معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

العام 2019 والسيناريو الأسوأ للإقتصاد العالمي
03/01/2019

العام 2019 والسيناريو الأسوأ للإقتصاد العالمي

محمد علي جعفر

ينتهي العام 2018، تاركاً خلفه الكثير من التحديات المُقبلة. لم يعد صعباً القول أن العام 2019، سيكون عام التحوُّلات الكبرى. فالناظر للتحديات على أنها متعددة الجوانب ليس بمُخطئ، لكن هذه التحديات، مرتبطة. من التحديات الإجتماعية التي باتت تَجمَع كافة الشعوب في العالم، الى التحديات السياسية التي يَعترف أرباب السياسة بصعوباتها وتعقيداتها، الى التحديات العسكرية التي يَتفق العسكريون على خطورتها، ثم تأتي التحديات الإقتصادية التي ترتبط بكل ما سبق.

كان عام 2018 بحسب الخبراء الإقتصاديين عام التحوُّل نحو التقلبات واللاإستقرار في الإقتصاد العالمي. فبحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية فإن أهم ما طغى على المشهد الإقتصادي العالمي هي: مظاهر ارتفاع المديونية العالمية، الأزمة الإقتصادية الكبيرة التي تضرب الإتحاد الأوروبي وبالتالي تُنبئ بأزمة مالية في منطقة اليورو، بالإضافة الى ركود الإقتصاد الأمريكي والحرب التجارية بين الدول الكبرى لا سيما الصين وأمريكا تحديداً. هذا المشهد قد يدعم الأسباب التي تُعزز التوقعات بحصول السيناريو الأسوأ الإقتصادي، حيث أن بنك الإستثمار الشهير "جي بي مورغان" توقع حصول الأزمة المالية القادمة في العامين المقبلين كحد أقصى وعلى أعتاب الإنتخابات الرئاسية الأمريكية. فما هي البوادر التي تُعزز هذه الرؤية؟

عدة أمور حصلت في العام 2018، ترفع من منسوب القلق على الإقتصاد العالمي خلال العام 2019. نذكر أهمها فيما يلي:

أولاً: يُعتبر الخروج المتوقع لبريطانيا من الإتحاد الأوروبي في 29 اذار المُقبل، من التحديات الأهم أمام الإقتصاد العالمي. صحيحُ أن أغلب الخبراء لا يمتلكون توقعات وسيناريوهات واضحة، لكن المُتفق عليه بينهم أن لهذا الإنسحاب أثر حتمي على الأسواق المحلية الأوروبية والعالمية. لا يمكن فصل ذلك عن ما تشهده منطقة اليورو اليوم من اضطرابات اقتصادية، في ظل حركة السترات الصفراء في فرنسا، والمشكلات التي حصلت وطالت قطاعات في عدة دول. كل ذلك لن يكون بعيداً عن تأثيرات الإنسحاب الأوروبي.

ثانياً: تشهد الأسواق النفطية تقلبات سريعة وكبيرة خلال الفترة الحالية، وهو ما لم تشهده خلال السنوات الخمس المنصرمة. توقعات ما قبل العام 2018، اقتصرت على ارتفاع نمو الطلب على النفط. لكن التوقعات للعام 2019 تُعتبر عكسية لأسباب عديدة. أهمها أن اعتماد واشنطن على النفط الصخري انتهى في العام 2017، لأسباب تقنية غير قابلة للتطبيق. ما أعاد الولايات المتحدة لتكون مُستوردة للنفط العادي. هنا يتوقع الخبراء، بأن ما سيشهده العام 2019 من اضطربات اقتصادية، بالإضافة الى الحاجة الأمريكية للنفط سيدفع أسعار النفط الى مستويات كبيرة (قد تصل الى 150 دولار للبرميل) في نهاية العام 2019. فهل تتكرر صدمة أزمة النفط والتي حصلت عام 1973؟

ثالثاً: تُشكل الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد عالمي أحد مشكلات العام 2019. مخاطر الضعف الحاصلة في السياسة المالية والنقدية الخاصة بالإقتصاد الأمريكي باتت واضحة خصوصاً بعد سياسة رفع الفوائد على القروض والتي اعتمدها البنك الفيدرالي الأمريكي لمعالجة التأرجح في معدلات الركود والبطالة والنمو. والمشكلة أن أي خلل في الإقتصاد الأمريكي لن يكون محدود الأثر حيث يُشكِّل 25% من منظومة الإقتصاد العالمي. الديون الوطنية الأمريكية تساوي 107% من الناتج المحلي الأمريكي. عالمياً، فإن الناتج القومي الإجمالي العالمي يساوي 80 تريليون دولار أمريكي فيما يصل المبلغ الإجمالي لديون العالم الى 300 تريليون.

رابعاً: يبدو أن السياسة الجديدة التي انتهجتها إدارة ترامب في حربها التجارية على الاقتصادات العالمية وفي مقدمتها الصين، جعلت مسار الإقتصاد العالمي يدخل في نفقٍ مجهول. حيث أن نتائج هذه الحرب لن تنحصر على البلدين فقط، وهو ما دفع البنك الدولي، للتوصية بالتكاتف لتخفيف التوتر واصلاح أنظمة التجارة العالمية. لكن لهذه الحرب أسباب أكبر من كونها اقتصادية فقط، يراها المستشرفون للمستقبل، سبباً لمزيدٍ من الإحتدام المتوقع في الصراع الأمريكي الصيني بحسب ما يُشير الدكتور طلال أبو غزالة. ومنها على سبيل المثال، برنامج الحزام الصيني، المنافسة الأمريكية الصينية على ريادة التكنولوجيا، مبادرات العملة البديلة عن الدولار، عرض تمرير الغاز الى أوروبا من روسيا، والإعتماد الأمريكي على المواهب الصينية.

إذن يبدو واضحاً حجم المخاطر التي يعيشها الإقتصاد العالمي خلال العام 2019. لكن السبب الحقيقي لكل هذه العوامل والتي تُعتبر بحد ذاتها نتائج لنظام إقتصادي يحكم الغرب قائم على الرأسمالية، هو الخلل البنيوي والهيكلي في التركيبة المالية لهذه الدول. والقائمة على تحويل الديون الخاصة إلى حكومات الدول، ما جعلها عاجزة على توفير الخدمات للمواطن لعجزها عن الإستمرار في ما يُسمى خدمة الدين. هذا السياق، هو نتيجة طبيعية للعقل الليبرالي الذي شَرعن المبادرة الفردية والربح الخاص ولو على حساب الجماعة. هي نفسها العقلية التي دفعت المجلس الإحتياطي الإتحادي الأمريكي مراراً لطباعة النقود ضمن سياسة "التيسير الكمي" ليرفع من السيولة ويُغرق أمريكا والعالم بواقعٍ ماليٍ سينعكس حتماً أزمة كبيرة في المستقبل القريب. فهل يكون العام 2019 عام حصول السيناريو الأسوأ للإقتصاد العالمي؟

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات