معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

خلفيات التصعيد الاسرائيلي ورسائل سيد المقاومة
27/08/2019

خلفيات التصعيد الاسرائيلي ورسائل سيد المقاومة

إيهاب شوقي
في وقت تغيرت فيه التوازنات الدولية والإقليمية وفقا لجميع الحسابات العسكرية والاستراتيجية الدقيقة، وليس وفقا للتمني او الدعايات او الحروب النفسية، نجد ممارسات صهيونية لا تتسق مع هذه التغيرات، فهل من تفسير؟

نعم، تغيرت التوازنات تدريجيا من كونها تسمح بيد مطلقة للعدو ليصول ويجول دون رادع، الى توازنات التحركات الحذرة والمقيدة، وصولا الى توازن الردع والرعب، وذلك بفضل عدة عوامل ينبغي ان يتم ابراز اهمها كما يلي:

أولا: مصداقية المقاومة وعدم لجوئها الى الكذب والتهويل وحرصها على الدقة التامة والوفاء بالعهود، وهي نقطة القوة الأولى والكبرى في المقاومة، حيث هي المنهج القائد للصمود والصبر والمثابرة وتطوير القدرات، وهي الرابط المعنوي والعقيدي بينها وبين جمهورها الوفي الذي يثق بمقاومته ويستمد منها الأمل والصبر، كما أن هذه المصداقية تشكل سلاحا فعالا في المعركة الوجودية، حيث يعلم العدو وشعبه من خلالها جدية المقاومة وبالتالي اخذ جميع تصريحاتها ووعدها وتوعدها بمحمل الجد دون مغامرات او مقامرات.

ثانيا: هامش الاستقلال الذي تتمتع به المقاومة، فهي وإن كانت تنتمي لمحور وترتبط به وجدانيا وتنسق معه عسكريا، الا ان هناك قرارا مستقلا لها على المستويين الوطني والميداني.

ثالثا: التطوير الذاتي وروح الشجاعة والتضحية والفداء وعدم الرضوخ لأي ضغوط او فزاعات او اغراءات يمكن ان تقود الى انحراف عن الثوابت أو تمس بالكرامة أو تشكل اي ظل من ظلال المذلة.

هذه العوامل وغيرها شكلت من المقاومة قوة اقليمية تقف مانعا صلبا امام افتراس الاوطان وتقسيمها، كما وقفت حامية للشعوب تحول دون وقوعها في اليأس والاستسلام الكامل امام تمدد العدو وانكماش الاوطان بفعل تواطؤ الانظمة وانبطاحها.

وبالعودة الى العدو الاسرائيلي، فإن هذه التوازنات الجديدة والتي تجلت مظاهرها في الآونة الأخيرة على جبهات المقاومة، والتي تمثلت في افشال المشروع الصهيو ـ امريكي في سوريا والعراق بتشكيل كيان وظيفي على غرار (اسرائيل) لقطع تواصل محور المقاومة، ممثلا في "داعش"، وتمثلت في ولادة نجم جديد للمقاومة في اليمن، يحول دون سيطرة المشروع الصهيو ـ امريكي على المضائق وتطويق المنطقة بحريا، فإن العدو يبدو أنه فقد صوابه، وبدلا من احترام هذه التوازنات، فإنه يلجأ للتصعيد، في حين يتناقض هذا التصعيد مع جميع حسابات أمنه القومي بما فيها المعلنة من مراكز دراساته الاستراتيجية.

وقبل ابراز رسائل السيد حسن نصر الله كما نفهمها، يجدر بنا محاولة تفسير إقدام العدو على هذا التصعيد ومدى جدية العدو فيه، وهل هو بهدف الحرب ام له اهداف اخرى:

أولا: بطبيعة الظرف الزماني للتصعيد، فإننا امام انتخابات اسرائيلية، يعاني فيها نتنياهو اشد المعاناة، فهو يحاول لملمة معسكره اليميني بعد تجربة سيئة فشل فيها في تشكيل حكومة، مما جعله يحل الكنيست بدلا من السماح لمنافسيه بتشكيل الحكومة، وهو اجراء يعكس كم الذاتية التي يتمتع بها نتنياهو والتي قد تجبره على اي عمل متهور وغير وطني (بالمنظور الصهيوني) لحماية مصالحه الشخصية، وهو وإن كان يعاني من تشكل تحالفات انتخابية يسارية ويمينية منافسة ضده، فإن الخطر الأكبر عليه هو بوادر التشقق في معسكره اليميني الذي يتعامل معه باعتباره مضمونا، والذي افادت التقارير ببروز خلافات اخيرة فيه، وهو ما يجعل وضعه الانتخابي حرجا وفشله وسجنه لعشرة اعوام على الاقل مسألة وقت فقط.

