آراء وتحليلات
لماذا أضاف نتنياهو اليمن الى دائرة الخطر الجدي على "اسرائيل"؟
شارل ابي نادر
لم يكن اليمن في السنوات الماضية خارج محور المقاومة الذي يواجه تحالفًا معاديًا اقليميًا دوليًا. فهو طرف أساسي في هذا المحور، بما تمثله وحدات الجيش واللجان الشعبية وأنصار الله من قدرات أثبتت نفسها في المواجهة التقليدية القاسية ضد تحالف العدوان، وأيضًا في المواجهة الاستراتيجية عبر تطويرها واستعمالها لأسلحة نوعية، فرضت نفسها وغيرت مسار الحرب بالكامل. اللافت مؤخرًا كان كلام رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو حول إضافته اليمن الى دائرة الدول والأطراف التي تشكل خطرًا جديًا على الكيان.
كلام نتنياهو الذي نقلته وكالة "رويترز"، جاء لدى استضافته الاثنين الماضي وفدًا أميركيًا، وقد تعمد الاشارة أكثر من مرة الى أن "حربًا قد تندلع في المنطقة بيننا وبين ايران وحلفائها على أكثر من جبهة"، مضيفًا "إيران تأمل في استخدام كل من إيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن كقواعد لمهاجمة "إسرائيل" بقذائف وصواريخ دقيقة التوجيه، إنه خطر، خطر هائل"، حسب تعبيره.
في الحقيقة، ليس مناسبًا للعدو الاسرائيلي لا معنويًا ولا "شعبيًا"، أن يقف رئيس وزرائه موقف الخائف من اليمن كطرف قادر على أن يشكل خطرًا على كيانه. فالأخير يبعد حوالي 2000 كلم عن حدود فلسطين المحتلة، وهو يعاني اليوم بالاضافة لحصار خانق، ويلات عدوان قاس قارب الخمس سنوات، أصاب شعبه وبنيته التحتية ومؤسساته العامة والخاصة. لماذا اذًا يضع نتنياهو اليمن في دائرة الأطراف القادرة على تشكيل خطر هائل على كيانه؟ ولماذا أثار هذه المخاوف في هذا التوقيت وبهذه الطريقة؟
لا شك أن لكلام نتنياهو أبعادًا عدّة يمكن الاشارة اليها وفقًا للتالي:
البعد الداخلي: من الطبيعي أن رئيس وزراء العدو، ومن خلال توسيع دائرة المخاطر على "اسرائيل" واضافة اليمن كمصدر من مصادرهذه الأخطار، يهدف لتوحيد الأطراف الداخلية بمواجهة "الخطر الكبير"، الأمر الذي يلجأ اليه المسؤولون الاسرائيليون الذين كانوا يعانون من ضعف او من تراجع في التأييد الداخلي، على مدار الصراع العربي - الاسرائيلي. وهذا ما يعانيه نتنياهو اليوم، متوسلًا التنازلات السياسية لمواجهة تعاظم الخطر الخارجي، ولتسهيل الأطراف الأخرى المُعارِضة له تشكيل الحكومة وتركيب الائتلاف السياسي الحاكم.
البعد الاقليمي والدولي: يمكن أن نأخذ هذا البعد في اتجاهين، الأول يتعلق بالعلاقة مع المملكة العربية السعودية، والثاني يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة الاميركية.
- مع السعودية: يرمي نتنياهو الى دعم موقف الرياض في المواجهة الحالية مع اليمن، حيث تبحث "المملكة" عن نقاط للضغط على الطرف اليمني، تستخدمها في المواجهة السياسية والديبلوماسية بعد أن خسرت في المواجهة العسكرية. وحيث يشكل الادعاء حول نشر ايران للصواريخ والطائرات المسيرة في اليمن مبررًا، تلجأ اليه الرياض لتغطية فشلها العسكري والميداني وللتصويب على اليمنيين، يأتي كلام نتنياهو في هذا الاطار.
- مع أميركا: يرمي نتنياهو ايضًا من ادعاءاته حول نشر ايران للصواريخ والطائرات المسيرة في اليمن، الى تدعيم مناورة الضغط الأميركية على ايران حول توسيع طهران لنفوذها "الهدام" في المنطقة.
البعد العسكري: ويتوزع هذا البعد في اتجاهين ايضًا، الأول يتعلق بموقع اليمن على البحر الاحمر، والثاني بموقع اليمن الجغرافي بالنسبة لفلسطين المحتلة.
- بالنسبة لموقع اليمن على البحر الاحمر: سيكون أي تواجد يمني قوي على سواحله الغربية، في الموقف والتوجه والالتزام المعادي للكيان الصهيوني، خاصة اذا كان مدعومًا بأسلحة نوعية وصواريخ بر- بحر او ساحل - بحر، مصدرَ تهديدٍ غير بسيط لأي تحرك بحري اسرائيلي في البحر الأحمر بين خليج العقبة وباب المندب، وربما امتدادًا الى خليج عدن وبحر العرب. خاصة وأن البحر الأحمر يعتبر الحديقة الخلفية البحرية للعدو من الشرق، والأكثر حيوية وأهمية استراتيجية له، مقارنة مع واجهته الغربية البحرية على البحر الابيض المتوسط، حيث أغلب دول المتوسط، باستثناء لبنان وسوريا، هي دول صديقة لـ"اسرائيل"، وعلى رأسها مصر صاحبة الساحل الأكثر تأثيرًا على العدو من الناحية العسكرية، لولا وجود معاهدة السلام بينها وبين الكيان الصهيوني.
- لناحية موقع اليمن الجغرافي بالنسبة لفلسطين المحتلة: اذا اعتبرنا أن مصادر خطر الصورايخ الباليستية الاستراتيجية على العدو الاسرائيلي التقليدية، هي من الجهة الشرقية - الشمالية، وبالتحديد من اتجاه خط ايران - العراق - سوريا - لبنان، فإنها ستشكل إضافة خط آخر من الناحية الجنوبية الشرقية، وبالتحديد من اليمن، بالرغم من بُعد المسافة، فرصة تهديد أقوى وأوسع على العدو عند أية مواجهة ضد محور المقاومة. وفي الوقت الذي كانت فيه مناورة منظومة الدفاع العدوة ضد الصواريخ تركز على الاتجاه الشمالي الشرقي، أو خط ايران - العراق - سوريا - لبنان، سيكون لزامًا عليها توسيع هذه المناورة جنوبًا، بما يستوجب ذلك من وضع جهود أكبر في رادرات المراقبة وبطاريات الدفاع الجوي والملاجىء المخصصة للحماية من الصورايخ الباليستية.
من هنا، يمكن فهم المخاوف الجدية لدى المسؤولين الاسرائيليين من تنامي القدرات الاستراتيجية اليمنية، وما يمكن أن تشكله من عامل مؤثر في دعم هذا الصراع الواسع بين الكيان الصهيوني وبين محور المقاومة برعاية ايران.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
12/11/2024
حسابات حقول العدوان وبيادر الميدان
11/11/2024