آراء وتحليلات
نتنياهو.. كل السيناريوهات تودي الى سوء المصير
جهاد حيدر
للمرة الأولى في تاريخ "اسرائيل" تم توجيه لائحة اتهام بالرشوى والاحتيال والخداع لرئيس حكومة وهو في منصبه. هي سابقة مدوية من المؤكد أنه ستكون لها تداعياتها على حياة نتنياهو الشخصية والعائلية. وعلى المستوى السياسي تشكل هذه المحطة بداية أفول نجمه السياسي.
وعلى المستوى الحزبي ستعيد انتاج طبقة قيادية متنافسة يرى كل واحد منها أنه الأحق بخلافة نتنياهو. وعلى مستوى معسكر اليمين، فإن الشكوك ستبقى قائمة حول قدرة أي شخصية قيادية بديلة في الحفاظ على تكتله وعائلته. وايضًا بالنسبة للساحة السياسية ستؤدي الاطاحة بنتنياهو الى اعادة انتاج خارطة تحالفات حزبية جديدة في الكيان الاسرائيلي. ويعود ذلك الى أن وجوده على رأس السلطة ورئاسة الليكود حال دون نسج العديد من التحالفات.
أتى الاتهام بعد مرحلة طويلة من التجاذب والألاعيب السياسية والاعلامية، والقانونية (حل الكنيست وتعطيل تشكيل حكومة). يمكن بالاجمال القول إن نتنياهو لم ينجح في نهاية المطاف في تحقيق المؤمل منها، لكنه استطاع عبره تأخير صدور القرار النهائي بحقه. وتركت هذه الألاعيب آثارًا سياسية واقتصادية واجتماعية سلبية على الواقع الاسرائيلي.
لم يُسلّم نتنياهو بالقرار الذي أصدره المستشار القضائي للحكومة افيخاي مندلبليت، واعتبره انقلابًا سلطويًا ضده شخصيًا وضد اليمين "لن أسمح للكذب أن ينتصر، سأواصل قيادة الدولة حسب القانون... بمسؤولية والاهتمام بأمن مستقبلنا جميعًا". وبلغ به الأمر أن دعا الى "التحقيق مع المحققين". وهو ما يؤشر الى أنه سيكافح بأقصى ما يملك من أوراق لحماية نفسه على أمل التوصل الى صيغة تحول دون دخوله الى السجن.
تجدر الاشارة الى أنه بحسب التقارير الاعلامية فإن نتنياهو لن يحاكم قبل سنة ونصف، وأنه ما زال هناك العديد من الخطوات اللاحقة، التي قد يكون لها مفاعيلها على مجرى التطورات، مثل منح نتنياهو الحصانة من قبل الكنيست، ولكن ذلك يحتاج الى لجنة كنيست، وهي غير متشكلة حتى الآن لأنه عادة ما تتشكل في أعقاب تشكيل الحكومة عبر الاتفاق بين أحزاب السلطة التي تملك الاغلبية في الكنيست، وهو ما لم يتحقق حتى الان.
التحدي الأكثر استحقاقاً في هذه المرحلة، هو هل سيؤثر قرار المستشار القضائي على أهلية نتنياهو لتشكيل الحكومة المقبلة؟ انطلاقا من الجواب على هذه النقطة بالذات، تتحدد المسارات التي سيسلكها الوضع الداخلي والحكومي.
على المستوى القانوني لا يوجد أي نص ملزم لنتنياهو بالتنحي. في ضوء ذلك، تصبح الكلمة الفصل بيد المحكمة العليا بعد تقديم التماسات أمامها لاصدار حكمها حول ما إن كانت ترى أنه يفتقد الى الاهلية لتشكيل الحكومة المقبلة.
مشكلة نتنياهو في هذا السياق، أن المحكمة العليا سبق أن منعت العديد من الشخصيات من تسلم مناصب رفيعة على خلفية شبهات واتهامات. فقد منعت اللواء يوآف غالانت من تسلم منصب رئاسة أركان الجيش، قبل عشر سنوات، وألغت تعيينه بعد أن كان صادرًا من الحكومة. كذلك فعلت المحكمة إثر قرار الحكومة بتعيين الضابط تشيكو إدري مفتشًا عامًا للشرطة، قبل أكثر من سنة، وألغت التعيين.
هذه السوابق تُعزّز المؤشرات على أن قرار المحكمة العليا قد يكون في غير صالح نتنياهو وفي حال تحقق هذا السيناريو الأكثر تشاؤما بالنسبة له، ستكون نهاية حياته السياسية ويبقى له فقط محاولة تحصينه بصفته عضو كنيست، وهذا له مساره المختلف. مع الاشارة الى أن قرارات المحكمة العليا مُلزمة لكل مؤسسات الدولة، ولا يُستأنف عليها.
مؤشر اضافي على إحكام الطوق حول عنق نتنياهو، تمثل بما نقله العديد من الخبراء القانونيين أن المستشار القضائي للحكومة لن ينتظر التماسات أمام المحكمة العليا حتى يقدم موقفه من عدم أهلية نتنياهو لتشكيل الحكومة.
