آراء وتحليلات
الاقتصاد العالمي إلى تراجع
جورج حداد
بدأت الحرب التجارية التي شنتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد الصين تعطي نتائجها السلبية على الاقتصاد العالمي برمته. يقول خبراء إن العلاقات السلبية بين الولايات المتحدة والصين سوف تؤثر على جميع البلدان. وتتوقع منظمة التجارة العالمية أن التبادل التجاري العالمي سينخفض بنسبة 2%. أما منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (الاوروبية) فتتوقع أن ينخفض التوظيف في "البيزنس" حوالي 3% تحت المعدل الوسطي. ولم يكن يوجد أي حظ للتوصل الى عقد صفقة بين الولايات المتحدة والصين في قمة العشرين الكبار في الارجنتين.
والاقتراحات بتنازلات متبادلة قدمتها الصين كان يمكن أن تكون بداية جيدة للتسوية الا أنها لم تحظ بقبول ادارة ترامب. وقد ظهرت الشركات الاوروبية الكبرى بنتائج مخيبة للآمال في الفصل الثالث من السنة الجارية. والسبب هو ارتفاع أسعار الخامات وزيادة الضرائب الجمركية.
وتشير المعطيات الى أن المواجهة لن تنتهي قريباً، وستكون لها نتائج صعبة على الاقتصاد العالمي بمجمله. يقول لورنس بون، الخبير الاقتصادي الرئيسي في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ستتسبب بتأخير الاقتصاد العالمي حتى سنة 2021، ذلك أن الضغط المتوقع على الأسعار يمكن أن يجبر "الاحتياط الفيدرالي" الأميركي على تشديد سياسته المالية، كما تحذر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الاوروبية.
وفي أحدث توقع لها، تلاحظ المنظمة الأروربية أن القيود المتبادلة بين أميركا والصين يمكن أن تؤدي الى كارثة حقيقية للاقتصاد العالمي، كما كتبت Financial Times.
و"لم يعد يجري الحديث عن نمو اكثر ضعفاً، بل عن تراجع"، كما يقول لورنس بون، الخبير الاقتصادي الرئيسي في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وبحسب رأي هذا الخبير، فإن التحديات الآن هي أكبر من المعتاد بسبب تفاقم التوتر في القطاع التجاري العالمي ولأن الرساميل تنسحب من البلدان النامية نحو البلدان التي تقوم بتطبيع سياستها العملوية.
وتتوقع المنظمة أن يتراجع الاقتصاد العالمي من نسبة 3.7% هذه السنة الى نسبة 3.5% في سنة 2019 و2020.
وتؤكد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن ازدياد التوتر بسبب الحرب التجارية يمثل أحد المخاطر الرئيسية على تطور الاقتصاد العالمي. والتعرفات التي تفرضها الآن كل من أميركا والصين سوف تؤثر على الانتاج في جميع بلدان المنظمة.
واذا نفذت أميركا خطتها لفرض ضريبة 25% على بضائع صينية بقيمة 200 مليار دولار بدءا من شهر كانون الثاني/ يناير القادم، وردت الصين على الضربة بمثلها، فهذا سيزيد أسعار المواد الاستهلاكية في أميركا بمقدار 0،6%. والنتيجة هي زيادة عدم الأمان بالنسبة لمشاريع توظيفات "البيزنس" في جميع أرجاء العالم.
وفي مثل هذا التطور للأوضاع فإن الانتاج القائم العالمي سوف ينخفض 0.8% عما كان متوقعاً لسنة 2021، أما بالنسبة لأميركا فسيكون 1% اقل، كما ستكون النتائج أصعب بالنسبة للصين كذلك. والتجارة العالمية ستنخفض 2%، وتوظيفات "البيزنس" في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ستكون حوالى 3% أدنى من المستوى المتوسط.
وقد خفضت المنظمة توقعاتها للنمو الاقتصادي للبرازيل، روسيا، تركيا وجنوب افريقيا. وأشارت الى أن ارتفاع نسبة الفائدة سوف يؤدي ايضا الى زعزعة الاسواق المالية وان يدفع المستثمرين الى اعادة النظر في المخاطر والتقلبات التي يمكن ان يتحملونها.
وبالنسبة للمستهلكين الاميركيين فإن زيادة الضرائب الجمركية سوف تؤدي الى ارتفاع الاسعار، كما تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. واذا اثرت التعرفات على قسم اكبر من السلع فإن السياسيين سيتجهون نحو اتخاذ اجراءات.
وتأخذ المنظمة في الاعتبار خطر تباطؤ الاقتصاد في الصين وتذبذب أسعار النفط، وعدم الامان بعد Brexit وعدم استقرار عدد من البنوك في منطقة اليورو. وهي تدعو الحكومات الى أن تخطيط برامج يمكنها أن تطورها بسرعة، اذا ظهرت ضرورة لتنسيق حوافز مالية مشتركة. و"بوجود مستويات مرتفعة لدين الدولة من الصعب استخدام السياسة المالية بنفس الطريقة كما من قبل، والاستنتاج المنطقي هو ان البلدان المعنية ينبغي ان تبحث سوية مشاكلها"، كما يقول لورنس بون.
ولم تبدل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية توقعاتها بالنسبة لاميركا في السنتين القادمتين، وهي تتوقع ان يتباطأ الاقتصاد الاميركي حتى 2% سنة 2020. بالنسبة للصين، توقعت المنظمة انكماش نموها من 6.6% الى 6%، وهو ادنى مستوى لها منذ 30 سنة.
والصفحة الاكثر قتامة هي المتعلقة بمنطقة اليورو، حيث يتوقع أن ينكمش النمو من 2% كما كان متوقعا الى 1.6% سنة 2020 بالرغم من السياسة العملوية المخففة. وفي بريطانيا يتوقع ان لا يتعدى النمو 1.4% سنة 2019. واسعار السلع والخدمات ستواصل ارتفاعها و"تأكل" ريعية التوظيفات الرئيسية. والاقتصاد الالماني سيسبب الصداع للبنك المركزي الاوروبي الذي سيعمل للمحافظة على مستوى نسبة الفائدة.
بحسب البنك المركزي الاوروبي، فإن تأخر الاقتصاد في منطقة اليورو هو نتيجة لعدم الاستقرار العالمي ولفقدان الثبات الايجابي.
هذا وأخذ الوضع الاقتصادي المتدهور ينعكس على مستوى المعيشة وخرجت في فرنسا مظاهرات عنيفة ضد الغلاء وتدهور مستوى المعيشة واتساع البطالة. وبرزت في الاحتجاجات ظاهرة "السترات الصفراء" وهم مجموعات غير منظمة من المحتجين المستقلين الذين لا يتبعون لأي حزب أو نقابة، مما يجعل قمعهم وضبطهم ولجمهم أكثر صعوبة أمام قوى الامن والسياسيين والاحزاب والنقابات المدجنة. وانتقلت الاحتجاجات و"السترات الصفراء" الى بلجيكا ويتوقع أن تتوسع أكثر.
ويرى بعض المراقبين أن الطامة الكبرى ستكون اذا ارتدّت كرة النار الى أميركا ذاتها التي دشنت الحرب التجارية العالمية. ففي أزمة سنة 2008 ـ 2009 لجأت اميركا الى الحل المالي برفع سقف الدين العام وطباعة كمية كبرى من الدولارات الورقية بدون تغطية ذهبية. أما الآن، فهي لا تستطيع ذلك لأنه سيؤدي الى التضخم ورفع الأسعار وتخفيض الأجور الفعلية وانتشار البطالة وتدني مستوى المعيشة، وبالتالي إلى انفجار الاحتجاجات الشعبية و"السترات الصفراء" وحرب الشوارع في مختلف المدن الاميركية. وادارة ترامب تؤجل انفجار الازمة في اميركا بالضغط على السعودية وزعانفها النفطية وبيعها الأسلحة و"استحلابها" ماليا. فكم سيمتد حبل الانقاذ السعودي لاميركا ترامب؟ ألن ينقطع هذا الحبل بالمنشار الذي قطع جسد جمال الخاشقجي؟
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
07/11/2024
كم ستنبت الأرض منك!
07/11/2024