معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

حرب الدعاية ضد إيران..
31/07/2019

حرب الدعاية ضد إيران.. "قبة الوهم" الصهيونية

أحمد فؤاد

تحتل الدعاية الموجهة مكانها في صدارة الاهتمامات الأميركية، منذ أن قررت واشنطن الاستفادة القصوى من تجربة "النازي"، ونقلت كل من أمكنها نقلهم من الخبراء الألمان إلى أراضيها، سعيًا لامتلاك تفوق عالمي، تستطيع به أن ترث الدور البريطاني القديم، وتواجه القوة السوفيتية البازغة.

نجح الأميركي في أن يحول الإعلام إلى أقوى سلاح، خلال الحرب الباردة، وبعدها، دخلت أمسركا العصر الجديد في الوقت المناسب تمامًا، عصر الصورة والتلفاز، وصارت الأعلى نفيرًا في الكوكب، تنشر ما أرادت له أن يُعرَف، وتحجب ما شاءت أن يبقى في الظلال البعيدة، ولم يستطع منافسها الأول - والأكبر - أن يباريها إعلاميًا، في أي وقت خلال الصراع الذي امتد لنصف قرن تقريبًا.

ظلت الصورة تقول إن الولايات المتحدة هي الأقوى والأعظم، وأنها "أرض الأحلام" وجنة الفرص الهائلة، وكان الإعلام العربي يسير وراء الأكاذيب الأميركية بحماس واقتناع شديدين، وكانت الهزائم المتوالية للأميركيين، بطول الكوكب وعرضه، تتحول بقدرة الإقناع الهوليودية إلى انتصارات، والمضحك أن الأفلام الأميركية تصور ما حدث في فيتنام على أنه بطولات خارقة، وشاهد العالم أفلام من نوعية "رامبو"، وغيرها، تحكي عن خيالات لا تمت للواقع بصلة.

الحرب العالمية الثانية، كمثال واضح وشهير، رويت فقط من وجهة نظر أميركية، فتجاهل الإعلام أضخم عملية استسلام في الحرب، أمام اليابان، حيث استسلم 80 ألف جندي أميركي لعدة آلاف من اليابانيين، واقتيدوا إلى معسكرات الاعتقال سيرًا على الأقدام، فيما يعرف بـ "مسيرة الموت" في باتان عام 1942، بعد أن هرب قائدهم دوجلاس ماك آرثر إلى أستراليا، تاركًا جنوده لمصيرهم، ولم تذكر انتشار مرض "رهاب التايجر" الذي أصاب جنود الحلفاء من الدبابة الألمانية الأكثر تطورًا خلال معارك النورماندي وبلجيكا، فيما كانت الدبابة ذاتها تمنى بخسائر فادحة أمام الجيش السوفيتي.

الكيان الصهيوني، وريث الشيطان الأكبر، سار على الوصفة الأميركية، زارعًا درب الوهم بالسراب، وصادف من النجاح ما لم يكن يتخيله، بفعل أمة عربية خارجة من استعمار أوروبي طويل، وكانت تبحث عن ذاتها في تجارب شرقية أو غربية، وتخاصم تاريخها وإيمانها، فبدت فريسة لينة سهلة المنال، وتتالت الهزائم تؤكد الأكاذيب الصهيونية، وترسخ الهزيمة الحتمية، وتجعل من الاستسلام خيارًا إستراتيجيًا، أعلنته جامعة الأنظمة العربية في 2003، مع تبني مبادرة "سلام عربية صهيونية" وضعها عبدالله ملك السعودية السابق.

أسس الصهاينة قصورًا من الوهم على رمال الخنوع العربية الرسمية، وساعدهم أن تلك الأنظمة فرطت مسبقًا -وأحيانًا بلا ثمن- في القضية والشرف، وباتت وسائل الإعلام الممولة تنفخ في البالونة الصهيونية، حتى استحالت ماردًا، لا قبل لأحد بمواجهته.

كل ما صنعته الآلة الدعائية الصهيونية انهار تمامًا، مع نصر تموز، في العام 2006، احترق الكذب وسط النيران المشتعلة في "الميركافا"، وضاع الوهم أمام بسالة مقاتلي حزب الله في مارون الراس، وغرق الخيال المريض مع السفينة ساعر، وكانت خطابات سماحة السيد حسن نصر الله تؤكد الإنجاز العسكري بنصر معنوي هائل، احتاجته الأمة العربية، ووجدته.

حقق حزب الله معادلة غير مسبوقة في الحروب العربية مع الكيان الصهيوني، ولعله أهم فارق بين انتصار 2000، حين فر الجيش الصهيوني بليل من لبنان، ونصر تموز 2006، وكان أساس زمن جديد، بالكامل، ينظر إلى الخلف للتعلم واستخلاص الدروس، لكنه أبدًا لا يعود للماضي.

من قرر العودة للماضي،كان الكيان الصهيوني، بعد تموضعه في مأزق وجودي، هو لا يستطيع الحركة حرًا، كما كان، ولا يتحمل أيضًا الانتظار، ومحور المقاومة يضيف لقدراته كل يوم، خصوصًا مع التراجع الأميركي، والمرشح للمزيد خلال السنوات القادمة، فكان الحل الصهيوني هو العودة للحروب المعنوية، مع جهد سعودي محموم لزيادة الاستقطاب الطائفي في كامل المنطقة العربية.

الكيان الذي أعلن -فجأة- نجاح تجارب منظومة "حيتس 3"، في الأسكا بالولايات المتحدة، وعلى لسان رئيس وزرائه، وجاء في نص البيان الصهيوني إنه "تم خلال التجارب تدمير صواريخ معادية خارج الغلاف الجوي"! وأكمل نتنياهو نسج قصته بأنه بات "بإمكان الصواريخ الصهيونية الآن أن تعترض صواريخ باليستية قد تُطلق عليها من إيران أو من أي مكان آخر"!، وجاء النجاح المزعوم بعد تعاون تقني مع "الوكالة الأميركية للدفاع الصاروخي".

الغريب أن الصهاينة ربطوا نجاحهم بخوف يجتاحهم من الصواريخ الإيرانية، التي قطعت، من أسابيع فقط، الشك باليقين، خلال إسقاطها لدرة الصناعات العسكرية الأميركية، وأحدث طائراتها المسيرة، فوق محافظة هرمزجان، بصاروخ محلي الصنع خرداد 3، وبلا بيانات زاعقة، أو إعلانات هوليودية النكهة.

الرسالة الصهيونية الموجهة لطهران تبدو هذه المرة "مضحكة"، أكثر منها مقلقة، فالقبة الحديدية، التي حاول الإعلام الصهيوني ترويجها على مدى سنوات، بكونها أهم سلاح ردع لدى الكيان، ومفتاح أمنه الأول، فشلت خلال العدوان الأخير على غزة في اعتراض نحو 60% من قذائف المقاومة، وهذا كله منشور في الصحف الصهيونية، التي صدمت وقتها من الأداء الكارثي لـ "قبة الوهم"، كما فشلت في اعتراض الصواريخ من الجولان السوري، فهل يمكن لعاقل أن يبتلع الطعم الصهيوني مجددًا!

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف