اليمن
التلوث البيئي.. كارثةٌ تهدد حاضر اليمن ومستقبله
سراء جمال الشهاري
في اليمن قائمة حقوق الانسان المتفق عليها دوليًا أُلغيت، وكتبَ التواطؤ الأممي قائمة حقوقٍ خاصة باليمنيين، تحتوي على مساعداتٍ إغاثية فاسدة ومتعفنة، وحبوب لمنع الحمل فقط! هذا العدوان لم تحرق قنابله الماضي والحاضر وحسب، بل أحرقت مستقبل شعبٍ بكارثةٍ تتجلى مصائبها يومًا بعد يوم.. كارثة التلوث.
يتحدث رئيس مركز الدراسات والبحوث في صندوق مكافحة السرطان التابع لحكومة الانقاذ الوطني الدكتور جمال محمد الشهاري مع موقع "العهد" الإخباري عن هذه الكارثة البيئية فيقول: "ربما كان أخطر ما قام به العدوان ضمن أجندته الإجرامية التي لا تنتهي، هو ضرب مقومات البيئة الصحية النظيفة، والنشر المباشر للسموم والأوبئة والعوامل الممرضة بشتى أنواعها، وقد يكون منها ما هو جديد وغير معروف. وقد اعترف المعتدون الأمريكيون بقيامهم باستخدام أسلحة غير تقليدية ــ البيولوجية وغيرها ــ في أفغانستان، والعراق وبلاد أخرى. استهداف البيئة وتلويثها، ونشر السموم والعوامل المدمرة للبيئة والحياة هو ولا شك أخطر وسائل الحروب تدميرًا، وأعظمها أثرًا، وأطولها مدة وأمدًا، فقد تستمر آثارها الكارثية لقرن من الزمان أو أكثر".
عدوان التحالف ينشر الأمراض الخبيثة في اليمن
في إحدى الدراسات عن آثار الحرب الأمريكية على العراق، وُجد أن عدد تشوهات الأجنة بعد الحرب تضاعف إلى ١٤ ضعفًا، فيا ترى كم سيكون في اليمن؟
يؤكد الشهاري لموقع "العهد" الإخباري انتشار وتزايد الأمراض المرعبة بشكل كبير خلال سنوات الحرب: "ليست أعداد مرضى السرطان هي التي تضاعفت وحسب، بل أمراض أخرى أيضًا لا تقل فتكًا عن السرطان، كالفشل الكلوي، والآثار الكارثية على الصحة الإنجابية، وبروز ظاهرة المواليد ذوي التشوه الخلقي بشكل لم يكن أبدًا معروفًا في السابق، وغير ذلك من الكوارث الصحية الكبيرة. أما بالنسبة للسرطان فلا توجد نسبٌ محددة؛ لأن كثيرًا من المصابين لم يتمكنوا من الحضور إلى صنعاء للعلاج، في المركز الرئيس لعلاج السرطان في البلاد، فالوصول إليه من المناطق النائية مكلف جدًا، والغالبية الساحقة من مرضى السرطان هم من الطبقة الأشد فقرًا، الذي لا يقدرون على تحمل كلفة المواصلات للوصول إلى ذلك المركز، فضلاً عن تكاليف الإقامة والعلاج، وبرغم ذلك فإن العدد كبير جدًا، وصل إلى أكثر من 60 ألف مريض بحسب ما أعلنته وزارة الصحة في عام 2020".
وبحسب الشهاري، فقد "برزت شواهد جليّة لدور العدوان في نشر السرطان، منها مثلاً وجود أسر مصابة بسرطان من نفس النوع في منطقة تعرضت للقصف بالغارات الجوية. كذلك إصابة أعدادٍ من المجاهدين من أبناء الجيش واللجان الشعبية بسرطان العظم، إثر تعرضهم للقصف بقنابل تحوي مواد غريبة ــ ذلك بعض ما ظهرــ والطفرة الحاصلة في ارتفاع أعداد مرضى السرطان تبقى الأعم والأكثر بروزًا وظهورًا".
التلوث البيئي أمّ الكوارث
يوضح الدكتور الشهاري لـ"العهد" أن "التلوث البيئي لم يعد مشكلة بل أصبح أم الكوارث. وإن لم يتم تفاديها والعمل على الحد منها بالتحرك الجاد والسريع ومن الآن، فإنها ستفرّخ الكوارث تلو الأخرى، والأخطر من ذلك أن التلوث ذاتي التفاقم والانتشار".
ظواهر التلوث تنذر بخطر كبير على مستقبل البيئة والإنسان اليمني، ولعل أبرز تلك الظواهر:
ـــ انتشار المبيدات الحشرية الضارة والمحرمة والتي يحرص العدوان على نشرها بكل وسيلة في زراعة القات والمنتجات الغذائية الزراعية كالخضراوات والفاكهة، فكثيرٌ منها يتم تهريبه إلى البلاد من مملكة الشر والعدوان السعودية، بينما هذه المملكة تحرم وتمنع بل وتعاقب من يقوم ببيع واستخدام تلك المبيدات داخل أراضيها.
وخطورة تلك المبيدات تكمن في انتشارها، واستخدامها بشكل عشوائي، وبإسراف خصوصًا في زراعة القات، ثم بالدرجة الأساس عدم توفر البدائل الآمنة.
ــ استهداف البيئة الزراعية من قبل دول العدوان بتصدير بذور منتجات زراعية تشتمل على بذور ضارة تتلف التربة الزراعية الخصبة، وتتسبب في ظهور أنواع من الأعشاب الضارة التي تتوغل في التربة لعدة أمتار، وتنتشر انتشارًا أفقيًا دون حد، مما حدا ببعض المزارعين الى حفر أنفاقٍ بعمق 8 أمتار بين أرضهم والأرض المصابة، حتى لا تنتشر تلك الأعشاب الضارة الماحقة للتربة.
- كما أن بيئتنا تعاني من التلوث البلاستيكي بمخلفات المنتجات المصنوعة من البلاستيك، وخصوصًا كارثة الأكياس البلاستيكية التي تستخدم للتسوق ولمرة واحدة، هذه الأكياس بدأت تجتاح البيئة اجتياحًا مهولاً، وأضحت تغطي مساحات واسعة من التربة والمياه، ويتطاير العديد منها في الهواء، وبالإضافة إلى تدميرها المباشر للبيئة، فإنها إن تعرضت لأشعة الشمس أو الحرارة تنبعث منها مواد سامة وضارة تسبب السرطان.
ويضيف رئيس مركز الدراسات والبحوث في حواره مع موقع "العهد" الإخباري: "مما يهدد بيئتنا كذلك التلوث الناجم عن الاستهداف المباشر للنفايات الكيميائية والمشعة، وكذلك عبر مخلفات العدوان، وهذا لا يُعرف حجمه بعد، ويحتاج لجهود كبيرة للكشف عنه ومعرفة حجمه وأضراره، والعدوان يمنع عبر حصاره دخول الأجهزة والمعدات اللازمة لذلك، حرصًا منه على إدامة وتفاقم الخطر".
تحالف العدوان يحرص على تدمير البيئة في اليمن
يشير الدكتور الشهاري الى أن "العدوان بقيادة الشيطان الأكبر ــ أمريكا ــ وبتخطيط وتوجيه وإشراف منه، قد عمد بشكل مدروس، إلى إحداث ذلك التدمير للبيئة والإنسان. واعتمد في خطته أثناء عدوانه على بلدنا تحقيق أهداف عدة، منها ضرب مقومات البيئة النظيفة في البلاد، وتدمير منشآتها وبناها التحتية، فضرب شبكات المياه النظيفة ومنشآتها، ومجاري الصرف الصحي، بل وحتى مقالب النفايات وأماكن تدويرها، وغير ذلك من الاستهداف والتدمير المباشر، وضرب البنى العمرانية اللازمة لمتطلبات الحفاظ على البيئة، والبلد بشكل عام، كالطرق والجسور، ومحطات الوقود، وصهاريج نقله، إضافة إلى حصاره ومنعه دخول المشتقات النفطية إلى البلاد، والتي هي بمثابة الدماء التي تجري في أوردة الدولة ومفاصلها، ومن دونها تتوقف عجلة التنمية، ويحدث شلل كامل في جميع المؤسسات، وقد حرص العدوان كثيرًا على تحقيق وإدامة هذا الهدف.
وأيضًا ضرب الجهاز الصحي للدولة بكامل مؤسساته، إما بالاستهداف والقصف المباشر، أو عبر الحصار الذي يفرضه على الأدوية والمستلزمات الصحية اللازمة لمواجهة الأوبئة والكوارث البيئية".
ولا يزال العدوان إلى اليوم يمنع دخول المعدات اللازمة للكشف عن الألغام والقنابل العنقودية التي نشرها في كل مكان، والتي لا يخلو يومٌ واحدٌ دون أن تكون لها ضحايا في شرق البلاد وغربها، ولا يمكن للبلاد جلب الأجهزة الكاشفة للإشعاع، والمواد اللازمة لمواجهة الكوارث البيئية والصحية.
كل ذلك يصب في هدف واحد وهو شل الجاهزية والقدرة للجهاز الصحي في الدولة والمؤسسات التابعة له، من مواجهة الكوارث البيئية والصحية الناجمة عن العدوان.
وبحسب الدكتور الشهاري "لقد عمد العدوان إلى نشر الأوبئة، بشكل متزامن مع تحقيقه للأهداف السابقة. واستخدم لذلك وسائل عدة، أهمها الاستهداف بالقنابل المحرمة، التي تحوي مواد مجهولة، ومنها مواد كيميائية لم يتم التعرف عليها، عدا عن القنابل البيولوجية والإشعاعية، وأيضًا بالنشر المباشر للأوبئة بطرق أخرى. وقد انتشرت أوبئة عدة خلال فترة العدوان، منها الكوليرا، وكوفيد، وحمى الضنك، وغيرها من الأوبئة".
أما الاستهداف الكيميائي والإشعاعي فلم يعد خافيًا، فاستخدام العدوان لليورانيوم المنضب أمر معروف، لكن الأدهى وفقًا للشهاري من ذلك التلويث المباشر بالنفايات الكيميائية والإشعاعية، وما تم اكتشافه في مديرية الجراحية بمحافظة الحديدة خير مثالٍ على ذلك، فقد تم اكتشاف عنصر الكادميوم، بنسبٍ كبيرة جدًا في آبار مياه الشرب، وتم اكتشاف عنصر السيزيوم المشع، والذي لا يوجد بشكل منفرد في الطبيعة، بل يكون مرتبطًا بمركبات وعناصر أخرى، وجد بشكله المشع، وبنسب عالية في تربة تلك المديرية. وعندما نضيف إلى ذلك ما تم اكتشافه في بعض شواطئ البحر الأحمر من مواد سوداء ــ غير نفطية ــ على سطح مياه البحر، ومن نفوق أعدادٍ هائلة من الأسماك بشكل مفاجئ في شواطئ عدن، ندرك ولا شك أن ما ظهر للعيان لا يشكل إلا كما يقال رأس الجبل الجليدي، الذي يضرب بجذوره في عمق بيئتنا، ويهدد حياة ومستقبل الأرض والإنسان.
لقد حرصت قوى العدوان على استمرار الحصار بكل وسيلة ممكنة، باعتباره الوسيلة الأمثل لتحقيق كل تلك الأهداف وإدامة فعلها وآثارها، وما يفعله الحصار أعظم تدميرًا، وأعم وأشمل، وأبعدُ أثرًا من الاستهداف العسكري المباشر.