معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

بين لبنان وسوريا: مقوّمات الصمود
30/09/2019

بين لبنان وسوريا: مقوّمات الصمود

عبير بسام

يعيش لبنان أزمة اقتصادية حادة، تدفع بمواطنيه للتوجه نحو الشّارع بين الفينة والأخرى. المظاهرات التّي نزلت مؤخرًا في مناطق لبنانية متعددة، معبرة عن ضيق العيش ومطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية والخدمية في لبنان، تثبت أن النّظام الطّائفي البائد في لبنان ليس قادراً على إيصال البلد إلى شاطئ الأمان الاقتصادي والمعيشي.

ما يحتاجه لبنان للصمود ليس فقط الخطط الاقتصادية المتكاملة، بل تحرير كثير من قياداته من عبء الطّائفية والتبعية. ولبنان يعاني من كثرة "القادة" الذين يتجاوزون عدد الطّوائف الثماني عشرة فيه. كلّ قائد فيه يلقي اللّوم على باقي القادة في تبرير التّقصير. فبلدنا يعتمد على "الشّطارة" و"صرف ما في الجيب حتى يأتي ما في الغيب"، وهذا لن يبني لا صموداً ولا اقتصاداً.

ما ينقص لبنان خطط التّنمية، والتي لا يمكن استيلادها  في لحظة تراجع سعر اللّيرة اللبنانية أمام الدّولار. فالحرب الاقتصادية لا يمكن ربحها من خلال تأهيل الدّولة لتكون دولة منتجة، ففنلندا أنتجت هاتف نوكيا الخليوي الذّي دعم اقتصادها كواحد من أقوى الاقتصادات في أوروبا منذ تسعينيات القرن الماضي. في سوريا ومصر اهتمت الدّولة بالزراعة والصناعة وتطوير القطاع السّياحي، والاهتمام بالأماكن الأثرية والطّبيعية التّي تجتذب السّياح. أما أهم آثار لبنان في صور وبعلبك فتعاني من الإهمال. ويحوّل لبنان كل يومٍ طبيعته الجميلة إلى كسارات ومرامل وكتلة إسمنتية، ناهيك عن السياسات الاقتصادية التي قضت على الصناعات، وأهملت القطاع الزّراعي وتكاليفه المرتفعة، التي تثقل كاهل الفلاح والمواطن اللبناني.

سوريا بلد لم يتوقف فيها التّطور حتى خلال الحرب ولم تعدم الوسيلة لتأمين المتطلبات لجميع المواطنين
 
خطط التّنمية في الدّول، هي جزء لا يتجزأ من قدرتها على الصّمود في وجه التّحديات المفروضة عليه، خاصة إذا ما كان أمامه حرب طويلة كتلك التي يواجهها لبنان. فلا بد من تأمين مقومات الصّمود للناس. إيران وعلى الرغم من الحصار الذّي تخضع له استطاعت تطوير وسائل الإنتاج فيها وتطوير اقتصادها. وكان هناك توجه، عملت عليه كل من سوريا ومصر وحتى الدّول الأوروبية والمتطورة، ألا وهو تأمين المطالب الأساسية للمواطنين، من مدارس وجامعات وطبابة وتأمين وتسهيل المواصلات وفرص العمل، ولبنان يفتقر إلى هذه جميعاً، عدا عن الإهمال في قطاع الكهرباء والماء والتدفئة، وجميع الحاجات الأساسية التي يتكبد المواطن اللبناني أعباء هائلة من أجل تأمينها. وتأتي اليوم أزمة الدولار كي تهدد اللبناني حتى في رغيفه ووسيلة انتقاله للعمل.

رغم شعور المفاجأة لدى المواطن اللبناني حول وصول الكهرباء إلى جميع المناطق السّورية بمعدل 24/24 تقريباً، فإن الخبر يشعر السّورييين بالرّاحة، وليس بالمفاجأة! فقد كانوا يشعرون بتحسن الكهرباء على مر السّنوات الثّلاث الماضية. ولمس السّوريون التّحسن خلال أيّام عيد الأضحى الماضي، الذّي لم تنقطع الكهرباء خلال أيّامه وما تلاه من أيّام قبل إعلان عودة الكهرباء بشكل رسمي.

 في تعليقاتهم وتذمراتهم التّي كانت تكتب على صفحات التّواصل الاجتماعي، كان السّوريون يكتبون أنّ الدّولة لن تكون على مستوى المسؤولية حتى تعيد المستوى الحياتي للسّوريين إلى ما كانت عليه ما قبل الحرب. من يقرأ التّعليقات يشعر بأن الاستياء يسود سوريا بسبب تدني مستوى الخدمات العامة، ولكن على المقلب الآخر عندما يرن جرس الهاتف في مصلحة الكهرباء، فإن هناك دائماً من يجيب ويعلن أن العطل سوف يصلح.

تقدر القيادة في سوريا خطر العمل في بلد منقوص البنى التحتية بالنسبة للمستثمرين المساهمين في إعادة بناء اقتصاد البلاد، فالماء والكهرباء هما عصبا الصّناعة والزّراعة والسّياحة والتّعليم والتّطور التّكنولوجي والتّجارة والقطاع الصّحي. وسوريا بلد لم يتوقف فيها التّطور حتى خلال الحرب، ولم تعدم الوسيلة لتأمين المتطلبات لجميع المواطنين في المناطق التّي كانت ما تزال تحت سيطرة الدّولة، أو تلك التي عادت إليها.

تحملت الدّولة السورية مسؤولية دفع رواتب موظفيها، وحتى المعارضين منهم، الذّين طالهم كما غيرهم تعديل الرّواتب بما يتناسب وانخفاض سعر اللّيرة السّورية. وسوريا دولة تعتمد على مؤسساتها ومهندسيها وعمالها في بناء ما تهدم، والاستثمار الخارجي يحدد بحسب مصلحة البلد، وليس بحسب مصلحة المتنفذين، ولا يضع خطط الدّولة وأولوياتها رجال الأعمال.

باختصار، أحد أهم مقومات الصّمود هو اعتماد سوريا وإيران على إنتاجهما الذّاتي وتطويره، ولكن في لبنان فقد تم القضاء على جميع مقومات الإنتاج الذّاتي، وبتنا نعتمد على الاستيراد والضّرائب وخصخصة الدّولة لرفد حاجاتها وخزينتها. أحد المحللين كان يقارن قائمة صادرات لبنان بقائمة وارداته من الصّين، ويضع تصورًا أن على لبنان أن يصدر للصّين ما يتناسب ووارداته منها، الأمر جيد ولكنّه مضحك، فلبنان بلد أعلن منذ تأسيسه أن اقتصاده سيقوم على تقديم الخدمات والسّياحة، ولكن ما هي ميزة الخدمات التي يستطيع لبنان منافسة من حوله من دول المنطقة بها، وأية سياحة يتحدث عنها، والإقامة في لبنان تفتقر إلى المقومات الأساسية للحياة الطّبيعية والقيادة الطّبيعية؟

 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل