اليمن
اليمن 2019م: حصاد معادلة ردع انكسرت امامها السعودية وتوارت منها الإمارات
اسماعيل المحاقري
مع نهاية عام 2019م وبداية عام جديد لا زال اليمن بما يدور فيه من أحداث إنسانية وميدانية يشغل الساحة العربية ويهيمن عليها بتحولات عسكرية وسياسية آلمت وأربكت دولا هي الأغنى في العالم وأقلقت دولا أخرى تساندها وتشاركها بشكل أو بآخر في قتل وتجويع الشعب اليمني وتدمير مقدراته على مدى ما يقارب خمسة أعوام من العدوان الغاشم.
القدرات الدفاعية المتنامية للجيش واللجان الشعبية في مختلف القطاعات العسكرية كانت الحلقة الأقوى لتكريس وتثبيت معادلة توازن الردع التي أجبرت السعودية على الانحناء ودفعت الإمارات نحو التواري والجنوح للتهدئة في جبهة الساحل الغربي "الحديدة" تحت غطاء الأمم المتحدة واتفاق السويد المعلن عنه نهاية ديسمبر2018م.
"اتفاق السويد وانعكاساته على الأرض"
بعد الإعلان عن اتفاق السويد ومباركة مجلس الامن له تراجعت العمليات العسكرية في الساحل الغربي إلى حد كبير، لكن الحالة الهيستيرية التي كان يعيشها تحالف العدوان لعدم قدرته على الحسم العسكري وتحقيق أهدافه باحتلال الحديدة والسيطرة على موانئها ظلت ملازمة له، وهو ما انعكس على سلوكيات ومواقف مرتزقته والفريق الممثل عنه في لجان إعادة الانتشار بمساعيهم المتكررة لإفشال الاتفاق والانقلاب عليه إن من خلال عدم تنفيذ الالتزامات أو تصعيد الخروق وارتكاب المزيد من الجرائم بحق النساء والأطفال.
التهدئة في الساحل الغربي لم تنسحب على بقية المحاور وبالتحديد جبهات الحدود إذ استغلت السعودية الساحة الإماراتية جنوبا للتجييش والاستقطاب وتحريك عدة ألوية لاستكمال خططها العسكرية في حدودها الجنوبية والمتمثلة بإيجاد منطقة عازلة بعمق عشرات الكيلومترات داخل الأراضي اليمنية.
الربع الأول من العام المنصرم شهد تصعيدا ميدانيا كبيرا في محور "جيزان ونجران وعسير" ونتيجة للمعارك المباشرة تكبد مرتزقة الداخل والجنود السودانيون خسائر جسيمة في العديد والعتاد، وتضاعفت خسائرهم بهجمات سلاح الجو المسير وضربات صاروخية دكت معسكراتهم وتجمعاتهم، وفي النتيجة أحدث العدو اختراقات محدودة في بعض المناطق وفشل في تحقيق أي تقدم في الأماكن الأخرى بما فيها تلك المطلة على مدينة الربوعة وفي الشرفية بنجران وتزامنت معارك الحدود مع تجدد المواجهات في جبهات "الجوف، نهم، صرواح، تعز، البيضاء والضالع التي تمكن فيها الجيش واللجان الشعبية من تحقيق مكاسب ميدانية مهمة بعد استعادته لجبل ناصة الاستراتيجي وتأمين عشرات المواقع وصولا إلى الفاخر والحشاء وأجزاء واسعة من مديرية قعطبة..
"عام تطوير القدرات العسكرية والانتصارات الساحقة"
في خطابه بمناسبة مرور أربعة أعوام من الصمود في وجه العدوان عشية السادس والعشرين من شهر مارس لعام 2019م حذر قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي دول العدوان من أي خطوات تصعيدية في الحديدة، لأن الرد سيمتد إلى عمق أراضيها مستندا إلى ما وصفها بتقنيات مهمة يمتلكها اليمن على مستوى التصنيع العسكري ولا تمتلكها السعودية والإمارات. وعلاوة على ذلك أكد السيد القائد أن العام الخامس من الصمود هو عام لتطوير القدرات العسكرية والانتصارات الكبيرة والساحقة.
وتزامنا مع الذكرى الأولى لاستشهاد الرئيس صالح الصماد وترجمة لوعود السيد القائد أزاحت القوة الصاروخية الستار عن صاروخ بدرf الباليستي محلي الصنع الذي دخل خط المواجهة مستهدفا تجمعات مرتزقة سودانيين. وللصاروخ خصائص تمتاز بالفاعلية والدقة العالية ومدى يصل إلى 160كم كما أنه يحاكي منظومة صواريخ توشكا الروسية لناحية الانفجار قبل وصوله الهدف بمسافة 20 مترا في دائرة يصل قطرها إلى ثلاثمئة متر إضافة إلى خاصية التشظي والتي تتجاوز أربعة عشر ألف شظية قادرة على الفتلك بأي تجمعات وتحركات معادية.
سلاح الجو المسير يتصدر مسرح العمليات في العمق السعودي
بعد هجمات محدودة على معسكرات وتجمعات سعودية وأخرى تابعة للمرتزقة في الداخل بما فيها ضربة البريقة بعدن بدأ سلاح الجو المسير يتصدر مسرح العمليات في شهر أبريل كتدشين لمرحلة جديدة من عمليات الرد والردع ضمن بنك أهداف يضم 300 هدف حيوي وعسكري على امتداد جغرافيا السعودية والإمارات وفق متحدث القوات المسلحة.
خمس ضربات باليستية بصواريخ من طرازي كروز المجنح وبدرF محلية الصنع قابلها أكثر من خمس وثلاثين عملية لسلاح الجو المسير في شهري مايو ويونيو وبعدة طائرات في الهجوم الواحد تناوبت قاصف تو كي المتفجرة على استهداف مطارات أبها وجيزان ونجران الذي سرعان ما توقفت خدماته بعد أيام قليلة من استئناف الرحلات فيه إضافة إلى قصف قواعد ومنشآت حيوية أخرى.
"عملية التاسع من رمضان" فاتحة لعمليات أكثر إيلاما
تسارع الأحداث والمتغيرات اربك السعودية وأفقدها عنصر القوة والتفوق الجوي وأجبرها على الانحناء واستجداء الدعم الأمريكي للحد من تصاعد ضربات مؤلمة وموجعة تصاعدت وتيرتها وزخمها بعد عملية التاسع من رمضان حيث استهدفت سبع طائرات مسيرة أنبوب النفط لمحطتي الدوادمي وعفيف في منطقة الرياض والذي يربط بين رأس تنورة وينبع. وعلى إثر ذلك أوقفت شركة "أرامكو" الضخ في خط الأنابيب وأعلنت أنها تجري عملية تقييم للأضرار وإصلاح المحطة. وكانت تلك هي العملية الأولى التي تهز الاقتصاد السعودي وتكشف للعالم أجمع مواطن الضعف في الدفاعات الجوية السعودية.
ما بعد العملية لم يكن كما قبلها وهذا كان واضحا ليس في تصاعد الهجمات كما أسلفنا بل في الحديث الإماراتي المفاجئ عن سحب وإعادة نشر قواتها من اليمن في محاولة مكشوفة وفق كثير من المراقبين لتجنب أي عمليات قد تستهدف أراضيها بعد أن أدركت أن لدى اليمن قدرات تمكنها من تنفيذ تهديدات القيادة الثورية والسياسية في أي وقت وإلى أي مكان وهذا ما تم فهمه على ما يبدو من الرسائل غير المباشرة من قصف معسكر الجلاء في عدن بعملية مشتركة للصاروخية وسلاح الجو المسير أثناء عرض عسكري لتشكيلات مسلحة تمولها أبو ظبي إضافة إلى صاروخ بركان3 الباليتسي الذي استهدف هدفا مهما في الدمام وسط تأكيد أن القوة الصاروخية لديها مخزون استراتيجي كبير قادر على ضرب أي هدف. كان ذلك مطلع أغسطس شهر المفاجآت والضربات الموجعة.
