آراء وتحليلات
الرئيس التونسي الجديد والتحديات المنتظرة
تونس ـ روعة قاسم
يبدو جليا أن الرئيس التونسي الجديد قيس سعيد قد حظي بأكبر دعم شعبي منذ الثورة بالنظر الى عدد الأصوات التي حاز عليها وهي ما يعادل 2.777 مليون صوت، وأيضا نسبة المشاركة غير المسبوقة في كل الاستحقاقات الانتخابية والتي عرفتها البلاد منذ 2011 ووصلت الى 57 بالمئة من الناخبين .الأمر يضع ساكن قرطاج أمام تحديات كبيرة وان يكون في مستوى تطلعات التونسيين بشكل عام وناخبيه بشكل خاص.
أسباب عديدة كانت وراء هذا الصعود الباهر للرئيس الجديد في الانتخابات الرئاسية لعل أهمها الدعم الشبابي المطلق الذي تمتع به. فأغلب ناخبيه هم من الشباب الذين رأوا فيه صورة رائعة ومثالية للأستاذ الجامعي المثقف صاحب المبادئ والذي يحمل همومهم ويعرف احلامهم ... كما أن الرجل اعتمد منذ سنوات - وقبل حتى اعلان نيته الترشح للسباق الرئاسي الحالي - على الدبلوماسية الشعبية والتحرك الميداني نحو الجمهور والجلوس معهم في المقاهي الشعبية والاستماع لمشاكلهم عن قرب... وهذا خلق حالة غير مسبوقة من الثقة بين قيس سعيد وأنصاره وجلهم لا ينتمون الى تيارات سياسية او احزاب بل هم ناقموين على الأوضاع التي وصلت اليها البلاد بعد قرابة تسع سنوات من الثورة. اضافة الى ذلك فهو معروف بنظافة الكف وهو معطى هام جدا ومحوري في شخصية الرجل باعتبار ان تونس تحتاج الى رئيس يحارب الفساد الاداري والمالي المتفشي في أغلب القطاعات.
وأيضا تمّكن الرجل من الحصول على دعم بعض الأحزاب الكبرى خلال جولة الإعادة وهي حركة النهضة والتيار الديمقراطي اضافة الى ائتلاف الكرامة الصاعد والذي يمثل الخط الثوري. كما ان انخراط عدد كبير من المثقفين في حملة دعمه على وسائل التواصل الاجتماعي في وجه منافسه نبيل القروي الذي كان مسجونا بتهم التهرب الضريبي...كل ذلك عزز من حضوره في المشهد السياسي الراهن.
ويبدو ايضا ان سعيد استفاد من حالة النقمة لدى شرائح تونسية واسعة على الطبقة السياسية سواء الحاكمة او المعارضة اذ يحمّل الشباب هذه الطبقة مسؤولية الأزمات الصعبة التي واجهت البلاد خلال الأعوام الماضية، لعل أهمها حالة اللاستقرار الأمني وخطر الإرهاب وكذلك ارتفاع نسب البطالة وتراجع نسب النمو وتدهور الحالة المعيشية للمواطن... فقيس سعيد استفاد من التصويت العقابي ضد منافسيه وضد المنظومة القديمة.
واليوم ينظر شق واسع من التونسيين الى الرجل بصفته العامل الموحد الذي قد يؤثر في إعادة تشكل المشهد السياسي التونسي خاصة بعد التشتت الكبير الذي أفرزته الانتخابات التشريعية. فتونس تواجه تحديات كبيرة على المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية وهي تتطلب حدا أدنى من التوافق في المشهد السياسي وفي المجلس النيابي لتمرير القوانين الهامة لإصلاح الوضع.
وتنتظر البلاد استحقاقات أخرى هامة وهي تشكيل الحكومة القادمة وعرضها على مجلس نواب الشعب بأسرع وقت. ثم البدء بمعالجة المعضلات والملفات الصعبة اهمها مناقشة ميزانية عام 2020 ورفع تحدي الإصلاح الجبائي والتحكم في العجز التجاري ودفع النمو والاستثمار وإجراء اصلاحات اجتماعية عاجلة من أجل النهوض بالوضع الاجتماعي ومحاربة الفقر والتهميش.
اذاً تبدو الأنظار اليوم متجهة الى ساكن قرطاج والخيارات والسياسات التي سيتخذها خلال السنوات الخمس القادمة والتي ستكون مصيرية لتونس، خاصة فيما يتعلق بالمبادرات التشريعية الضرورية لإصلاح الوضع الراهن.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024