آراء وتحليلات
ما دلالات هجوم داعش في ديالى؟
محمد محمود مرتضى
في المعلومات، شن تنظيم "داعش" يوم الأحد في الاول من شهر كانون الثاني/ ديسمبر الحالي هجومًا عنيفا على نقاط للحشد الشعبي في منطقة نفط خانة شمال شرقي ديالى. وفيما أعلنت قوات الحشد الشعبي أنها اتخذت إجراءات مشددة في الوقت الراهن، فإنها تحدثت عن أن تنظيم "داعش" نفذ هجمات بعدد من المناطق العراقية، مستغلًا الأوضاع الراهنة في البلاد. وأضاف: "إن عددًا من المناطق المحررة يتعرض منذ أيام لهجمات متكررة من قبل جماعات "داعش" التي تحاول استغلال الوضعين الأمني والسياسي المتدهورين في البلاد". وأن "من أهم هذه المناطق هي محافظة ديالى التي شهدت يوم أمس معركة شرسة بين الحشد الشعبي وبين "داعش"، الذي يحاول اختراق المدينة وإسقاطها عسكريًّا منذ أيام، وأدت هذه المعركة إلى استشهاد 6 من أبطال الحشد وجرح 17 آخرين، من بينهم آمر اللواء 20".
وبحسب كلام الحشد الشعبي فإن "الثقل الأكبر في المعركة هو للواء العشرين من الحشد الشعبي، الذي أصيب قائده أحمد التميمي بجروح خطرة، كما اشترك للمساندة اللواء الرابع من الحشد"، فيما تكبد "التنظيم خسائر كبيرة في الأرواح ودُمرت القوة المهاجمة بالكامل، وتخضع المنطقة الآن إلى سيطرة تامة للحشد الشعبي".
وحذر الحشد من أن التنظيم "بدأ بالتحرك في محافظات الموصل وصلاح الدين والأنبار وديالى وكركوك ومحيط بغداد، في محاولة لإعادة السيطرة على بعض القرى والمدن التي كانت مناطق نفوذ له سابقًا".
هذا في البعد المعلوماتي، أما في البعد الدلالي فإنه يمكن لنا تسجيل الملاحظات التالية:
1ـ يعتبر هجوم ديالى هو الهجوم الأول الكبير نسبياً للتنظيم منذ أن تسلم أبو ابراهيم الهاشمي القرشي زعامته خلفا لزعيمه السابق، أبي بكر البغدادي، الذي قتل في عملية عسكرية أمريكية في شمال غربي سوريا، في السابع والعشرين من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وهذا يدلل على أن التنظيم، بقيادته الجديدة، يسعى بشكل محموم للعودة الى الساحة العراقية، لا عبر العمليات الفردية فحسب، بل لما هو ابعد من ذلك، أي عمليات كبيرة لا تصل الى حد هجمات 2014 والتي أدت الى احتلال مناطق كبيرة في العراق، لكنها ايضا أكبر من كونها عمليات فردية.
2ـ تسعى هذه الهجمات الى محاولة اعادة شد عصب عناصر التنظيم بعد خسارتهم لجغرافيا "الخلافة" المزعومة، وهي محاولة تهدف لتفعيل عمليات الاستقطاب التي خسر التنظيم دفعها الاساسي.
3ـ ربما تشي هذه العملية، بشكل أو بآخر، بعودة الاهتمام بالساحة العراقية بعد تراجع الاهتمام بها على حساب الساحة السورية. وذلك لا يعني تراجع الاهتمام بالساحة السورية بقدر ما يعني ضرورة تلازم المسار التصاعدي والتصعيدي في كلتي الساحتين. وهذا يعني تقسيم القيادات تبعا للجغرافيا، فالسوري يهتم بالساحة السورية، فيما يهتم العراقي بالساحة العراقية، على خلاف القاعدة التي كانت سائدة سابقا في أفضلية العراقي على من سواه في تسلق الهرم القيادي في التنظيم، فيما الاجانب منهم، يتركز عملهم على اغلاق الثغرات الاكثر ضعفا. وما قد يساعد على تنسيق هذا الامر الدخول شبه العلني لتنظيم حراس الدين على خط التنسيق مع "داعش".
4ـ يأتي هجوم ديالى بمثابة الترجمة العملية للتهديدات الأمريكية التي كانت تحذر من امكانية عودة داعش الى الساحة العراقية، وقد ذكرنا سابقا أن الكلام الامريكي هو أشبه بالتهديد بإعادة "داعش" الى العراق لا بعودته، وهو تهديد يدلل على قدرة واشنطن على توجيه التنظيم الى الساحات التي تريدها، والتي تخدم مصالحها.
5ـ تمثل الاوضاع الراهنة في العراق فرصة مؤاتيه للتنظيم لمحاولة العودة بفعالية الى الساحة العراقية. ومن المعلوم أن "داعش" يعتمد على استراتيجية الفوضى (التوحش) في محاولات الاختراق، إما عبر النفوذ من خلال فوضى قائمة، وإما عبر اختلاق الفوضى بنفسه لفتح الثغرات وهذا ما يطلقون عليه اسم مرحلة "النكاية" والتي تقضي بشن هجمات مكثفة على القوى الأمنية لإضعافها تمهيدا للاختراق والسيطرة.
6ـ يمكن اعتبار أن الهجوم في منطقة ديالى جاء مخالفا للكثير من التوقعات، حيث كانت الترجيحات أن أي هجوم قد يقوم به "داعش" سيركز على الانبار نظرا لطبيعتها الصحراوية من جهة، ولقربها من بيئة يعتبر "داعش" أنها ملائمة له، الا أن الهجوم في ديالى، وما تمثله من نقطة قريبة نسبيا الى الحدود الايرانية العراقية، يمثل محاولة للاقتراب من هذه الحدود. وتمثل هذه النقطة نقطة حساسة قد تشير الى الدور الامريكي في هذا التوجيه، حيث تسعى واشنطن لتحويل العراق إلى بؤرة نشطة ضد التحرك الايراني الداعم لمشاريع المقاومة للنفوذ الصهيو ـ امريكي.
وعلى أي حال، رغم فشل هذا الهجوم، فإن الأظهر أن التنظيم سيعيد الكرة، وفي مناطق مختلفة ومتنوعة، دون أن يعني ذلك توحيد الهجمات لناحية الكيف، بل يعني ان التنظيم سيسعى للإكثار من عملياته العسكرية والامنية خصوصا اذا ما استمرت الاوضاع العراقية على هذا النحو.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024