"الإمارات تتحسس رأسها والسيد عبد الملك يحذر "
في السابع عشر من شهر أغسطس وجه سلاح الجو المسير ضربة قاصمة لعصب الاقتصاد السعودي بعشر طائرات مسيرة حلقت لمسافة تزيد عن ألف كيلومتر حتى حطت بحمولتها التدميرية ورسائلها السياسية والعسكرية على حقل ومصفاة الشيبة النفطي السعودي الحدودي مع الإمارات. حينها اضطرت المملكة للإقرار على وقع الصراخ والاستنجاد بالأمريكيين كالعادة، وعرف الهجوم بعملية توازن الردع وفق حديث السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطاب توعد فيه قوى العدوان بضربات أكبر وصفعات أقوى في حال استمرت السعودية ومن خلفها الإمارات في عدوانهما وحصارهما ورفضا القبول بعلاقة سوية مع اليمن قائمة على الاحترام المتبادل كمبدأ يضمن الأمن والاستقرار للجميع.
"عملية توازن الردع الثانية" السعودية تشتري النفط
بعد عملية توازن الردع الأولى شاركت طائرة صماد3 في عمليات الردع بهجوم على هدف عسكري مهم في الرياض في حين لم تتوقف طائرات قاصف تو كي عن استهداف القواعد والمطارات معززة بصواريخ باليستية على شكل دفعات في كثير من الأحيان كان من بينها صواريخ نكال وقاصم وصاروخ قدس1 المجنح كمنظومات جديدة دخلت خط المواجهة حديثا لتزيد الأزمة السعودية والقلق من تمدد كرة النار واشتداد لهيبها دونما أي حلول أمريكية تلوح في الافق لاحتوائها والتقليل من مفاعيلها وتداعياتها وهذا ما حدث بالفعل في الرابع من شهر سبتمبر إذ استفاقت المملكة على هجوم واسع لم يكن يخطر لها على بال.
عملية واسعة استهدفت مصفاتي بقيق وخريص في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في واحدة من أكبر وأكثر العمليات تأثيرا على الاقتصاد السعودي الذي توقف نصف انتاجه من النفط، وتحول السعودية بفعل ذلك الهجوم من أكبر مصدر للنفط إلى مستوردة له للوفاء بالتزاماتها لتزويد مصافي تكرير أجنبية والحفاظ على أسعار النفط في حده الأدنى تماشيا مع رغبة ترامب التي تقتضي زيادة انتاج النفط الخليجي لتعويض نقص إمدادات إيران.
بهذه العمليات وما سبقها وما سيأتي بعدها حوصرت السعودية من كل الاتجاهات وحشرت في الزاوية بعد أن ذاقت صنوف الهزائم وأنواع الإحباطات وشعرت كل يوم بمرارة الذل والمهانة حتى رمى لها رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط طوق النجاة عشية الحادي والعشرين من سبتمبر معلنا عن مبادرة للسلام دعا فيها جميع الفرقاء إلى الانخراط الجاد في مفاوضات جادة وحقيقية تفضي إلى مصالحة وطنية شاملة لا تستثني أي طرف وأعلن عن وقف استهداف أراضي السعودية بالطيران المسير والصواريخ الباليستية والمجنحة وكافة أشكال الاستهداف منتظرا رد التحية ومتوعدا بمراحل الوجع الكبير في حال عدم الاستجابة والاستخفاف بمعاناة اليمنيين.
"القوات الجوية تفاقم المأزق السعودي"
في الوقت الذي استطاع فيه سلاح الجو المسير كسر تفوق دول العدوان في معركة الجو بعملياته النوعية التي أقلقت الأمريكيين والصهاينة معا وفرضت عليهم تبني المواقف التضامنية مع السعودية وإبداء الحرص على دعمها والتعاون معها لمواجهة ما اسموها التهديدات المشتركة تمكنت قوات الدفاع الجوي في وقت وجيز من أن تطور من قدراتها معلنة عن دخول منظومتين دفاعيتين خط المعركة هما "فاطر1"، وثاقب1" بعد أن حققتا نتائج إيجابية بالإضافة إلى الكشف عن تطوير منظومات دفاعية أخرى كان لها الأثر الكبير في التعامل مع الطائرات الإستطلاعية المعادية بمختلف أنواعها وأحجامها بما فيها عدة طائرات نوع إم كيو ناين الأمريكية إحداها تابعة للجيش الأمريكي إضافة إلى تحييد طائرات الأباتشي بنسبة تصل إلى سبعين في المئة وكذا إجبار أحدث الطائرات الحربية على مغادرة الأجواء وسط تأكيد القيادة في صنعاء على استمرار العمل وتعزيز القدرة الدفاعية الجوية حتى تتمكن من التصدي لكافة أنواع الطائرات المعادية ونشر منظوماتها في كافة المناطق اليمنية.
