آراء وتحليلات
جيش الدمى الإسرائيلي .. ماذا بعد جولة "أفيفيم"؟
محمد أ. الحسيني
ثمانية أيام على وعد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله بتسديد الحساب، وقف خلالها جنود الاحتلال على "إجر ونص" فيما حبس المستوطنون الصهاينة في المستعمرات المنتشرة على الحدود أنفاسهم بانتظار اللحظة الحاسمة. ثمانية أيام عاش فيها أركان القرار الإسرائيلي في مختلف مستوياته السياسية والعسكرية والأمنية أرقاً مستمراً، فيما تحوّلت المستوطنات المحاذية للحدود اللبنانية إلى مدن أشباح خلت من أي حركة عسكرية أو مدنية، في ظلّ تدابير صارمة توقفت فيها الدوريات المؤللة والراجلة لجيش العدو، وحظر تجوّل للمستوطنين الذين هجروا الكيبوتسات الزراعية في موسم القطاف السنوي.
وأخيراً جاءت الضربة الموعودة في مكان وزمان وأسلوب لم تكن دوائر المؤسستين العسكرية والاستخبارية للعدو لتتوقّعه، وعلى الرغم من المراقبة المستمرة والمكثّفة لأسراب طائرات التجسس، وتشديد التدابير الاحترازية التي اتخذها جيش الاحتلال، ورفع مستوى التأهب والاستنفار في سلاحي الجو والبحر، انطلقت صواريخ الكورنيت من حيث لا يحتسبون وفي وضح النهار، لتصطاد ناقلة عسكرية على طريق مستعمرة "أفيفيم" على بعد كيلومترين من الحدود اللبنانية، وهكذا سدّدت المقاومة الإسلامية الدفعة الأولى من الحساب، لتليها بعد أيام الدفعة الثانية في إسقاط و"اعتقال" مسيّرة إسرائيلية كانت في مهمة استخبارية قرب بلدة رامية الحدودية.
شرطة الدمى
أثار رد المقاومة الكثير من الكلام الإعلامي في الجانب الإسرائيلي وأبرزه المسرحية الهزيلة التي سوّق لها رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بادّعاء عدم وقوع إصابات في صفوف جنوده، محاولاً التعمية على الفضيحة التي أصابت سمعة "الجيش الذي لا يقهر" والذي تحوّل إلى جيش دمى يحترف صناعة الأفلام الهوليوودية ويحرّف الوقائع ويهرّب جنوده من ساحة المواجهة خوفاً من وقوعهم قتلى وجرحى، ما انعكس سخرية وانعدام ثقة في الأوساط السياسية والإعلامية الصهيونية والعالمية، فقد اعتبرت صحيفة "التايمز" البريطانية أن "الكشف عن تزييف المعلومات، أثار نقاشاً في إسرائيل ما إذا كانت هذه الخطّة ستضرّ بمصداقيّة الجيش الإسرائيلي لدى الرأي العام". كما أثار هذا الأمر حنق المستوطنين، الذين عاشوا حالة هلع عارم على مدى أيام قضوا معظمها في الملاجئ. ولعلّ أبرز تجسيد لهذه الخيبة قيام مجموعة من المستوطنين في القدس المحتلة بوضع دمية تمثل جندياً إسرائيلياً فوق كنيس يهودي في مشهد يحاكي الدمى التي وضعها الاحتلال داخل آلياته، ورشق المستوطنون الشرطة بالحجارة صارخين بوجه عناصرها بالقول: "شرطة الدمى".
الخطوط الحمراء ومعادلة الردع
دلالات كثيرة سياسية وميدانية أفرزها رد المقاومة الإسلامية في عملية "أفيفيم" وإسقاط الطائرة المسيّرة، وأهمها ما قاله الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في ختام مسيرة العاشر من محرم لهذا العام، وهي أن المقاومة استطاعت إسقاط محاولة العدو تغيير قواعد الاشتباك السارية منذ العام 2006، من خلال إرسال مسيّراته إلى الضاحية الجنوبية بموازاة استمراره بالخروقات التي يرتكبها منذ 13 عاماً حتى اليوم، وأعادت المقاومة رسم الخطوط الحمراء من جديد لردع العدو عن توسيع مروحة اعتداءاته جغرافياً وعلى مستوى الأهداف، وكرّست معادلة الردع العسكرية التي تحمي لبنان، وتؤسس لمعادلة سياسية تكفل ضمان الحق اللبناني بثرواته الطبيعية في النفط والغاز والمياه وغيرها، من النهب والمصادرة من قبل العدو.
جيش لا يحمي
ومن أهم الدلالات الأخرى أن المقاومة وضعت سمعة جيش الاحتلال في الوحل، بعدما تحوّل إلى جيش خائف مهزوم يستخدم الدمى وينفّذ سيناريوهات هوليوودية مبرّراً ذلك بأنها خدعة لإيهام حزب الله بأن الضربة حققت أهدافها من جهة، ومن جهة ثانية توهين النتائج حتى لا تتدحرج الأوضاع إلى حالة حرب. وهذا الأمر ـ وبحسب ما رأى معلّقون إسرائيليون أيضاً ـ يعبّر عن حال من القلق والخوف، ويضع "إسرائيل" وجيشها في خانة رد الفعل بعدما كانت طوال سنوات الصراع العربي ـ الإسرائيلي في خانة المبادرة والفعل، كما يزرع في نفوس المستوطنين والمستويين العسكري والسياسي على حد سواء مشاعر الإحباط، والتشكيك بقدرة هذا الجيش على حفظ الأمن وحماية الكيان الإسرائيلي.
حزام أمني داخل فلسطين
وما عزّز هذا الواقع الأوامر التي أعطيت لجيش العدو بالانسحاب إلى عمق يتراوح بين 5 و7 كيلومترات داخل فلسطين المحتلة، ليشكّل ما يشبه حزاماً أمنياً يكفل البقاء بعيداً عن مدى الصواريخ الموجّهة التي تطلقها المقاومة، وبهذا يكون العدو قد أنشأ خط حماية داخلياً بمثابة خط دفاع استراتيجي، في انقلاب خطير لمنظومة التخطيط العسكري لدى جيش الاحتلال، فبعد أن كان الحزام الأمني الإسرائيلي في عمق الأراضي اللبنانية أصبح اليوم في عمق الأراضي المحتلة، لتتحوّل الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية إلى خط دفاع وليس خط هجوم وانطلاق، لا يتمتّع بالحماية الكافية وقابل للانهيار عند أول ضربة، كمن يضع دشم الحماية على باب سياجه، فلا يستلزم الأمر سوى ركلة قدم لتتهدّم السواتر الترابية وينتقل الخطر إلى داخل السياج. وبذلك ثبّتت المقاومة الحدود اللبنانية ـ وهي حدود تمتد إلى 100 كلم ولا يمكن ضبط اختراقها في أي لحظة- كممر طبيعي لأي عملية عسكرية، سواء عبر الصواريخ أو عبر التقدّم الميداني.
لبنان ومعادلة القوة
لم تنته الجولة بعد ـ كما يؤكد العديد من المسؤولين الإسرائيليين ـ فالخوف الآن من أن حزب الله يمهّد للضرب بعيداً عن الحدود، و"من يعتقد أن نصر الله قد ارتدع سيخيب أمله، وهذا خطأ يمكن أن يكون ثمنه باهظاً"، أما في الطرف المقابل فإن كل ما جرى يعزّز موقع لبنان في فرض احترامه على العالم، على حد تأكيد السيد نصر الله، ويكرّس مواقع قوته بالمعادلة الذهبية (الجيش والشعب والمقاومة)، وبالتالي فعلى اللبنانيين أن يتصرّفوا من موقع القوي ويؤمنوا بقدرتهم على حماية ثرواتهم الوطنية في النفط والغاز وبسط سيادتهم على الأرض والسماء والحدود.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024