آراء وتحليلات
التعثر الحكومي في كيان العدو وحظوظ الانتخابات الثالثة
سركيس أبوزيد
أعلن رئيس حزب "أزرق أبيض" بني غانتس الفشل في تشكيل الحكومة الإسرائيلية، معيدًا التفويض إلى رئيس الدولة، رؤوفين ريفلين. وهذا يعني أن أمام "الكنيست" 21 يومًا كي يتمكّن أحد أعضائه من تشكيل الحكومة بدعم ما لا يقلّ عن 61 من زملائه. فھل سيتمكّن أحدھم من ذلك؟
حتى الآن، تتعذّر الإجابة القطعية، لكن المؤكد أن الفشل، إن وقع ھذه المرة، يعني التوجّه التلقائي نحو انتخابات نيابية ثالثة على التوالي، يُرجّح أن تكون في منتصف آذار من العام المقبل. وجاءت ھذه الخطوة بعد أن تمكن رئيس حزب اليھود الروس "يسرائيل بيتينو" أفيغدور ليبرمان، من إجھاض أية فرصة لتشكيل حكومة أقلية يشكلھا غانتس، أو يشكلھا زعيم حزب الليكود، بنيامين نتنياھو، وأصر على تشكيل حكومة وحدة علمانية بين "الليكود" و"كحول لفان".
نتنياھو تمكن من بث روح "الفزع" في الساحة الحزبية من خطر تشكيل حكومة مسنودة بأصوات النواب العرب، وراح يحرّض الجمھور ضد حكومة كھذه تعتمد على "مؤيدي الإرھاب" الذين يتلقون الأوامر من أعداء" إسرائيل في الخارج" وفق تعبيره. وكان بنيامين نتنياھو أول المرحبين بقرار ليبرمان، الذي يؤيد التوجه إلى انتخابات ثالثة، رغم أنھا تھدد بخسارة حزبه كثيرا من الأصوات، وذلك لأنه يفضّل البقاء رئيس وزراء حتى إجراء الانتخابات، أي بعد ستة أشهر أخرى. والسبب في ذلك أنه يريد أن يواجه لائحة الاتھام بقضايا الفساد وھو في مركز قوة كرئيس حكومة، وليس كنائب في المعارضة. وهذا الأمر أكدته مصادر من معسكر غانتس، مشيرة الى أن نتنياھو تعمّد الامتناع عن تشكيل حكومة منذ حصوله على تكليف بذلك، لأنه يريد أن يعيد الانتخابات من جديد لكي يكسب مزيدا من الوقت. فھو يريد فقط أن يبقى رئيس حكومة بأي ثمن خلال محاكمته، ولا يھمه أي شيء آخر.
من جھة أخرى، ستبقى صفة رئيس الوزراء لصيقة بنتنياھو طوال الفترة المقبلة، ما يعني أمرين:
- أن صلاحيته ھي ھي في كل ما يتعلق بالشأنين الأمني والعسكري، سواء على جبھة غزة، أم الجبھة الشمالية مع لبنان وسوريا، أم الجبھة الشمالية الشرقية الأبعد مع العراق وإيران.
- وأن ھذه الصفة ستفيده في الحدّ من تبعات أي لائحة اتھام تصدر في حقه بجرائم فساد ورشى، أقلّه حتى تتبيّن نتيجة الانتخابات المقبلة وموقعه فيھا.
في مقابل ذلك، توجه نتنياھو إلى ليبرمان بالشكر لأنه منع غانتس من تشكيل حكومة تستند الى العرب المعادين للدولة، ودعاه إلى الانضمام إليه وتشكيل حكومة يمين توفر على الدولة إجراء انتخابات جديدة. لكن، ليبرمان رفض اقتراحًا من نتنياھو للعودة إلى حضن اليمين برئاسة نتنياھو، في حكومة أقلية يمينية، رغم أنه قدم له عرضًا مغريًا بأن يكون قائمًا بأعمال رئيس الحكومة، ويتولى رئاسة الحكومة في السنة الأخيرة من الدورة البرلمانية، أي بعد ثلاث سنوات، ويمنح جميع نوابه الثمانية مناصب وزارية برتبة وزير أو نائب وزير.
كما تباھى أيضًا برفض مقترحات شبيھة مغرية من غانتس، ونجح في إفشال جھوده لتشكيل حكومة أقلية يسارية تستند إلى دعم خارجي من النواب العرب في "القائمة المشتركة". وقال: "إنه يرى في النواب العرب "طابورًا خامسا"، ويرى في الأحزاب الدينية قوة سياسية معادية للصھيونية ومتعاونة مع النواب العرب ضد "إسرائيل"". وقالت مصادر سياسية عليمة إن ليبرمان أقدم على ھذه الخطوة لأن استطلاعات الرأي الداخلية التي يجريھا، تشير إلى أنه بإمكانه مضاعفة قوته البرلمانية في انتخابات قادمة من 8 إلى 16 مقعدا، على حساب نتنياھو وغانتس. فموقفه العنصري المعادي للعرب سيجعله يخطف عشرات ألوف الأصوات من "الليكود"، وموقفه المعادي للمتدينين سيجعله يخطف عشرات ألوف الأصوات من "كحول لفان".
في السياق نفسه، شكّك القيادي في حزب "ليكود" الإسرائيلي جدعون ساعر في قدرة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على تشكيل حكومة حتى بعد الانتخابات الثالثة. ونقلت هيئة البث الإسرائيلية، مؤخراً، قول ساعر: "إن نتنياهو لن يفلح في تشكيل حكومة حتى بعد جولة ثالثة من الانتخابات".
لكن ساعر اعتبر أن "إجراء جولة ثالثة من الانتخابات يعد عملاً جنونياً"، ويوجه قياديون مقربون من نتنياهو في "ليكود" الاتهام إلى ساعر بالسعي لإسقاط نتنياهو، بهدف إقامة حكومة مع "أزرق أبيض"، كما يتهمونه بمحاولة إحداث انشقاق داخل الحزب. وأعلن ساعر عزمه منافسة نتنياهو على رئاسة "الليكود" في الانتخابات التمهيدية للحزب المقررة بعد 6 أسابيع. ووفقًا للاستطلاع الذي نشره موقع "واللا" فإن 82 في المئة من ناخبي "ليكود" يعتقدون أن نتنياهو هو الأكثر ملاءمة لرئاسة الحزب، فيما عبر 12 في المئة فقط عن تأييدهم لساعر. لكن الجمهور الإسرائيلي بشكل عام، حسبما أظهر الاستطلاع، يؤيد رئاسة ساعر لليكود بنسبة 37 في المئة مقابل 36% نتنياهو. أما في أوساط ناخبي اليمين، فهناك التأييد لنتنياهو 56 في المئة مقابل 27 في المئة لساعر.
واحتشد مؤخرًا آلاف من الإسرائيليين دعمًا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يواجه أكبر تهديد لوجوده السياسي بعد اتهامه في قضايا فساد. وتحت شعار "أوقفوا الانقلاب" لم ينجح الاحتجاج، كما كان يأمل منظموه، في جذب حشود ضخمة كما لم يشارك فيه سوى عدد قليل من أعضاء البرلمان والوزراء المنتمين لحزب ليكود الذي يتزعمه نتنياهو. وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن عددا يتراوح بين 2000 و3000 شخص شاركوا في المظاهرة، بينما قال "ليكود" إن عدد المشاركين بلغ 15 ألفاً.
في النهاية، الأسابيع الثلاثة المقبلة ستكون مشبعة بمواقف وتصريحات لزعماء الأحزاب على اختلافھا، من أجل إقناع الناخب بمسؤولية الأحزاب المنافسة عن التوجّه إلى انتخابات ثالثة يرفضھا الجمھور، ما يعني أن الحملة الانتخابية بدأت حالياً، كون الذھاب إلى الانتخابات مرجحا أكثر من النجاح في تشكيل الحكومة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024