معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

24/10/2019

"القوات" و"الكتائب": أجندات خاصة تخطف الحراك المطلبي

شارل ابي نادر

لليوم الثامن على التوالي بعد الانفجار الشعبي في لبنان، والذي كانت شرارته ضريبة اضافية على تطبيق "الوتساب" وغيره في مشروع موازنة 2020، يستمر الى جانب الحراك الشعبي الشرعي، الفلتان وجنون الفوضى في الشارع اللبناني. وبين حرق الاطارات وتكسير وسرقة عدد من المحلات التجارية، وقطع طرقات رئيسية وفرعية، يتوقف بشكل شبه كامل قطاع الأعمال الخاصة، مع توقف كامل للقطاع المصرفي والتربوي، وكأن البلاد تعيش حالة من الحرب.

 من جهة أخرى، وحيث تتداخل وتتناقض شعارات الحراك، مع سيطرة لافتة لشعارات شعبوية تغيب عنها المضامين العملية أو القانونية أو السياسية، مدعومة من اعلام موجّه يسعى لأجندة محددة، جاءت الورقة الاصلاحية الاقتصادية التي أقرتها الحكومة مع موازنة العام 2020، لتشكل نقطة فاصلة في مسار الحراك.

في الحقيقة، هناك فئة كبيرة من المعترضين، هم صادقون في مطالبهم التي تعبر عن وجعهم الاجتماعي والاقتصادي، ونظرًا لطغيان عددهم ووجعهم وصراخهم على المشهد بالكامل، اختبأ خلفهم وضاع بينهم أصحاب النوايا الأخرى والأهداف المشبوهة، الى أن جاءت الورقة الاصلاحية لتفرزهم. ومع تحفّظ بعض الاختصاصيين على بعض بنود الورقة خاصة فيما يتعلق بخصخصة بعض مؤسسات المرفق العام، وبقاء بعض الحراك في الشارع تحت عنوان المعارضة والتعبير عن الرأي، والاصرار على التمسك بمزيد من الاصلاح، عملت بعض القوى السياسية، التي كانت أساسًا في الحكم طيلة أعوام سابقة، الى التبرؤ من المسؤولية والتلطي خلف بعض الحراك لحرفه عن مساره المطلبي.
 
هؤلاء الذي فضحتهم الورقة الاصلاحية، لم يعيروا اي انتباه لها، وتابعوا معركتهم نحو تحقيق أهدافهم الأساسية البعيدة عن وجع الناس ومطالبهم، كل حسب مناورته الخاصة به، ومن هؤلاء كان حزبا "القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية"، وحيث لكل منهما أجندة خاصة، عمل كلٌ من موقعه على استغلال الحراك لتنفيذها.

 الحزبان بالأساس يشتركان بالأهداف البعيدة المرتبطة بأجندة خارجية، والتي تتمحور حول اسقاط العهد بما يمثله شخص رئيس الجمهورية وفريقه السياسي من جبهة قوية داخلية، استطاعت توجيه العمل السياسي نحو مسار واضح وثابت من العمل القانوني والمؤسساتي. وبما يمثله العهد من دعم داخلي رسمي وخارجي ديبلوماسي لمقاومة الشعب اللبناني التي وقفت بوجه الكثير من المخططات الخارجية التي استهدفت لبنان والمحيط المؤثر على لبنان. وحيث يخوض الغرب بقيادة الاميركيين، وبعض الجهات الاقليمية، معركة استهداف وكسر حزب الله، كان من الطبيعي أن تخوض "القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية" معركة الغرب والاقليم لاسقاط العهد.

لناحية الأهداف الخاصة، التي امتطى كل من الحزبين عجلةَ الحراك الشعبي الصادق طمعا بالوصول اليها كان لافتًا الشكل أو الأسلوب الذي اتبعاه في المشاركة بالحراك بطريقة مختلفة عن الشكل الغالب للحراك الصادق، فاختارا الذهابَ نحو اقفال الطرقات في مناطق جبل لبنان الشمالي وصولًا الى بعض أقضية الشمال، بشكل خانق وقاتل للمواطنين الساكنين في تلك المنطقة وللمنتقلين بين الشمال وبيروت، وبطريقة منظمة محكمة وفعالة.

الكتائب، وبعد أن حشد أغلب قواعده وكادره الحزبي في المتن والمحيط، من خلال اقفال اوتوستراد جل الديب، المدخل الشمالي الاساسي لبيروت، أراد ايفاد رسالة عن حجم الحشد الذي يمثل قاعدته الشعبية، والذي تركز بأغلبه في بقعة صغيرة من الطربق العام، بأنهم موجودون وجاهزون لمقايضة تسهيل المرور وفتح الطريق بالاشتراك في الحكومة بعد استقالة القوات، خاصة وأنهم لو كانوا صادقين في شعاراتهم المرفوعة، كانوا وجدوا في الورقة الاصلاحية الاقتصادية الكثير من النقاط التي تستحق المتابعة والاخذ بعين الاعتبار.
 
القوات اللبنانية، بعيدًا عن أي توجه متعلق بالمطالب الحياتية، وضعوا نصب أعينهم اسقاط العهد من خلال الضغط في الشارع، عبر اقفال أغلب الطرق الحيوية في مناطق واسعة، بين زحلة والشمال وجبل لبنان، دون أن يكون لهذا الاجراء أي فائدة تصب في مصلحة توسيع الضغط العام للحراك الشعبي الصادق، وحيث استطاعوا وبخبرة الميليشيا المنظمة صاحبة التاريخ العريق بحركة نشر الحواجز وتقطيع أوصال المناطق، فرض حالة من الضغط القاتل على المواطنين في تلك المناطق، بهدف اسقاط النظام والعهد، وتبعا لصعوبة هذا الهدف ولعجزهم عن التأثير نحو ذلك، استطرادًا ترك باب المقايضة للبقاء في حكومة تصريف اعمال بعد استقالة الحكومة الحالية التي انسحبوا منها منفردين، بعد "خيانة" وليد جنبلاط لهم.

هي معركة واسعة، فيها من يقاتل صادقًا ضد الفساد والهدر ويتوخى صادقًا اصلاحًا حقيقيًا ونهوضًا اقتصاديًا ونموًا متقدمًا، وفيها ايضا من يستغلها لأهداف خاصة فئوية، أو لأجندات خارجية طالما كان بيدقًا مرتهنًا على رقعة مناورتها المعادية للدولة، وفي النهاية، وكما انتصر محور الحرب ضد الارهاب وضد العدو في اشرس معركة، سوف ينتصر هذا المحور وداعموه في معركته ضد الفساد والهدر ويحقق ازدهار الدولة والمؤسسات وخير المواطنين والوطن.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات