آراء وتحليلات
كيف يفكر الأميركيون في الجيش اللبناني؟ 2/2
شارل أبي نادر
تضمن الجزء الأول، دراسة عن طبيعة الدعم الاميركي للجيش اللبناني، وارتباط مستوى هذا الدعم بالتاثير على العدو الاسرائيلي عند أية مواجهة أو اعتداء يقوم به تجاه لبنان، اضافة لطبيعة مستوى الدعم الأميركي للجيش اللبناني في معركته ضد الإرهاب، ومستوى دعمه في حماية الحدود البرية الشمالية والشرقية. لكن، سنرى في الجزء الثاني كيف يمكن مقاربة النظرة الأميركية التي عبّر فيلتمان أخيرا عنها، لناحية الموقع الداخلي للجيش اللبناني وموقفه من الاحتجاجات الشعبية الحالية ضد السلطة، وإمكانية نجاح الإدارة الأميركية في التأثير لإحداث تغير أو تطور ما في دور الجيش.
بداية، جاء كلام فيلتمان في الموضوع المتعلق بموقع لبنان الاستراتيجي، من خلال ضرورة التزام واشنطن بسياسة ابقاء لبنان تحت المظلة الأميركية وعدم دفعه أو تركه للارتماء في الحضن الروسي أو الحضن الصيني من الناحية السياسية الاستراتيجية، أو من الناحية الاقتصادية، مع التشديد على تزايد نفوذ روسيا في المنطقة وسعيها لتحقيق طموحاتها في جنوب شرق المتوسط، وما يمكن أن يقدمه لها في هذا الإطار لبنان، لو خرج من عقال سياسة واشنطن واتجه نحو موسكو. من هنا جاءت ملاحظة فيلتمان للكونغرس بضرورة انهاء تجميد المساعدة المالية والعسكرية للجيش اللبناني والبالغة حوالي مئة مليون دولار أميركي، والعمل على تأمينها واطلاقها فورًا للجيش اللبناني.
النقطة الأخرى التي صوب عليها فيلتمان من ضمن سياسة بلاده، تتعلق بالإشارة لقدرة واشنطن على تأمين الحشد الدولي لدعم لبنان ماليًا واقتصاديًا، رابطًا الموضوع بسياسة السلطة اللبنانية المفروض اعتمادها نحو الضغط على حزب الله، وضرورة ابعاده عن المشاركة في القرار الداخلي ضمن السلطة، أي بابعاده عن الحكومة. وهذا الموضوع كان من ضمن الأسباب الرئيسة التي تم التخطيط لها نحو توجيه واستغلال التحركات الشعبية الاحتجاجية في لبنان ضد السلطة والعهد. علمًا أن واشنطن لم تكن بعيدة عن المساهمة الفعالة في خلق الجو المالي والاقتصادي الضاغط والمسبب للانفجار الشعبي، عبر تقييد المؤسسات الدولية التي كان ممكنًا أن تساعد لبنان ماليًا، وعبر خلق منظومة ضغط اقليمية وغربية على الحكومة اللبنانية، تحت عنوان إبعاد حزب الله عن القرار وتقييد نفوذه السياسي الذي برهن عن شرعيته الشعبية في الانتخابات الأخيرة.
أيضًا، أفصح فيلتمان وبما لا يقبل الشك، عن محاولات أميركا التأثير على إجراءات الجيش اللبناني في التعامل مع الاحتجاجات. وحيث كان الأميركيون يراهنون على وحدات الجيش وعلى قيادته في تسهيل الحراك نحو إسقاط السلطة، بحجة حماية التظاهرات والمحتجين في التعبير عن آرائهم بحرية، كان للجيش اللبناني وقيادته رأي آخر في معالجة الموضوع، فعملت على التوفيق الحذر والحساس بين حماية المتظاهرين وبين منع قطع الطرقات.
من هنا، جاءت ملاحظات فيلتمان في انتقاد بعض اجراءإت الجيش اللبناني، في الوقت الذي اعترف فيه من ناحية أخرى، بقدرة الأخير كمؤسسة وحيدة تملك المصداقية والامكانية لمواجهة الإرهاب ولضبط الامن في لبنان، دون أن يستبعد الإمكانية ولو مستقبلا، في أن يلعب الجيش اللبناني دورا ما في "مواجهة حزب الله وتقييد نفوذه"، الأمر الذي اعترف باستحالة حصوله حاليا، لعدة أسباب ومنها امكانية حصول حرب أهلية، ستكون، ودائما بحسب فيلتمان، فرصة أكيدة مناسبة لحزب الله لتوسيع نفوذه وبناء قدراته. كلام فيلتمان في هذه الفقرة حول الجيش اللبناني لا يُستبعد وضعه في خانة زرع الفتنة التي لطالما حاولت واشنطن ايجادها بين الجيش والمقاومة ولاقت الفشل دائمًا.
وهكذا، يمكن القول ان فيلتمان، وعبر مطالعته أمام الكونغرس، قدم عرضًا شبه كامل لسياسة واشنطن تجاه لبنان، لناحية نظرتهم لموضوع دعم الجيش اللبناني وتقييد هذا الدعم بحدّين: الحد الأدنى كي يبقى لبنان مقيدا بسياستهم ولا يخرج مجبرا نحو التفاعل والتقارب مع دول أخرى، عسكريا واقتصاديا كروسيا أو الصين او الاثنتين معا، وفي حده الأقصى كي يبقى لبنان، وعبر وحداته المسلحة، بعيدا عن امكانية امتلاكه القدرة على مواجهة "اسرائيل" وردعها بقدرات نوعية، مع التصويب ومن خلال مقاربة حساسة، هي خفية صحيح، ولكن يمكن استنتاجها بسهولة، وتقوم على مثابرتهم على العمل دائما ومستقبلا للايقاع بين حزب الله وبين الجيش اللبناني.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024