نقاط على الحروف
"فلسطينيُّو لبنان" بين المنفى ومنفى المنفى!
هيثم أبو الغزلان
بين دفع اللاجئين الفلسطينيين باتجاه خيارات "الضرورة" ضمن سياقات، وبين حريّة الفعل نسبيًا، تُصعّد الأزمات وتترك بصيص ضوء، لكن يظلّ التساؤل أيُّ بصيص ضوء يريده البعض ويسعى إليه؟!
لم تكن نكبة الفلسطينيين وطردهم من أرضهم بفعل الاعتداءات والجرائم الصهيونية فعلًا إختياريًا للشعب الفلسطيني، بل كان فعلًا أُجبِروا عليه، فتركوا ديارهم وما يملكون بعدما قيل لهم إن ذلك سيستمر لوقت قريب ومعلوم، لكنّه امتد لعشرات السنين! فأصبح هذا الفلسطينيُّ صورة مركّبة لبطل فدائيٍّ، ورمزًا لصورة مثاليّة بعضها تكسّر بفعل الانتقالات المتكررة لهذه الصورة بين "فضاء التجريد وأرض التحديد" بما تحويه من رمزية وتاريخ جماعي تنوّعت بين الوطن، والشهادة، والبطولة، والمنفى، والعودة، واكتشاف طريق التحرير...
ويبيّن سرد الأديب الفلسطيني غسّان كنفاني في "رجال في الشمس" الخروج الفلسطيني ومواجهة تهديد الموت بضرورة دق جدران الخزّان، فسرد في قصّته "رجال في الشمس" حياة الفلسطينيين بالكويت، وعودته إلى دمشق في سيارة قديمة عبر الصحراء، فكان وصفه للمعاناة هي تلك الصورة الظّاهريّة للأحداث، أما في جوهرها وما تهدف إليه فقد كانت ترمز وتُصوّر ضياع الفلسطينيين في تلك الحقبة وتحوُّل قضيّتهم إلى قضيّة لقمة العيش مُثبتاً أنهم قد ضلّوا الطريق. وفي قصّة كنفاني "ما تبقّى لكم" يكتشف البطل طريق القضيّة، في أرض فلسطين فكان ذلك تبشيراً بالعمل الفدائي، ضمن مقولته "..الثورة وحدها هي التي تواجه الموت وتستخدمه لتشق سبل الحياة".. ويكتب الشاعر عز الدين المناصرة: "هذي المنافي قبورٌ، وهذا السوادْ/ وهذي الحجارة، ليست لنا… إنَّها للرمادْ". ويكتب الشاعر هارون هاشم رشيد: "أنا لن أعيش مشردًا / أنا لن أظل مقيّدًا / أنا لي غدٌ وغدًا / سأزحف ثائراً ومردًدا / أنا لن أعيش مشردا"..
فالشاعر عز الدين المناصرة يرى أن المنفى يصلح للزيارة، ولا يصلح للإقامة. حيث لا مكان في العالم يصلح للطمأنينة سوى مسقط الرأس، وكلُّ الطيور تعود إلى أوطانها حتى لو حكمها دكتاتور، باستثناء الطيور الفلسطينية، لأن الاحتلال "الإسرائيلي" لها بالمرصاد، رغم أنها تقاوم. ويقول إن "المنفى، مكان مؤقت تشعر فيه بأنك معلَّق في الهواء الفاسد"..
وإذا كانت الظروف الصعبة والمؤامرات المستمرة تنعكس سلبًا على حياة ووجود الفلسطيني في سبيل القضاء على قضيته سياسيًا، وتدمير وجوده المادي والمعنوي، أو تكريس الفصل بين القضية المثال "قضية فلسطين"، وبين سحق الإنسان الفلسطيني ليكفر بكل ما هو قائم، باستثناء تقبّل "إسرائيل" أمرًا واقعًا، أو عدم الاهتمام بوجودها أو عدمه!! ولهذا نرى أن عز الدين المناصرة قاوم "الفكر الاندماجي في المنافي لأنه يسحق هويتي الفلسطينية - أنا فلسطيني من أصل فلسطيني صقل المنفى شخصيّتي وتعلّمت منه المقاومة بأنواعها (الصّلبة والنّاعمة) كما تعلّمت منه (جدليّة الصّلابة – المرونة) ولم أستسلم لأساليب القهر فدائمًا يمكن أن نقاوم، ولكن أصبح حلمي بسيطاً: أن تدفن جثتي تحت دالية عنب خليلية قبالة البحر الميت".
ولهذا نحن نرى أنه بين المنفى وتركه والعودة إلى الوطن، أو عدم القدرة على ذلك، فإن خيار الآخر تجاه الفلسطيني يتمظهر من خلال ذلك العمل الجاد على تحويل هذا الإنسان الفلسطيني إلى إنسان جديد هدفه الانتقال من "منفى" هو فيه، إلى "منفى المثال حيث جنّة الرب".. فهذا الإنسان الفلسطيني يُدفع باتجاه "طلب المنفى الجديد" وتنفيذ الإعتصامات من أجل الإنتقال إليه، بفعل الظروف الصعبة التي يحياها، والواقع الذي لم يعد يحتمل الفلسطيني بوصفه ومعاملته كإنسان، والواقع القاهر أيضًا الذي لم يعد الفلسطيني يطيق تحمّله، لكنّه في كل الأحوال هو إنسان "يعي أسباب نكبته ويدرك أحوال العالم العربي ويعرف أكثر ماهيّة الصّهيوني الذي يواجهه". فهنا الحديث يتمحور حول الذاكرة المُركّبة للفلسطيني، والواقع الصعب، والمستقبل الذي يمكن بناؤه عبر عملية كفاحية مستمرة وممتدّة ومعقّدة، تخرج عن الثقافة المسيطرة، وتنفصل عنها لتعيد بناء المستقبل بعملية كفاحية واعية وقادرة على التأثير في البنى الموجودة.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024