آراء وتحليلات
ترامب يصعّد الحرب التجارية ضد الاتحاد الاوروبي
صوفيا ـ جورج حداد
تسلم البيزنسمان الاميركي دونالد ترامب الرئاسة الاميركية في كانون الثاني/ يناير 2017 في ظروف مالية واقتصادية صعبة جدا للولايات المتحدة الاميركية، حيث يبلغ الدين العام عشرات تريليونات الدولارات والميزانان التجاري والمالي للدولة هما في غير صالح اميركا، ونسبة البطالة عالية وهي تهدد بالازدياد، وغير ذلك من المؤشرات السلبية للاقتصاد الاميركي. وهذا ما دفع دونالد ترامب لان يرمي خلف ظهره كل اسس السياسة التقليدية لاميركا بوصفها القطب العالمي الأوحد وزعيمة الكتلة الدولية الغربية، وكل أسس وقواعد الدبلوماسية والقوانين والأعراف الدولية وكل الاتفاقات والمعاهدات و"الصداقات" التي ترتبط بها اميركا. وقد شمّر ترامب عن زنديه وتعامل مع اميركا بوصفها شركة مشرفة على الافلاس وهو يتسلم ادارتها وكل همه انقاذها من الافلاس وتعويمها. وهذا هو الجوهر الاساسي لكل مسلكيات الرئيس الاميركي سواء في التعامل مع روسيا او الصين وايران وفنزويلا وكوريا الشمالية وغيرها من الدول غير الصديقة. ففي كل مواقفه وقراراته العدائية لم يكن يقصد الموقف بحد ذاته، او كما تعلنه آلة البروباغندا الاميركية، بل قصد وهو لا يزال يقصد الحصول على مكاسب مالية واقتصادية لاميركا، على حساب الخصوم والاصدقاء على السواء. ومع الاختلاف الكبير بين هذه الدول وبين الدول الصديقة لاميركا، فإن هدف دونالد ترامب الاساسي لم يختلف، وهو التوصل الى ابتزاز الجميع ماليا وتجاريا، والى تسويق السلع الاميركية ولا سيما الاسلحة والنفط والغاز، والى تعزيز مكانة الدولار السائرة نحو التدني التدريجي عالميا. وينطبق ذلك حرفيا على علاقات اميركا الحالية مع الاتحاد الاوروبي الصديق التقليدي بل والذيل للسياسة الاميركية. وفي إحدى تغريداته التويترية المبكرة يقول ترامب بصراحة ان الاتحاد الاوروبي يمثل عدوا تجاريا للولايات المتحدة الاميركية.
وتقول رويترز نقلا عن جريدة "Politico" ان واشنطن تخطط الان لاستعادة مبلغ يتراوح بين 5 و 9 مليارات يورو فيما يختص بالنزاع القائم بين اميركا والاتحاد الاوروبي حول الدعم الاوروبي لشركة ايرباص الاوروبية في مزاحمتها لشركة بوينغ الاميركية في صناعة الطائرات. وكما تؤكد Politico فإن ترامب هو الان طليق اليدين في ان يفرض رسوما جمركية اضافية بقيمة مليارات اليوروهات على السلع الاوروبية المستوردة الى الولايات المتحدة الاميركية، بحجة تقديم الاتحاد الاوروبي منح الدعم غير المشروعة الى الشركة العملاقة Airbus. وقد استخدمت اميركا نفوذها التقليدي في منظمة التجارة العالمية كي تستحصل على قرار بهذا الشأن لصالح واشنطن. ويعود النزاع حول هذا الموضوع الى 15 سنة مضت، وكان موضع مفاوضات شاقة بين الطرفين "الصديقين" حيث ان الاتحاد كان ايضا يتهم اميركا بتقديم منح دعم لشركة بوينغ الاميركية. ولكن ادارة ترامب ضغطت بكل ثقلها لاستصدار قرار لصالحها، من جانب منظمة التجارة العالمية، وفي وقت ما بلغ الامر حد التهديد العلني من قبل ترامب بامكانية الانسحاب من منظمة التجارة العالمية.
ومن المتوقع الان ان يعلن ترامب فرض رسوم جمركية اضافية على لائحة سلع اوروبية تبدأ بالاجبان وتنتهي بطائرات Airbus. وحسب مصادر"Politico" فإن مبالغ الرسوم ستتراوح بين 5 و9 مليارات يورو.
وكانت واشنطن قد هيأت سلفا لائحة سلع اوروبية بقيمة 19 مليار يورو كي تختار منها السلع التي ستفرض عليها الرسوم الاضافية قبل غيرها. وقد لمّح ترامب إلى ان الرسوم الجديدة المفروضة ربما تصل الى 10 مليارات يورو.
ويقول الخبراء ان الرسوم الجمركية الاضافية لترامب ستشكل ضربة قوية لشركة ايرباص الاوروبية لانها ستجعل ثمن طائرات الشركة اغلى بكثير من ثمن طائرات بوينغ في السوق الاميركية الكبيرة. كما ان الرسوم ستطال قطع غيار الطيارات مما سيؤثر تأثيرا كبيرا على شبكة تسويق وصناعة قطع الغيار والطيارات لشركة ايرباص العملاقة. وبذلك فإن غيوم التجارة بين اميركا والاتحاد الاوروبي ستتلبد كثيرا.
وقد علق على ذلك رئيس المفوضية الاوروبية جان ـ كلود يونكر بالقول "ان البدء بالحرب التجارية يبدو سهلا، ولكنها سرعان ما تتفاقم، وعادة هي تنتهي بشكل سيئ. ان اوروبا سوف تدافع دائما عن التجارة الحرة والعادلة، القائمة على المعاملة بالمثل. نحن لن نكون سذجا، في عزمنا على القيام بالبيزنس. واذا قام بعضهم بفرض الضرائب الجمركية على قطاع الطيران الخاص بنا، فإننا سوف نقوم بالشيء نفسه".
وكان ترامب قد صرح ان قرار منظمة التجارة العالمية لصالح واشنطن "هو انتصار كبير لنا". وهو ينوي ان يفرض ضرائب جمركية اضافية على المنتوجات الزراعية والصناعية الاوروبية بما فيها الطائرات والاجبان والخمور. وستكون الرسوم الجديدة بنسبة 10% على الطائرات و25% على بقية السلع، وسيبدأ العمل بها بدءا من 18 تشرين الاول/ أكتوبر الجاري. وقد اصبحت جاهزة لائحة السلع التي ستفرض عليها الرسوم الاضافية وغالبيتها تستورد من فرنسا، المانيا، اسبانيا وبريطانيا. واعلنت واشنطن انها تحتفظ بحقها في زيادة الرسوم الاضافية على السلع الاوروبية وفي توسيع لائحة السلع التي ستفرض عليها ضرائب جديدة. وكتبت "Politico" ان لائحة السلع المشمولة بالضرائب الجديدة تشمل خميرة الشعير، الكحوليات، الكنزات، البن، الادوات المنزلية، البسكويت، الزيتون واللحوم.
تقول غالبية الخبراء ان هذه الحرب التجارية لن تسهم في تحسين الوضع المالي والاقتصادي لاميركا بل ستؤدي الى تحميل المستهلك الاميركي اعباء اضافية والى زيادة الجفاء والتباعد بين اميركا والاتحاد الاوروبي.
منظمة التجارة العالميةايرباصبوينغ
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024