آراء وتحليلات
إعادة تموضع "داعش" في شرق آسيا: ملامح الأزمات القادمة
عبير بسام
ابتدأ منذ العام 2017 الحديث الجدي حول توجه "داعش" إلى التّمركز في جنوب آسيا بعد أن خسرت معظم مواقعها وانتهى وجودها في كل من الشّام والعراق. خلال الشّهر الماضي، وبعد انطلاق العمليات التّركية في شمال شرق سوريا، طرح السّؤال حول مصير القيادات الدّاعشية التّي نقلتها القوات الأميركية من معتقلات قوات سوريا الدّيمقراطية، وتركت دون حراسة بعدما فرّ أفراد "قسد" أمام النّيران التّركية!
الجواب يكمن في شرق وجنوب شرق آسيا. فبحسب "أعماق" الناطقة باسم تنظيم "داعش" الارهابي، أسست "داعش" قاعدة لها في كل من الهند والباكستان، وأعلنت في 11 أيار/ مايو إقامة ولاية الهند، وفي 15 أيار/ مايو إقامة ولاية باكستان. اذ كان من المفترض والمنطقي أن يتم القضاء على قوات "داعش" في سوريا والعراق، ويهرب باقي الأفراد الى الهند وباكستان. لكن وبحسب مصادر خاصة لموقع "العهد" الاخباري " تتم الآن محاولات تصفية المقاتلين من الجنسيات المختلفة خلال المعارك القائمة بين الفصائل الإرهابية في إدلب وريفها الشّمالي، أو بينها وبين الجيش العربي السّوري". أما القيادات المحتجزة من فصائل "داعش" "فقد تم الحديث عن تهريبها بمساعدة القوات الأميركية، وهذه القيادات وصلت اليوم إلى ميانمار". ونقل عائلات "داعش" الذي تم في الأسبوعين الماضيين من مخيم الهول في شمال الرقة يأتي ضمن سياق نقل هؤلاء القيادات وعائلاتهم ". غير أن مصير الفصائل الأخرى هو الأكثر تعقيداً، وتحديدًا تلك المرتبطة بجبهة النّصرة وبقية تفرعاتها، والتي سيتم نقلها إلى الدّول التي جاءت منها ما عدا التّركمان الذّين لم يرغب أحد باستقبالهم.
ليس غريبًا اختيار توجه مقاتلي "داعش" إلى شرق آسيا، وفكرة نقلهم ليست جديدة، والمتابع للتّحركات والعمليات الإرهابية في دول شرق آسيا لا يسعه إلا أن يفهم الرّابط بينها وبين تنظيم "داعش" ليس في بلاد الشّام والعراق حصراً، بل في العالم أجمع. فقد قام تنظيم "داعش" بعد نشوئه وتمكنه في الشّام والعراق بعد العام 2015، بإعلان استقلاله عن تنظيم "القاعدة" في أفغانستان. وهذا لا يمكن قراءته إلا في نطاق محاولات السّيطرة المطلقة للزعامات المختلفة للتنظيمات الإرهابية المذكورة، في أماكن تواجدها والمطلوب منها أميركياً ودولياً.
بدأت الولايات المتحدة منذ بداية تشرين الأول بنقل 50 جنديًا أميركيًا إلى قواعدها في العراق بالإضافة إلى معتقلين من "داعش". ومن المؤكد بحسب المصدر السابق أن الدواعش المعتقلين هم من القيادات التّي تعول عليها الولايات المتحدة في قيادة تحركات "داعش" في شرق آسيا والتي ستكون مهمتها تدريب قوات جديدة وخاصة في ميانمار وليس فيي الصّين، والسبب أن حصة مقاتلي "داعش" من الإيغور 114 مقاتلًا، ويقطن الإيغور في منطقة كزنيانغ في غربي الصين، وهي ما كانت تعرف باسم تركستان الشرقية. وبحسب دراسة نشرها "مركز دراسات أمريكا الجديدة" في العام 2016، فإن "داعش" لا تشكل خطرًا حقيقيًا على الصّين، مع أنها كانت قد نفذت عمليات استهدفت المراكز الحكومية الّصينية في مقاطعة كزنيانغ، في العام 2014، وقتلت 43 شخصًا وأصابت 90 آخرين، وذلك عندما وضع أبو بكر البغدادي الصّين على لائحة الاستهداف. ونشر في 27 شباط/ فبراير2017 فيديو على الإنترنت بعنوان "أبناء الخليفة"، ويظهر حوالي 30 مقاتلًا صينيًا من الإيغور، وهم يدربون 20 طفلاً في معسكر تدريب، يحاول فيه قادة "داعش" أن يبرزوا سلطتهم ودورهم في تقوية مقاتلي الإيغور.
لكن الخطر الحقيقي الذي يثير قلق الصين يأتي من حزب "تركستان الإسلامي" (TIP)، المُنتشر في مقاطعة كزنيانغ، والتي تشترك بطول حدود يبلغ 858 كم، وهي تجاور من الغرب كلّاً من طاجيكستان وأزبكستان وكازاخستان وجميعها من الجمهوريات السّوفياتية القديمة، إضافة إلى قرغيزستان التّي ينشط فيها حزب "تركستان الإسلامي" بشدة كما ينشط في تركيا. وهذا ما يشكل خطرًا على مصالح الصّين في تركيا والشّرق الأوسط. ويعتبر هذا الحزب أوسع انتشارًا من تنظيم "داعش" بين أبناء المقاطعة، ويبلغ عمر التّنظيم أكثر من عشرين عامًا. والجدير ذكره أن الحزب التركستاني الإسلامي مرتبط بجبهة "النّصرة" بشكل مباشر وبالتحديد بجبهة فتح الشّام، وهو اليوم موجود في إدلب حيث انحصر وجود "النّصرة" في سوريا. واستطاع (TIP) حتى اليوم تجنيد أكثر من 2000 من الإيغور، وأنتج في العام 2016 أكثر من 200 فيديو يدعو للارهاب نشرت على الإنترنت باللغة الأويغورية، وهي إحدى لهجات اللغة التّركية.
بعد هجوم سيرلانكا في نيسان/ أبريل من هذا العام بات جليًا خطر وجود "داعش" بين مسلمي الرّوهينغا، ما يوضح عمق المحاولات للعب على التّناقضات المجتمعية في ميانمار وفي جنوب آسيا وشرقها، فهم يدعون للعمليات ضد البوذيين والهندوس ومهاجمة المعابد في دول شرق وجنوب آسيا، من أجل خلق القلاقل على أطراف الصّين. وكان بين المعتقلين إضافة إلى ماليزي وإندونيسي اثنان من الرّوهينغا، أحدهما ينتمي لتنظيم "داعش" والآخر لـ"جيش إنقاذ روهينغا آراكان"، والمعروف باسم "حركة اليقين". وتحدثت العديد من المقالات عن دور "داعش" المتنامي في جنوب شرق آسيا منذ العام 2015، ونشرت CNBC في العام 2017، مقالاً حول محاولات المجموعات الإرهابية كي تجد مكانًا لها ما بين مسلمي الرّوهينغا مستغلة الأزمة النّاتجة عن الاضطهاد الذي يتعرض له المسلمون هناك. ولكن نقل قيادات كل من "داعش"، و"النّصرة" بعد إدلب، من قبل الأميركيين إلى تلك المنطقة، المجاورة للصّين، يطرح الأسئلة المشروعة حول ما تحضره الولايات المتحدة من فوضى خلاقة تعيد نشرها في تلك المنطقة النّاهضة اقتصادياً واجتماعياً.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024