آراء وتحليلات
لا بد من "تضحية" المصارف
يوسف الريّس
بعد طول الأزمة ظهر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في مؤتمر صحافي خصصه لطمأنة الأسواق مشيرًا إلى دخول مرحلة جديدة الهدف الأساسي فيها حماية المودعين والودائع. تمحور حديث حاكم مصرف لبنان حول قدرة لبنان على تخطي هذه الأزمة لخلق أجواء طمأنينة تعيد الثقة بالقطاع.
أكد "الحاكم" في حديثه تأثير العقوبات الأميركية على القطاع، فوضعُ أحد المصارف على لائحة العقوبات خلق جوًا من الخوف أدّى لسحب أكثر من ثلاثة مليارات دولار من القطاع المصرفي. كما أوضح أن لا صلاحية قانونية تسمح له بالـ haircut المتمثلة بخفض قيمة بعض الأصول. كذلك أضاف أن مسألة التحويلات الخارجية تعود للعلاقة بين المصارف وزبائنها مانحًا فرصة تسليف المصارف دولارات بفائدة 20% مع عدم السماح بتحويل هذه الأموال إلى الخارج.
إن ما تطرق إليه حاكم مصرف لبنان هو جزء من الواقع وإن كان عدم طرح الأزمة بواقعيتها هو هروب من المسؤولية تحت غطاء إراحة الأسواق.
فالاستدانة والهندسات المالية أجهدت هيكل الاقتصاد اللبناني. استنزاف احتياطي العملات الأجنبية، المعتمد بشكل أساسي على جذب رأس المال الخارجي، كان له هدف وحيد متمثل بتثبيت سعر الصرف لجعل لبنان جاذبًا لرؤوس المال عبر الفوائد المضخمة على الدولار.
حاليا يقف المصرف المركزي قبيل حريق أوقده بنفسه ليس لديه ما يكفي من الأدوات لإطفائه. أقصى ما يمكن فعله هو وقف سرعة امتداده، لكنه حتى الآن يكتفي بحماية كبار المودعين مضحيًا بالمودعين الصغار والمتوسطين.
إن عودة الثقة غير المبررة بالقطاع المصرفي تحتاج إلى تضحيات من المصرفيين أنفسهم. فبحسب تقارير وكالات التقييم الائتماني إن الاحتياط الإجمالي من العملات الأجنبية لا يتعدى الـ19 مليار دولار بحسب وكالة "ستاندرد آند بورز" ويصل إلى عجز يبلغ 32 مليار دولار بحسب وكالة "فيتش".
أما بعض التقارير المحلية فتشير إلى عجز في صافي العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي بما يقدّر بـ 48.9 مليار دولار لنهاية أيلول/ سبتمبر 2019. وبحسب هذا التقرير يقدّر احتياط النقد الأجنبي في المصرف المركزي حتى نهاية أيلول/ سبتمبر من العام الحالي بـ 38.5 مليار دولار بعد حسم التزامات المصرف المركزي بالعملات الأجنبية المقدرة بـ87.4 مليار دولار لنصل إلى أن عجز المصرف المركزي يقدّر بـ48.9 مليار دولار. وإذا ما احتسبنا الذهب من احتياطي العملات الأجنبية يصبح العجز 35.2 مليار دولار.
إن هذه الأرقام تختزل طبيعة الأزمة وعدم واقعية الحلول المطروحة إلى الآن. ففي ظل نظامنا النقدي الحاجة الأساسية للدولار ليست لتغطية عجز ميزان المفوعات فقط، بل هناك حاجة إضافية تتمثل بدعم الليرة وذلك عبر تدخلات يجريها المصرف المركزي تتمثل برفع الفوائد واصدار سندات أو شرائها. وأبرز الحلول المطروحة بحديث حاكم مصرف لبنان تمثلت بإعطاء فوائد تصل إلى الـ20% على الدولار.
هذه الخطوة ليست سوى استنزاف جديد لممتلكات البلد وتأخير ظرفي لانهيار الهيكل الذي بدأ بالتلاشي. من الأجدر وضع خطط إنقاذية تخفف وقع صدمة انخفاض سعر الصرف، بحيث لا يكون همنا تثبيت سعر الصرف بل أن يصبح همنا الاقتصاد ككل. إن ما بدأ سلامة به حديثه من ضرورة الحفاظ على الثقة بالقطاع ضروري، ولكن آن الأوان لأن يتحمل أصحاب المصارف مع المواطنين تبعات الأزمة. فلمَ الابتعاد عن خيار رفع ملاءة المصارف عبر رفع موجوداتهام وأصولها في لبنان؟
استطاع لبنان حماية هذه المصارف من نفسها على مدى 30 عاما، عبر إنقاذها في كل استثمار فاشل وتكبد هذه الخسارة المال العام تحت عنوان حماية القطاع المصرفي. لا بد من أن تتشارك المصارف الأزمة مع المواطنين وتضحي بزيادة بالعملات الأجنبية بضخ أموال في الأسواق.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024