هذا الظرف الزماني الذاتي، اذا ما اضيف اليه الظرف الموضوعي الخاص بتوازنات جديدة تجعل الكيان فاقدا لهيبته الاقليمية ومحاصرا ببؤر للمقاومة، يبدو انه دافع للتصعيد بغرض الوصول لحافة هاوية يتم على اثرها التفاوض او محاولة تفجير الاوضاع الداخلية في دول المقاومة أو نشوب حرب قبل ان تتطور التوازنات لاوضاع اسوأ لكيان العدو.

ثانيا: يعمل نتنياهو اجيرا لدى ترامب، فهو يرهن مستقبله السياسي بالدعم غير المسبوق من رئيس امريكي فج لا يراعي اية اعتبارات دولية او قانونية، ويستغل الانبطاح العربي اسوأ استغلال بما لا يراعي حفظ ماء وجوه اتباعه العرب، وهو في ذلك يقدم على تصرفات وصفها الصهاينة ذاتهم بأنها مضرة بسمعة "اسرائيل" وبصورتها التي تحاول تسويقها باعتبارها احد الديمقراطيات الغربية المتواجدة في منطقة مليئة بالتخلف والديكتاتورية.

والاستجابة لتغريدة ترامب ومنع دخول نائبتي الكونجرس لفلسطين المحتلة، كان مثالا صارخا على ذلك.

وهنا وفي اطار سعي امريكا لإجبار ايران على التفاوض بأي ثمن، فإن نتنياهو كغيره من اتباع امريكا، يحاول انفاذ هذه الرغبة الامريكية على الجبهات المختلفة. فالتابع الخليجي يتمادى في معركة فاشلة في اليمن تصورا منه ان ذلك سيجر ايران للتفاوض، دون تصديق أن المقاومة اليمنية تطور ذاتها ولها قرارها الوطني المستقل، والتابع الصهيوني يساعد امريكا في العراق وسوريا ولبنان، تصورا منه ان ذلك سيجبر ايران على التفاوض وان ايران ستجبر المقاومة على التنازل.

وبخصوص رسائل السيد حسن نصر الله، كما نفهمها، فإنها جاءت لتصحيح الفهم الصهيو ـ امريكي، من جهة، وردعه من جهة اخرى، وقد جاءت في سياق التجديد المستمر والدؤوب لعهد المقاومة، ويمكن ان نلخص فهمنا لها كما يلي:

عدم السماح بالعودة لأدبيات مراحل سابقة تنتهك بها السيادة ويتم الالتزام بالصمت مراعاة لأوضاع داخلية وترك الفرصة لجهات اخرى يناط بها الرد، ورسالة السيد واضحة أن هذه المرحلة انتهت وان المقاومة مخولة بالرد لأن انتهاك السيادة يستهدف المقاومة، ولأن طبيعة الردود الأخرى اثبتت فشلها في ردع العدو عن ممارساته.

وهنا يجب توضيح ان هذا الاعلان لا يعد اعلانا من حزب الله أنه قرر تجاوز الدولة اللبنانية او انه خرج عن تعهداته باحترام الدولة والتعددية، وانما هو اعلان لتنويع الرد واعتماد خيار يراه ناجحا من المنظور الوطني.

تغيير قواعد الاشتباك بناء على الانتهاكات الصهيونية، وتكريس قاعدة اشتباك جديدة بدلا من الرد في حالة الاستهداف مفادها الرد بمجرد الانتهاك، وهنا يمكن مقارنة ذلك بالمقاربة الايرانية التي ساقها السيد الخامنئي عندما قال "لا حرب ولا مفاوضات"، حيث يقول السيد حسن هنا ما مفاده " لا حرب ولا مفاوضات ولا استطلاع صهيوني".

أكد السيد على حقيقة راسخة أكدها تاريخ المقاومة، ولكن بدا ان الصهاينة بحاجة لتأكيدها، وهي مصداقية المقاومة وجديتها وانها لا تمزح ولا تطلق شعارات جوفاء، حيث تعهد بالرد على العدوان الصهيوني والانتقام لدماء شهداء المقاومة، وهو ما تعلم "اسرائيل" انه مسألة وقت وهي تنتظر هذا الرد بين لحظة واخرى.

يعكس خطاب السيد ـ كما هي جميع خطاباته ـ لغة مستقلة لها قرارات ذاتية ووطنية، وهي بقدر ما تحترم انتماءها لمحورها ووحدة مصيرها معه، فهي تحترم قرارها وتقديرها الوطني والميداني.

يتصور المحور الصهيوـ امريكي وتوابعه الذين توزع عليهم الادوار، تارة بالعدوان على جبهات المقاومة، وتارة بالتخويف والتهويل بقوة العدو والتهوين من قوة المقاومة، ان ذلك سيجبر المقاومة على التفاوض والذي ظاهره مفاوضات وباطنه تنازلات، ولكن سيعلم هؤلاء مدى خطإهم في التشخيص والتقدير، ومدى خطيئتهم الاستراتيجية باختبار مصداقية المقاومة وثباتها.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات