آراء وتحليلات
الخطة "ب" الربيعية الأمريكية بالمنطقة
إيهاب شوقي
لم يعد تحليل مجريات الأمور في منطقتنا واستكشافها بحاجة الى بصيرة، بل الى مجرد بصر. وللأسف فإن البصر عليه غشاوة، إما نفطية، وإما بفعل السحر الأميركي الذي خيل لأعين كثير من الناظرين أن ثوراته الملونة هي حراك مطلبي وعدل مطلوب.
ولغة الاشارة يبدو أنها أيضًا باتت صعبة لكثير ممن ارتبكوا وفقدوا بوصلتهم وتمييزهم للجهات الستة!
وللدخول مباشرة في صلب ما نود قوله، فإننا بصدد بعض التساؤلات:
1/ لماذا تركزت الحراكات الثورية في لبنان والعراق رغم معاناة الوطن العربي كله، بما فيه دول الخليج النفطية، من أوضاع صعبة تشكل ظروفا موضوعية للثورة؟ وهنا لا ندين الحراك الجماهيري في البلدين لمجرد انهما تحركا دون غيرهما، وانما نضع علامة استفهام فارقة لبلدين لديهما ارتباط مع ايران عبر قوى المقاومة في كل منهما، فهل هي المصادفة؟
وان كانت بالفعل مصادفة، فهل تركيز الصوت الأعلى في كل حراك منهما على استهداف المقاومة، عبر استهداف وحرق المقرات في العراق، وعبر الافتراء على المقاومة في لبنان بتحميلها مسؤولية الفساد والاشارة لنزع سلاحها، هو ايضا مصادفة؟
بالطبع هناك حراك شعبي مستحق لقطاعات ضجت من الظلم الاجتماعي والفساد، ولكن لماذا تحرك البلدان في وقت متزامن، ولماذا كان الطرف الاقوى بالحراك وصولا للاعلام وتصدر الصورة هو الطرف المعادي للمقاومة؟
هل من يقول إن الأمر لا يخلو من مؤامرة على المقاومة هنا هو المدان والمتهم، ام من يتعامى ويغطي هذا الاستهداف ويزعم أن الأمر كله طاهر مطهر وان ما يحدث مجرد استغلال، رغم انه لم يحدث الا في البلدين بالتزامن!
2/ الا يجدر بالمتابع العربي أن يتأمل توقيت الاعلان عن اغتيال ابو بكر البغدادي، بما يوحي انه انهيار لـ"داعش" وفزاعتها وان ذلك يعني نزع الغطاء عن حركات المقاومة باعتبار أن جزءًا من شرعيتها وشعبيتها قائم على مواجهة الارهاب؟
تحديدا في العراق، ألم يكن الحشد الشعبي استجابة لخطر "داعش" وانشئ لدفع هذا الخطر؟ الا يمكن ان يكون الايحاء بنهايتها هو ايحاء ايضا بنهاية دور حركات المقاومة؟
3/ هل من قبيل المصادفات ايضا ان يكون الحراك المتزامن في كل من العراق ولبنان، يبدأ مطلبيا، ثم يتحول ليصبح مسيسا بسرعة البرق وتصبح مطالبه هي اسقاط كيانات السلطة دون اعطاء اي مساحة للتفاوض؟
ان ما نشهده هو موجة ثانية من (الربيع العربي)، ذلك المصطلح الامريكي والذي يستخدمه من يعلنون العداء أو التناقض مع أميركا، وهو بكل أسف أهدر الأوضاع الثورية العربية التي كانت مستحقة، وذلك بحرف بوصلتها، ومنعها من ان تصبح ثورات للتحرر الوطني ومناهضة الاستعمار الذي تسبب في تردي الاوضاع وحماية الفساد. أصبحت عبر ادبيات ملونة ثورات شكلية خاوية من كل مضامين الثورة، ترفع شعارات وطنية بينما مضمونها امريكي ومصيرها للصالح الامريكي، فهل ما نقوله افتراء ام له مبررات؟
لو اردنا ان نسوق المبررات فيمكننا ان نسرد فقط بعض الامور:
اولا: الثورة لا بد من ان يتوفر لها ظرف ذاتي الى جانب ظرفها الموضوعي، اي يتوفر لها تنظيم وقيادة.
ثانيا: الثورة يجب ان تكون قادرة على التغيير وجاهزة ببديلها الثوري لتسلم السلطة، لا ان ترفع شعارات السلمية وتوحي بانها تطالب، ثم ترفض الاستجابة للتفاوض، ثم تدفع الامور للفوضى، وكأنها تمهد الطريق للبديل الجاهز، وهو بالمصادفة دوما تابع للمعسكر الخليجي والامريكي.
انها دعوة لتأمل نمط الثورات الملونة التي لم تحقق شيئا سوى استبدال انظمة باخرى موجودة ضمن "الرفوف" الامريكية، ودعوة لعودة الايمان بنمط ثورات التحرر الوطني القائمة على قيم الاستقلال الوطني وخلق البدائل وامتلاك قوة التغيير.
لولا المقاومة في سوريا لكان البديل الامريكي حاكما، ولولا المقاومة في اليمن لكان ذلك كذلك. ومن هنا تستهدف كيانات المقاومة في العراق ولبنان، وهو توظيف امريكي - صهيوني صريح لآلام الشعوب وبأيدي ابناء هذه الشعوب من بعض العملاء، وكثير من الابرياء والسذج.
إن كانت النخب الاميركية والمرتزقة تؤدي دورا مدفوع الثمن، فعلى النخب الشريفة التي ترفع راية الاستقلال الوطني ان تتسق مع شعاراتها وان لا تصبح مطية لامريكا ونخبها. إن ما نراه باختصار هو الخط (ب) الامريكية، بعد فشل الخطة (ا) بهزيمة المقاومة عبر الحصار والارهاب.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
12/11/2024
حسابات حقول العدوان وبيادر الميدان
11/11/2024