آراء وتحليلات
العدو يروج لوضع لبنان أمام معادلة "الاقتصاد أو المقاومة"
جهاد حيدر
بداية ينبغي تأكيد حقيقة أن ما تم نشره في وسائل الاعلام الإسرائيلية عن أن وزارة الخارجية طلبت من واشنطن وباريس وعدد من الدول الغربية ربط تقديم أي مساعدة مالية للبنان بموضوع الصواريخ الدقيقة، بدأ قبل انطلاق الحراك الشعبي في لبنان، وهو ما كشفته بعض المواقع الاعلامية الإسرائيلية أيضًا. لكن النشر والكشف عنه تم في 30/10. يعني ذلك، أن محاولة ربط الاقتصاد بسلاح المقاومة سابق على الحراك الشعبي، ومن الطبيعي أن تكون "تل ابيب" أصبحت أكثر تمسكاً بهذا المطلب في ظل الازمة التي يشهدها لبنان.
تم الكشف عما طلبته وزارة الخارجية من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا، بعد يومين من اعلان نتنياهو أن ما يجري في لبنان والعراق هزة أرضية، تجري في المناطق التي "تسيطر عليها ايران"، في اشارة إلى محور المقاومة، والذي ترى فيه "تل ابيب" سدًا منيعًا في مواجهتها وتهديدًا لأمنها القومي.
يلاحظ أن طلب خارجية العدو، اضافة الى موقف نتنياهو، صدرا بعد مرحلة "ضبط رسمي" يهدف إلى قطع الطريق على ارتكاب الأخطاء التي قد تترك أثرًا سلبيًا على رهانات "إسرائيل" وتوظيفها، وهو ما قد لا تقبل به الولايات المتحدة. ففي مرحلة سابقة، وتحديدًا في العام 2005، بعدما أكثر المسؤولون الإسرائيليون من التعبير عن رهاناتهم على نزع سلاح حزب الله في أعقاب خروج الجيش السوري، وأكدوا بذلك على حقيقة المشروع الذي كان ينفذ على الساحة اللبنانية، طلبت واشنطن عبر سفيرها في "تل ابيب" في حينه، التزام الصمت ازاء الوضع السياسي الداخلي في لبنان.
ترى وزارة الخارجية الإسرائيلية أن ما يجري في لبنان فرصة للابتزاز أشار اليها رأس الهرم السياسي بنفسه: "هزة أرضية". وتعكس المحاولة الإسرائيلية مستوى اليأس الذي يسود في "تل أبيب" والانطباع المتشكل حول ضيق خياراتها. لذلك من الطبيعي أن يستنفد العدو خياراته ويحاول التقاط الفرص ويعمل على توجيه الأحداث واستثمارها.
في كل الأحوال، ينبغي أن لا تكون محاولة كيان العدو الاستفادة من الأزمة المالية التي يواجهها لبنان مفاجئة، فهي تهدف لانتزاع أهم عنصر قوة للبنان في الدفاع والردع. وبغض النظر عن مدى واقعية هذه المحاولة، لكن على قاعدة "الغريق يتعلق بقشة"، حددت وزارة الخارجية المطلب الإسرائيلي بربط أي مساعدة للبنان بمعالجة مشكلة الصواريخ الدقيقة، التي تشكل قوة الردع الأهم للمقاومة في لبنان. وأصل تركيز العدو على هذا المطلب كاشف اضافي عن مدى تأثير هذا النوع من القدرات على مؤسسة القرار السياسي والأمني في "تل ابيب".
مع ذلك، ولنفترض أنه تمت تلبية أي مطلب يتصل بقدرات المقاومة - من باب الفرض - مقابل أي عملية ابتزاز تتصل بالواقع الاقتصادي، عندها تكون المقاومة قد فتحت على نفسها بابًا واسعًا من الابتزاز لن ينتهي... وسيصل إلى أصل وجود المقاومة.
خلاصة المعادلة التي يحاول أن يفرضها كيان العدو تتمثل بالترويج لوهم بخلاص اقتصادي مقابل سلاح المقاومة الأكثر فعالية. وبعبارة أخرى، التخلي عن الأمن مقابل الاقتصاد. في حين أنه لا معنى لأي اقتصاد بدون أمن. وهو ما يعني أيضًا ضياع المستقبل والوطن.
بموازاة النشاط السياسي تواصل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مراقبة الحراك الشعبي في لبنان، وتحاول استشراف مآلاته. وترى أنه حتى الآن لن يكون له انعكاسات فورية على "إسرائيل"، لكنها تحصر هذا التقدير بالمدى الفوري. وترى أن ذلك قد يشغل حزب الله. مع ذلك، يبدو أن تقدير الوضع الأمني الذي تجريه الأجهزة المختصة خلص إلى أن على "إسرائيل" أن تكون كثر حذرًا في عملياتها في اطار ما تسميه المعركة بين الحروب. ونتيجة ادراكها أن حزب الله لن يتجاهل أي محاولة إسرائيلية للدخول مباشرة على خط الأزمة الداخلية، لفتت تقارير لمعلقين عسكريين أيضًا إلى أن على "إسرائيل" أن تكون حذرة جدًا أيضًا كي لا تصبح لاعبًا نشطًا داخل الحلبة في لبنان".
في ظل ما يسود من تقديرات في كيان العدو، يحضر على طاولة الاجهزة المختصة سيناريو ما زال حياً في وعيهم ونفوسهم وهو أن ما افترضوه "ربيعا عربياً" يمكن أن يتمخض عنه بيئة اقليمية أكثر أمناً واستقراراً لكيانهم، لكن، تبين بالنتيجة أن محور المقاومة الممتد من لبنان إلى طهران، ازداد مناعة وقوة، وهي سابقة ستبقى حاضرة في خلفية أي مخطط وسيناريو يرسم للمنطقة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
12/11/2024
حسابات حقول العدوان وبيادر الميدان
11/11/2024