آراء وتحليلات
ماذا بعد عبد المهدي؟
بغداد ـ عادل الجبوري
تشرح وتفصل المادة السادسة والسبعون من الدستور العراقي آليات اختيار او استبدال رئيس الوزراء.
وتقول المادة المذكورة المؤلفة من خمسة بنود:
"أولا: يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء، خلال 15 يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية.
ثانيا: يتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف تسمية أعضاء وزارته، خلال مدة أقصاها 30 يوما من تاريخ التكليف.
ثالثا: يكلف رئيس الجمهورية مرشحا جديدا لرئاسة مجلس الوزراء خلال 15 يوما، عند إخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة، خلال المدة المنصوص عليها في البند "ثانيا" من هذه المادة.
رابعا: يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف أسماء أعضاء وزارته والمنهاج الوزاري على مجلس النواب، ويعد حائزا ثقتها عند الموافقة على الوزراء منفردين والمنهاج الوزاري، بالأغلبية المطلقة.
خامسا: يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة خلال 15 يوما، في حالة عدم نيل الوزارة الثقة".
من الناحية النظرية تبدو العملية لاول وهلة بسيطة وسلسة الى حد كبير، الا ان الواقع العملي والغوص في الجزئيات والتفاصيل، يؤشر الى عكس ذلك تماما.
وفيما عدا الحكومة الاولى التي تشكلت بعد سقوط نظام صدام بعدة شهور، برئاسة اياد علاوي، تحت اشراف ما عرف في حينه بسلطة الائتلاف المؤقتة (CPI)، وليس عبر آلية الانتخابات، كانت قضية التوافق والاتفاق على هوية المرشح لتولي منصب رئاسة الحكومة، ومن ثم الاتفاق على تشكيلته الوزارية، يستغرق بضعة شهور، وهذا ما كان واضحا عند تكليف ابراهيم الجعفري تشكيل الحكومة في مطلع عام 2005، ومن ثم تكليف نوري المالكي بتشكيل حكومتي 2006 و2010، ونفس الشيء بالنسبة لحيدر العبادي في تشكيل حكومة 2014، وكذا عادل عبد المهدي في تشكيل حكومة 2018، التي باتت منذ الثلاثين من شهر تشرين الثاني الماضي حكومة تصريف اعمال، بعدما وافق مجلس النواب على طلب استقالة عبد المهدي في ظل ظروف سياسية ضاغطة جدا.
لم يكمل عبد المهدي اكثر من ثلاثة عشر شهرا في المنصب التنفيذي الاول، وجاءت استقالته بطلب ضمني من المرجعية الدينية، في اطار جهودها ومساعيها المتواصلة لتلبية مطالب الحركة الاحتجاجية التي اندلعت في الشارع العراقي مطلع شهر تشرين الاول/ اكتوبر الماضي، وبالتالي قطع الطريق على الاجندات والمخططات التخريبية، الهادفة الى جر العراق الى دوامة العنف والفوضى والاقتتال الداخلي.
ولعل الكثير من الساسة والمراقبين واصحاب الرأي يدركون ان استقالة عبد المهدي لا تمثل الحل الحقيقي للازمة، لعدة اسباب، من بينها ان مطالب الحركة الاحتجاجية تتجاوز الى حد كبير استقالة الحكومة، وتصل الى تعديل الدستور، وتغيير شكل النظام السياسي، ووضع قانون انتخابات جديد، واكثر من ذلك الاصرار على مغادرة الوجوه السياسية الحالية، والاتيان بوجوه جديدة لم تتلوث بالفساد، وتكون من خارج دائرة المعادلات الحزبية التي حكمت البلاد طيلة ستة عشر عاما.
والسبب الاخر، هو ان كمّ المشاكل والازمات الامنية والسياسية والخدمية والاقتصادية التي تئن تحت وطأتها البلاد، لا ترتبط بالفترة الزمنية القصيرة التي تصدى فيها عبد المهدي للمسؤولية، وانما هي نتاج اخطاء وسلبيات تراكمت على مدى عقد ونصف العقد من الزمن، تعاقبت خلاله خمس حكومات، افتقرت جميعها الى الرؤية الواضحة والسليمة لادارة شؤون الدولة والمجتمع، ناهيك عن ان التدخلات والمؤامرات والاجندات الخارجية، فعلت فعلها في تعميق وتكريس المشاكل والازمات بدلا من حلها وحلحلتها.
واليوم، في ظل المتغيرات والتحولات والاستحقاقات والاشتراطات الجديدة، تبدو عملية اختيار بديل عبد المهدي اكثر تعقيدا وصعوبة من السابق.
فلم تعد تفاهمات وتوافقات الكواليس والاروقة السياسية كافية لتسويق رئيس الوزراء الجديد، لان العنصر الجماهيري-الشعبي، بات مؤثرا وفاعلا، ولا يمكن بأي حال من الاحوال تجاهله والقفز عليه.
فضلا عن ذلك، فإن الكتل والقوى السياسية التي يفترض انها معنية باختيار البديل وفق السياقات الدستورية واستنادا الى المادة السادسة والسبعين من الدستور، تُعدّ بنظر الحركة الاحتجاجية، وفئات وشرائح اجتماعية واسعة، العامل الاول الاساس وراء كل مظاهر خراب البلد.
وهذه الكتل والقوى السياسية المرفوضة اليوم، تمثل عموم الطبقة السياسية، التي جاء منها رئيس الجمهورية، وانبثق منها البرلمان، وتمددت واستفحلت عبرها الاحزاب، لذا فإنه من الطبيعي جدا ان لا تحظى خياراتها واختياراتها بقبول الشارع الغاضب.
في مقابل ذلك، فإن هناك من يذهب الى ان تجاوز الدستور وسياقاته وآلياته، وتجاهل الواقع السياسي القائم، على ضعفه وعلاته ونواقصه، امر غير ممكن، بل لا بد من البحث عن مسارات تصحيحية تدريجية، تساهم في احتواء غضب الشارع، وتمنع الانزلاق نحو الفوضى والاضطراب والذهاب الى المجهول، وفي نفس الوقت تستجيب لمطالب الحركة الاحتجاجية، من قبيل التوافق بصيغة او بأخرى على حكومة مؤقتة تدير مرحلة انتقالية، يصار خلالها الى اجراء تعديلات دستورية، والتهيئة لانتخابات برلمانية مبكرة على ضوء قانون جديد ومفوضية انتخابات تتمتع بمهنية اكبر بعيدا عن سطوة ونفوذ الاحزاب والقوى السياسية.
وهذا يعني ان على القوى السياسية الموجودة مغادرة اشتراطاتها وحساباتها الخاصة، وعلى الحركة الاحتجاجية، ايا كانت عناوينها ومسمياتها وشخوصها ان تخفض سقف مطالبها، ولو مرحليا، وتتعاطى بمرونة اكبر، تجنبا لحالة انسداد سياسي، قد تكون اثارها وانعكاساتها سلبية على الجميع دون استثناء. ولعل جلسة مجلس الامن الدولي الاخيرة التي خصصت للاستماع الى تقرير المبعوثة الاممية الى العراق جينين بلاسخارت، انطوت على اشارات وتلميحات غير طيبة، ربما لا تخرج عن نطاق المساعي الاميركية لاستخدام الغطاء الاممي الدولي لاعادة العراق الى هيمنتها وسطوتها عبر بوابة الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة. وهذا ما ينبغي التنبه اليه والحذر منه ومجابهته مبكرا بمنطق الخيارات الصحيحة والخطوات الصائبة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024