صحيح أن الجرم جنائي، والقرار قضائي إلا أن كونه موجهًا الى رئيس حكومة، هو في الوقت نفسه رئيس لمعسكر اليمين، يتوقع أن يترتب عليه مفاعيل وتداعيات سياسية على مجمل المنظومة السياسية في "اسرائيل". أول هذه التداعيات وأكثرها وضوحًا، أن مصير نتنياهو قد حسم من حيث المبدأ وأنه سيُطاح به عاجلا أو آجلا. فلم تعد تنفع كل المناورات والتحالفات والحملات الاعلامية والسياسية. لكن ما قد يحققه فقط هو محاولة تأخير سقوطه، أو ربما التوصل الى صفقة ما، لاحقا، إن كان القضاء يقبل بذلك، تتضمن بموجبها تنحيه واعترافه بكل شيء مقابل عدم سجنه.
مع ذلك، الحدث ما زال في أوله، ويوجد مروحة من التقديرات والسيناريوهات الممكنة ولكن كلها تنتهي الى الاطاحة به. فإن استطاع أن يفلت من قرار المحكمة العليا، وتم الدفع نحو انتخابات ثالثة، فإنه سيكون لذلك أثره على حزب الليكود، وربما ايضا على فرص تكليفه من قبل رئيس الدولة خاصة وأنه متهم رسمياً بتهم فساد خطيرة.
السيناريو الآخر، أن تعلو الأصوات من داخل الليكود من أجل استقالة نتنياهو لانقاذ الليكود، ولمنع اجراء انتخابات ثالثة، عبر الدفع نحو انتخابات تمهيدية على رئاسة الليكود، على أمل أن يتم استبداله. وهو ما بدأ يطالب به منافسه اللدود غدعون ساعر، الذي أعلن أنه قادر على تشكيل حكومة وتوحيد الشعب.
الملفت أنه بدأت محاكمة نتنياهو سياسياً واعلامياً وجماهيرياً، فور اعلان لوائح الاتهام، وأبرز وسم هيمن على وسائل الاعلام "دولة اسرائيل ضد نتنياهو" حسب تعبيرها. ويبدو أن من أوائل المؤشرات على مفاعيل هذه المحاكمة السياسية، مواقف لمصادر في حزب الليكود، أوضحت أن على نتنياهو "أن يفهم أن عهده انتهى، وحان وقت التغيير".
ما يضفي على قرار المستشار القضائي مزيدًا من الخصوصية التي تتجاوز البعد القضائي، أنه أتى بعد استنفاد مساعي نتنياهو وغانتس تشكيل الحكومة. وانتقال كرة التكليف الى الكنيست. هذا التزامن قد يوفر فرصة تجنب خيار انتخابات ثالثة اذا تمت الاطاحة بنتنياهو سواء من رئاسة الليكود، أو بفعل قرار قضائي بعدم اهليته لتشكيل الحكومة. عندها سيكون من السهولة اتفاق 61 عضو كنيست على شخص بديل من أجل مهمة تشكيل الحكومة. والأرجح أن يكون رئيس الليكود البديل هو المكلف بتشكيل الحكومة.
عادة في مثل هذه المحطات تكثر التقديرات بأن نتنياهو قد يدفع نحو حرب على مستوى المنطقة من أجل البقاء في منصبه، أو نجاته من السجن. مع ذلك ينبغي تسجيل العديد من الملاحظات:
- إن صدور قرار بشن حرب في "اسرائيل" ليس من صلاحية رئيس الحكومة وحده، بل هو حصراً من صلاحيات المجلس الوزاري المصغر. وعادة ما يشارك في المشاورات رئيس أركان الجيش والاستخبارات وبقية الاجهزة الامنية.
- المشكلة بالنسبة لنتنياهو في هذه المرحلة، وتحديداً بعد توجيه لائحة اتهام بحقه، أنه أصبح تحت المجهر أكثر من أي وقت مضى. وهو ما سيضع أي قرار يؤيده أو يتخذه موضع تشكيك وبحث.
- إن أي قرار قد يتم تبنيه باتجاه شن حرب، يحتاج بالإجمال الى مشروعية من المؤسسة العسكرية، حتى لو كان القانون يسمح للقيادة السياسية باتخاذ قرار يخالف توصية الجيش والاستخبارات. لكن نتيجة الخسائر الكبيرة المتوقعة من أي مواجهة اقليمية خاصة على الجبهة الشمالية، فإن هذه المشروعية تصبح أكثر من ضرورة.
- في حال تم اتخاذ قرار بهذا الاتجاه بموافقة وتأييد المؤسسة العسكرية، عندها يكون قد حصل تزامن بين مصالح مفترضة لنتنياهو وبين شن هذه الحرب. وفي هذه الحالة يمكن لنتنياهو توظيفها لمصالح سياسية وشخصية. وهذا النوع من الاستثمار مشروع ومعتمد في "اسرائيل".
مع ذلك، من المستبعد أن تترك أي مواجهة عسكرية مهما كان حجمها وساحتها أثرها الجدي على انقاذ نتنياهو. وأقصى ما يمكن أن يحصل أن يتم تأجيل بعض الاجراءات الى ما بعد انتهاء المعركة... وبعدها تأخذ الأمور مجراها الطبيعي.
لا يعني ما تقدم أن الحالة المستجدة لن يكون لها أثر على خلفيات نتنياهو وقراراته، وانما يمكن القول إن هامشه ضيق في التأثير باتجاهات حربية. وينبغي التذكير أنه كان أولى بنتنياهو أن يبادر الى مثل هذه الخطوة في مرحلة ما قبل صدور قرار المستشار القضائي عندها النتائج يُفترض أن تكون أكثر فائدة له، على افتراض أنها ستحقق شيئاً من هذا القبيل.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024