"نصر من الله" تضع السعودية في مفترق طرق
سريعا تجاوب النظام السعودي مع مبادرة الرئيس المشاط على غير العادة ليس تحت ضغط التهديدات المتنامية من الجو وعامل الوقت الذي يسير في غير صالح الشركات الأجنبية العاملة في إصلاح الأضرار التي لحقت بمنشآت أرامكو ليس هذا وحسب بل ونتيجة للتطورات الميدانية الساحقة في محور نجران التي قلبت الموزاين رأسا على عقب وأثبتت مدى تكامل العمليات البرية والجوية ضمن استراتيجية مدروسة تحول فيها الجيش واللجان الشعبية من وضعية الدفاع إلى وضعية الهجوم الكاسح وهذا ما أكدته نتائج عملية نصر من الله المظفرة والتي توجت بإسقاط ثلاثة ألوية بكامل عتادها العسكري ومعظم أفرادها وقادتها في وقت وجيز وقع فيه أكثر من ألفي أسير واغتنام المئات من الدرعات والآليات المتنوعة إضافة إلى تحرير واستعادة مئات الكيلومترات طولا وعرضا ضمن مسرح عمليات يصل إلى عمق نجران.
العمليات تصاعدت في جبهات الحدود وما تحقق في نجران تكرر في محوري جيزان وعسير لناحية استعادة مساحة واسعة من المناطق التي توغل إليها العدو لا سيما في مدينة الربوعة بعسير بعد معارك عنيفة خلفت خسائر كبيرة في عديد وعتاد الجيش السعودي ومرتزقته. وفي مجمل الأحداث فشل العدو بفضل الله وصمود أبناء الشعب اليمني في اختراق العمق الجغرافي لليمن والتأثير على النواة البشرية فيه القادرة على التحرك لاستعادة المناطق المحتلة وأبعد من ذلك التقدم والتوغل في العمق السعودي في أي زمان ومكان.
السعودية تترك الباب مواربا لجهود السلام كسبا للوقت!!
على أكثر من مستوى وفي غير مكان دارت المفاوضات والمشاورات بين ممثلي السلطة في صنعاء والطرف السعودي ما بعد مبادرة الرئيس المشاط واقتصر دور الأمم المتحدة على نقل الرسائل بين الحين والآخر بعضها متعلق بملف الاسرى الذي يرواح مكانه هو الآخر نتيجة المماطلة وعدم وجود النية الحقيقة لإنهاء الحرب في اليمن وإحلال السلام إذ أصرت السعودية على هدنة محدودة في جبهات الحدود مقابل وقف الهجمات على عمق أراضيها فيما اشترطت القوى الوطنية هدنة محددة بسقف زمني ومشروطة بإنهاء الحصار وفتح مطار صنعاء.
مردّ ذلك، على ما يبدو، أن النظام السعودي ما زال يراوغ كسبا للوقت وإصرارا منه على إبقاء الورقة الاقتصادية رهينة لنزواته ورغبات تجعله يمتلك فرصة التحلل من الاتفاق إذا ما تهيأت له الأرضية لاستنئاف عملياته العسكرية وهذا ما تبدو عليه الأوضاع في الآونة الأخيرة إذ اتجه تحالف العدوان لارتكاب جرائم القتل بحق المدنيين في صعدة وهو أمر فرض على القوات المسلحة الرد وسيفرض عليها التعامل مع أي تطورات تحت قاعدة وان عدتم عدنا المثبتة بالحديد والنار.