سائبة ومنها نفقات بعض "المحميات السياسية" كأوجيرو ومجلس الإنماء والإعمار ووضعها ملاحظات حول بدلات إيجار مباني العمل الحكومي، الأمر الذي يُعتبر مهماً ضمن مشروع مكافحة الفساد لكنه غير كاف.
بالمجمل يُصبح النقاش بالموازنة في ظل الأزمة الكبرى التي تعصف بالبلاد نقاشًا غير مُجدٍ. المشكلات في لبنان بنيوية وليست مرحلية، وتعود أسبابها الأساسية لغياب شفافية الدولة في معالجة مصالح المواطن مع ما يعنيه ذلك من هدر وفساد وسرقة للمال العام طيلة السنوات السابقة، وهو ما ساهم بمجمله في حصول عجز تراكمي في الموازنة، أتى بالويلات على الدولة والمواطن، الأمر الذي لن تحله موازنة 2020.
ولعل شعور الدولة بفقدان ثقة المواطن جعلها تسعى للحفاظ على بعض هيبتها من خلال إعادة الاعتبار للعملية الدستورية عبر تفعيل نقاش الموازنة، في حين يسأل البعض عن أهمية موازنة تغيب عنها الواقعية حيث تعالج واقع العام 2020 بالأرقام التي تُعبر عن واقع الأعوام السابقة!
وهنا فإن عدة اسئلة تُطرح تتعلق بحياة المواطن الذي لا يهمه نقاش الموازنة وتشبيح الطبقة السياسية أمام المجتمع الدولي. أسئلة تتخطى الموازنة وتتعلق بالوضع المالي العام وترتبط بالمخاوف من استحقاقات باتت حتمية، على سبيل المثال، ضمانة الودائع في المصارف لا سيما لصغار المودعين وعامة الشعب، استقرار سعر صرف الليرة ومعيار احتساب مصاريف المواطن بالدولار، أزمة البطالة ومشكلة الصرف من الأعمال وعدم دفع الرواتب المستحقة، مصير العام الدراسي في ظل الأزمة المالية بين المؤسسات التعليمية والطلاب...الخ. كل هذه الاستحقاقات باتت مصيرية وتعكس حقيقة الواقع الاقتصادي والمالي المتأزم للدولة وتعتبر مؤشرات لانفجار اجتماعي لم يعد حصوله إلا مسألة وقت!
كل ذلك يعني عملياً أن الدولة دخلت مرحلة الإفلاس، في ظل انفصام تعيشه الطبقة الحاكمة مع اتساع الفجوة بينها وبين المواطن.
ليست موازنة 2020 إلا ترسيخاً لعجز الدولة في زمن الانهيار، فيما يبدو أننا نعيش في دولة ميتة لكن أحداً من أهل السلطة لا يمتلك جرأة إعلان وفاتها!
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024