معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

الفلسطينيون و
19/07/2019

الفلسطينيون و"قانون الوزير" على نار حامية

هيثم أبو الغزلان

أجرَيت في العام 2005 مقابلة مع وزير العمل آنذاك، د. طراد حمادة، عقب قرار له استثنى بموجبه الفلسطينيين المولودين على الأراضي اللبنانية من المادة التي تنص على حصر أكثر من 70 مهنة باللبنانيين دون سواهم، فقال: "يجب الاعتراف أنه لم يكن هناك توتر بالعلاقات اللبنانية الفلسطينية، وإنما لم يكن هناك متابعة دقيقة وجدّيّة لهذه العلاقة. كما لم يوجد اهتمام ورعاية تتناول كل أبعاد تلك العلاقة: السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وأيضًا الأمنية... وهذا يعني أن التعامل مع هذه المسائل لم تتم متابعته... وأقول إنه في فترة سابقة اقتصرت المعاملة على الجانب الأمني، ولكن كان لا بد من الارتقاء فيها مع الجوانب الأخرى لتطال كل الجوانب السياسية والاجتماعية والأمنية".

مناسبة استحضار هذا الكلام المهم أنه لم يكن أحد من الفلسطينيين يُفكر في إحداث احتجاجات على أيّ قرار من قرارات وزارة لبنانية. لكن قرار وزير العمل في الحكومة اللبنانية كميل أبو سليمان، بمعاملة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان معاملة مماثلة للعمالة الأجنبية، وأن وزارته لا تُميّز بين أجنبي وآخر في تطبيق القوانين، اعتبره فلسطينيون أنه تأكيد على عدم جدية الوزارة في "إيجاد حلول تضمن مصلحة وحقوق الطرفين، ومحاولة لتصوير الفلسطينيين في لبنان بأنهم لا يحترمون القانون". وهذا كلام تدحضه بحسب بيان للجبهة الديمقراطية "الدعوات اليومية من قبل جميع الفلسطينيين في لبنان بضرورة تنظيم الوجود الفلسطيني بمختلف عناوينه السياسية والقانونية والاقتصادية والأمنية"..

لقد رافق قرار الوزير ردود فعل واحتجاجات غير مسبوقة في الأوساط الفلسطينية في لبنان والشتات، وحدث لغط حول وقف العمل بالقرار، وتوضيحات الوزير الرافضة، والدعوات الفلسطينية للاستمرار في الاحتجاجات، وردود الفعل اللبنانية المستنكرة لتطبيق القرار، ما يطرح أكثر من تساؤل حول ردة الفعل الفلسطينية، وتمظُهر بعضها حول ضرورة تطبيق مقاربة واضحة للوجود الفلسطيني تساعد في مواجهة التوطين المرفوض لبنانيًا وفلسطينيًا، وضرورة التعاطي في الوقت نفسه مع الإنسان الفلسطيني كإنسان يحمل قضية وطنية وقومية..

اللبنانيون والفلسطينيون يتشاركون في رفض كل أشكال التوطين

للوهلة الأولى يشعر المتابع أن قرار وزير العمل قد أعاد الأمور إلى سابق عهدها، بعد إلغاء المجلس النيابي اللبناني في (21-5-1987)، اتفاق القاهرة الموقع في (3-11-1969)، بين الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقبل الحوار الذي أعادت الحكومة استنئنافه في (3-7-1991)، وتسلّم اللجنة الحكومية المكلفة آنذاك من الوزيرين السابقين (عبد الله الأمين، وشوقي فاخوري)، مذكرة بمطالب اللاجئين، وقبل لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، والتفاهمات التي حصلت، والقوانين التي عُدِّلَت عام 2010، في ما يخصّ عمل الفلسطينيين، ولم تتحوّل إلى مراسيم تطبيقية تراعي الوضع الفلسطيني وتحمي حقوق الإنسان الفلسطيني..

لقد "برّر" وزير العمل كميل أبو سليمان قراره اتجاه العمالة الفلسطينية بأنه لم يكن يدرك الخصوصية التي "يتمتع" بها الفلسطيني في لبنان، لكنه وعلى الرغم من الكلام الإيجابي للرئيسين نبيه بري وسعد الحريري والنائب علي عمار (حزب الله)، والكتل النيابية خلال جلسة مجلس النواب المخصصة لمناقشة موازنة العام 2019، إلا أنه لم يزل يصر على "طلب إجازات عمل من الفلسطينيين"، مع أخذه بعين الاعتبار اتخاذ بعض التعديلات والإجراءات لتسهيل الأمور، وهذا يتناقض بحسب بيان للجبهة الديمقراطية "تناقضًا كاملاً مع نص التعديلات القانونية التي سنّها البرلمان اللبناني عام 2010 والتي اعتبرت العمال الفلسطينيين في لبنان فئة خاصة من العمال الأجانب، وبالتالي فان عدم وجود قوانين خاصة ترعى حقوق الفلسطينيين بشكل عام والعمال خاصة هي مسؤولية مؤسسات الدولة اللبنانية، وليست مسؤولية اللاجئ الفلسطيني الذي لا يريد سوى الانتظام في أطر قانونية تحمي حقوقه كإنسان، وليس مجرد تسهيلات من هنا أو هناك".

لا شك أن اللبنانيين والفلسطينيين يتشاركون في رفض كل أشكال التوطين. ولهذا رأينا الرفض اللبناني وكذلك الفلسطيني، لمشروع النائب الأمريكية، إليانا روس ليتنن، الذي أقره الكونغرس الأمريكي في ( 28- 10 - 2003  وكذلك مشروع المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية آنذاك، رون بروسور، الذي أعلن في (14-12-2005)، عن إعداد وزارته مشروعًا لتوطين اللاجئين في لبنان، وذلك استنادًا لمشروع هنري كيسنجر الساعي إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان التي يقيمون فيها.

إن الرفض اللبناني - الفلسطيني المشترك للتوطين وتصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين يجب أن يُستتبع بالإسراع بإنجاز الحوار اللبناني -الفلسطيني، بعيدًا عن التأثيرات المحلية أو الإقليمية أو الدولية التي من الممكن أن تعيقه، أو أن تكون سببًا في إفشاله، سيما أن الفلسطينيين في لبنان في الفترة الأخيرة قد أثبتوا "حيادهم الإيجابي"، وحافظوا على وجودهم من التذويب، أو التهجير، لكنّهم في الوقت نفسه لن يقبلوا إلا بالحياة الكريمة، سيما أنهم يحملون مشعل قضيتهم الوطنية حتى العودة والتحرير.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف