اليمن
السفير اليمني في دمشق لـ"العهد": السعودية اقتنعت أخيرًا بأن قرارنا في أيدينا
محمد عيد
في الجزء الثاني والأخير من اللقاء المطول والشامل الذي أجراه موقع "العهد" الإخباري مع السفير اليمني في دمشق عبد الله علي صبري، تحدث صبري عن إمكانية تفاهم اليمنيين فيما بينهم حين لا تتدخل اليد السعودية، وعن ملابسات شن العدوان قبل سبع سنوات حين كان الاتفاق النهائي بين اليمنيين على وشك التوقيع. كما شمل الحديث أيضًا موقف الإمارات من الحرب وإمكانية تحييدها حين تردع أدواتها في اليمن، وعن الاتفاق النووي بين إيران والغرب وانعكاسه المحتمل على الملف اليمني ودور الحوار السعودي - الإيراني في تحقيق الانفراج.
* ماذا عن شركائكم في الوطن والذين يضعون كل بيضهم في السلة السعودية؟
شركاؤنا في الوطن اذا انفصلوا عن اليد الخارجية فيمكن لنا أن نتحاور ونتفاهم معهم. هناك شركاء سياسيون هذا أمر مؤكد، لكن هناك نخبة مرتزقة وثمة فرق بين الشركاء وبين المرتزقة. من هم اليوم في الرياض هم مجرد مرتزقة بيد السعودية وهم أدوات يأتمرون بأمرها وينتهون بنواهيها، كذلك، شركاء الوطن في الداخل بإمكانهم وبامكاننا أن نتحاور معهم من أجل يمن موحد ومستقر ومن أجل شراكة حقيقية في السلطة وفي الثروة. هذه المسائل كانت مطروحة على طاولة الحوار الوطني ما بعد ثورة ١١ فبراير وأيضًا هي مطروحة في اتفاق السلم والشراكة ما بعد ثورة ٢١ سبتمبر وما زالت مطروحة برغم العدوان والحصار. اليمن لن يحكم إلا بالشراكة والتوافق وهذا التدخل العسكري والعدوان السعودي على اليمن عطّل مثل هذا الاتفاق وكان قد أعلن المبعوث الأسبق جمال بن عمر أن اليمنيين كانوا على وشك التفاهم لولا هذا التدخل العسكري ونحن نقول بمجرد توقف هذا العدوان يستطيع اليمنيون أن يلتقوا ويتحاوروا من جديد، وقد فعلوها في مرات سابقة.
يُعرَف اليمن بأنه يمن الإيمان والحكمة، فالحكمة اليمانية تحضر عندما يغيب المؤثر الخارجي. للأسف ما زال اللاعب الخارجي هو المؤثر الأكبر لكن بمجرد أن يحصل وقف لهذه الحرب وأن يدور حوار يمني - يمني بدون تأثيرات خارجية فإن الحلول ستكون متاحة.
* هناك من يقول إنه حين بدأت التقارير ترد إلى محمد بن سلمان عن عمليات تسليح مزعومة تقوم بها إيران لـ"أنصار الله" في اليمن لم يكن أمامه خيار سوى شن الحرب على اليمن، هل هذا التوصيف دقيق؟
حين قام العدوان كانت اليمن لا تزال محكومة بالمبادرة الخليجية وكان حتى فرقاء الثورة الشعبية في ٢٠١١ متوافقين في إطار التفاهم مع السعودية. السعودية كانت صاحبة النفوذ الكبير في اليمن. الجيش اليمني خضع لإعادة هيكلة وهي في الحقيقة تدمير للجيش باشراف سعودي - أمريكي تحت مسمى إعادة الهيكلة. بالعكس اليمن حين قام هذا العدوان عليه كان في وضع سياسي انقسامي كبير، وضع اقتصادي ضعيف وكان الجيش في أضعف حالاته. وأتصور أنه ما دامت السعودية لم تربح حربًا في مثل هذه الظروف فلن تربح حربًا أخرى أبدًا.
لم يكن مضطرًا محمد بن سلمان ولا سلمان بن عبد العزيز ولا أحد في آل سعود، لم يكونوا مضطرين لشن الحرب على اليمن إطلاقًا، كان بإمكانهم رعاية مبادرة خليجية ثانية مثلاً، لكن ربما الإغراء الأمريكي جعلهم يعتقدون بأنه ما دامت أمريكا قد أعطتهم الضوء الأخضر فإنهم منتصرون في هذه الحرب وأنهم مستندون إلى القوة المطلقة في العالم. نسوا قوة الله فأنساهم أنفسهم.
* هل تم تحييد الإمارات عن هذه الحرب؟
الإمارات تلعب دورًا تخريبيًا أخطر حتى من الدور السعودي. وربما التحييد في بعض العمليات العسكرية هو في إطار القراءة الميدانية والسياسية.
نحن لم نحيّد فقط الإمارات، وإنما حيّدنا العديد من دول التحالف. تحالف العدوان بدأ كبيرًا ربما أكثر من ١١ دولة، ثم بدأ يتفكك شهرًا بعد شهر وسنة بعد أخرى، حتى أصبحت السعودية وحيدة في مواجهة اليمن. وبالنسبة للسودان النظام الرسمي ليس مؤيدًا للعدوان ومقاتلوه في اليمن ليسوا من الجيش الرسمي بل من المرتزقة مثل بقية المقاتلين. المغرب انسحب، الكويت اضطرت في ٢٠١٦ أن تقول إنها ليست شريكة في هذا العدوان، مصر حاولت الزج بجيشها البري ولكن ظلت منكفئة، باكستان كانت أول من خرج من التحالف في أيامه الأولى، لكن السعودية بحثت عن المرتزقة لتملأ الفراغ. هذا التحالف تفكك يومًا بعد آخر وكنا في الأخير نصوب على رأس الأفعى التي هي السعودية بالنسبة لنا. كانت الأفعى في بعض الأحيان تظهر برأسين أو ثلاثة، لكن الرأس الأكبر هو الرأس السعودي. وأيضاً الراعي الأكبر لهذه الحرب هو أمريكا. يمكن أن تقول الإمارات إنها خرجت من هذه الحرب لكنها لم تخرج من تبعات عدوانها على اليمن، هي ومرتزقتها للأسف لا زالوا يعبثون في الداخل اليمني وللأسف فإن أدوات الإمارات يشتغلون لصالح الإسرائيلي وهذا بالنسبة لنا أخطر على اليمن. نحن نعلم أن اليد والرجل الإماراتية اليوم في اليمن أو حتى خارج اليمن تمهد وتسوق لليد الإسرائيلية. وجود قوات محسوبة على الإمارات في باب المندب وجزيرة سقطرى هو لخدمة "اسرائيل" فتبعات التدخل الإماراتي لن تمر دون عقاب.
* الآن أنتم لا تستهدفون العمق الإماراتي وكأن هناك نوعا من الاتفاق الضمني بينكم وبينهم.
الهدنة جاءت مع تحالف العدوان ككل وليس مع السعودية فقط. ما حصل قبل عملية اعصار اليمن كان بسبب التصعيد الكبير في شبوة ومأرب بدعم إماراتي وكان واضحًا أن هذا التصعيد هدفه إخلال التوازن الذي أنجزناه بفضل انتصار جيشنا واللجان الشعبية. في السنتين الأخيرتين أراد الإماراتي أن يعبث بخرائط الداخل فبدل أن نوجه الضربة لأدواته وجهنا الضربة للرأس وأعلنت قوات الانتقالي المدعومة اماراتيًا انسحابها من شبوة ومن أطراف مأرب بعد الضربات الموجعة التي وصلت إلى أبو ظبي. نحن نتعامل في إطار الأهداف في عملياتنا العسكرية والنوعية، نحن لا نملك ما تملكه قوى التحالف من قوات، امكانياتنا محدودة ولكننا نوظفها التوظيف الصحيح وفي الوقت المناسب. تمادى الإماراتي بشكل أكبر فجاءت الضربات وجاءت العمليات في العمق الإماراتي وقمنا بثلاث عمليات إعصار اليمن الأولى والثانية والثالثة ولم نعلن التوقف عن هذه العمليات لكننا دخلنا في عمليات كسر الحصار الأولى والثانية والثالثة لأن العدو عندما ينهزم يرتد علينا بمجازر وحشية بحق المدنيين ونحن نعرف أن التحالف السعودي بعد عملية اعصار اليمن الأولى ارتكب مجزرة في صعدة ذهب ضحيتها أكثر من مئة مدني، أيضًا شدد الحصار وبشكل غير مسبوق ولهذا كان لا بد من فك الحصار بأسرع وقت ممكن فجاءت عمليات كسر الحصار الأولى والثانية والثالثة. عملياتنا العسكرية تأتي في إطار أهداف استراتيجية ترسمها القيادة السياسية لكن لا الإمارات ولا السعودية بمأمن من ضرباتنا ما دامتا مستمرتين في عدوانهما.
* ماذا عن الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب؟ وكيف سينعكس اذا تم على قضايا المنطقة عمومًا وعلى اليمن بشكل خاص؟
بشكل عام نحن ننظر بإيجابية. العودة إلى الاتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأمريكا هو انتصار للجمهورية الإسلامية الإيرانية وانتصار لمحور المقاومة وينعكس إيجابًا على كل دوله بما فيها الجمهورية اليمنية.
التصريح الأخير لوزير الخارجية الإيرانية واضح فيما يتعلق بهذا الاتفاق وبالملف اليمني وخاصة فيما يتعلق بالبوابة السعودية. ربما إلى جانب حوار فيينا هناك أيضًا حوارات سعودية - إيرانية أخذت أربع جولات تقريبًا وكان من المتوقع أن تكون هناك جولة خامسة في بغداد لكنها تأجلت. ما يرشح لدينا أن الملف اليمني حاضر في هذه التفاهمات، أيضًا السعودية وبحسب التصريحات الإيرانية طلبت من إيران التوسط لدى "أنصار الله" لأجل إيقاف ضرباتهم العسكرية وكان رد الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن صاحب الأمر والقرار موجود في صنعاء وعليكم الذهاب إلى صنعاء إن أردتم التفاهم وإيقاف الحرب. يبدو لي أن السعودية قد اقتنعت أخيرًا بأن قرار اليمنيين في أيديهم وإن كانت ايران حليفا أو صديقا إلا أنها لا تتدخل في القرار بالنيابة عن حلفائها على عكس السعودية التي تعودت أن يلبي مرتزقتها أوامرها ويستجيبون لها.
مؤشر اقتناع السعودية بذلك أنها لجأت إلى الأمم المتحدة لترتيب هذه الهدنة وتم بالفعل إعلانها من خلال ترتيبات عبر الأمم المتحدة ووسطاء آخرين.
اذًا المشهد بشكل عام فيما إذا سار نحو الانفراج في علاقة إيران بالغرب أو في علاقة إيران بالسعودية لا شك بأنه سينعكس إيجابًا على علاقة اليمن بالسعودية وعلى الحرب القائمة. نحن نشجع مثل هذه التقاربات لكن بالنسبة لنا نرفض بالمطلق أن يكون اليمن مجرد ملف للمقايضة.
اليمن ليس ملفًا للمقايضة ونحن بتضحيات شعبنا ما يأتي لنا اليوم من نصر هو استحقاق وليس منة من أحد. إذا كان الملف الدولي والإقليمي يشجع فهذا لا يعني بتاتًا أن أحدا يمن علينا بهذه الهدنة وبايقاف الحرب وما وصلنا إليه هو استحقاق لصمودنا وانتصارنا.
* هل يمكن أن تقايض إيران بكم؟
إطلاقًا، لا إيران ولا غيرها، نحن نثق في الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنها ليست من أصحاب هذه التوجهات، وثانيا نثق بأنفسنا بأننا لا نقبل أن يفاوض أحد علينا.
* كيف تنظرون لموقف الشعب والفصائل الفلسطينية من مظلومية الشعب اليمني على ما تحمله هذه المقاربة من تشابه في العدوان؟
الموقف الفلسطيني، ونحن نتكلم الآن عن الموقف الشعبي، هو موقف داعم ومساند لمظلومية شعبنا، ربما الشارع الوحيد الذي تحرك بحرارة أكبر من غيره وخرج متضامنًا مع الشعب اليمني كان الشارع الفلسطيني وتحديدًا في غزة حيث خرجت مظاهرات متضامنة مع الشعب اليمني وهي مظاهرات تعبر عن الموقف الفلسطيني.
بالنسبة للفصائل والقوى الفلسطينية، فصائل المقاومة كانت كلها أيضًا صوتًا واحدًا وقلبًا واحدًا مع الشعب اليمني وفي الأخير نحن يكفينا أن الشعب الفلسطيني الذي تعرض لأكبر مظلومية قبل المظلومية اليمنية متضامن مع اليمن، أما التفاصيل فنتركها للمستقبل.
* لماذا لم تباركوا الحرب الروسية على أوكرانيا على اعتبار أنكم وروسيا تدورون في فلك معاد للولايات المتحدة؟
الرئيس الأوكراني هو أداة واضحة بيد الامريكيين لا بل بيد الإسرائيليين أيضًا، وبالتالي من الصعب أن نصطف مع أمريكا ومع "إسرائيل"، وبالضرورة نحن لسنا من أنصار الحرب. نرى أن هناك مظلومية وهناك مأساة إنسانية في أوكرانيا ولا نستطيع إلا أن نعبر عن أسفنا تجاه ما يحدث لكننا لسنا من أنصار الحرب وفي نفس الوقت نحن نعتبر أن الرئيس الأوكراني هو الذي جلب الحرب على الشعب الأوكراني وهو المسؤول عما يحدث بدرجة كبيرة وأيضًا الامريكيون والغرب مسؤولون أيضًا بدرجة كبيرة عن هذه الحرب وكل ما ينجم عنها من تداعيات سواء إنسانية أو سياسية.
* سعادة السفير أشكرك على هذا اللقاء الشامل والوقت الذي منحتنا إياه في موقع العهد الإخباري
أتوجه بالتحية إلى كل العاملين في موقع "العهد" الإخباري وأنا أتابع هذا الموقع منذ سنوات ولاحظت تغطيته الشاملة والموضوعية لمظلومية الشعب اليمني حيث لم تغب أخبار اليمن عن هذا الموقع المقاوم الذي نكن له وللقائمين عليه كل الحب.
إقرأ المزيد في: اليمن
21/11/2024